فجأة أصبحت قوات حرس الحدود فى قلب الحدث الملتهب خصوصا على الحدود الشرقية، حيث تصاعدت موجات العدائيات التى تستهدف اختراق الحدود وتهديد الأمن القومى المصرى بعمليات تخريبية إجرامية، دخلت فى مواجهات مسلحة مع الشرطة والقوات المسلحة، وكان لرجال حرس الحدود نصيب منها، بينما انعكست الأوضاع السياسية المضطربة فى دول الجوار فى السودان وليبيا على تزايد العمليات الإجرامية لمافيا تهريب السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية. هكذا تبدو المهمة صعبة وليست مستحيلة لقوات حرس الحدود، فجيشنا كسر المستحيل من زمن بعيد، لكن قائد القوات اللواء أحمد إبراهيم لا يفتأ يعبر عن ثقته الشديدة فى قدرات «أولاده» ومدى تفانيهم وإخلاصهم، وكذا التدريب العالى الذى يجعلهم مؤهلين للذود بجدارة عن حدود بلد كبيرة وعظيمة اسمها مصر.
«عشرات الألوف من العيون التى لا تنام على امتداد 6000 كم لتؤمن حدود مصر ليلا ونهارا، بعضها تحت لفحات الحرارة العالية والجبال المقفرة وبعضها فى صقيع الصحراء المفتوحة ونوات الشتاء القارس، كانت وجوههم دائما للحدود الاتجاه الوحيد لصد العدائيات، فصارت اليوم فى كل اتجاه، فالمخطط لاستهداف أمن مصر وأبنائها لا يتوقف عند الحدود، بل يحفر تحتها أنفاقا ويركب البحر فى الظلام ليضرب المصريين فى ظهورهم بالأسلحة والمخدرات، ثم يسرق أقواتهم عبر أنفاق تهريب شرقا تدعمها للأسف سلطة وإدارة وينهب ثرواتها المعدنية جنوبا ويرسل المسرطنات لشبابها غربا».
هكذا تركز حديث قائد قوات حرس الحدود فى لقائه ممثلى الإعلام العسكرى وهو يلخص كيف يرى أولاده، كما يصفهم وكيف يرى حقيقة ما يحدث من مخطط يستهدف أمن مصر. «نحن مكلفون بفرض سيادة وسيطرة الدولة على الحدود البرية والساحلية ومقاومة ومنع التسلل والتهريب».
علاوة على ذلك تكلف حرس الحدود بمهام أخرى منها السيطرة المؤقتة على المنافذ البرية بالمناطق المحظورة لحين فتح منافذ شرعية مستديمة، أى ما دام لا يوجد منفذ بين الدولتين لكن بها طريق يسلكه المواطنون فى الدولتين نسيطر عليه، ومرافقة الأنشطة السياحية والتعدينية والمشاركة فى القضاء على الزراعات الخطرة خصوصا فى سيناء».
ومع تصاعد التوتر على الحدود الشرقية وأعمال التهريب، يقول اللواء إبراهيم «كثفت قوات حرس الحدود من انتشارها على خط الحدود البرية المواجه لغزة على امتداد 13.3 كم والحدود الساحلية بمواجهة 18 كم، اعتمادا على نقاط المراقبة المزودة بأحدث الأسلحة والمعدات الفنية للكشف عن الأنفاق، علاوة على الدوريات والكمائن الراكبة والمترجلة.
نضع فى اعتبارنا توجيهات القيادة العامة بضبط النفس، لأننا نعلم أن المتجاوزين قلة لا تمثل الشعب الفلسطينى الشقيق، بل ونساعدهم بتقديم المساعدات اللازمة والسماح بعبور المرضى الفلسطينيين للعلاج بالمستشفيات العسكرية، وفى نفس الوقت نلتزم بصرامة بأن حدودنا خط أحمر غير مسموح باختراقه».
ووفقا للواء إبراهيم فإن العمليات العسكرية المتواصلة منذ ثلاثة أشهر كان محصلتها تدمير عشرات الأنفاق وبيارات تهريب وقود وسقوط كميات لافتة نوعا وكما من الأسلحة والذخيرة. ليصل إجمالى الأنفاق التى تم اكتشافها منذ الثورة الأولى فى يناير 2011 إلى 1055 نفقا منها 794 نفقا من أول العام الحالى.
«الأنفاق يتم التعامل معها بأكثر من طريقة من خلال المهندسين العسكريين فيتم تفجيرها إذا كانت بعيدة عن المساكن أو غمرها بالمياه بواسطة ماكينات رفع المياه من الآبار، أما داخل أراضينا فيتم الآن معالجة الموضوع بأكثر من محور، كلها تعتمد على الحفاظ على العلاقة الوثيقة والراسخة مع الشرفاء من أبناء سيناء وقبائلها الذين ترتبط حرس الحدود معهم بعلاقات وطيدة بحكم وجودها بمناطق تجمعات القبائل، والحقيقة أن شيوخ وعواقل القبائل خير عون لنا، والتنسيق والتعاون مستمران وقت الشدة ووقت الرخاء».
«الشرفاء الذين أضيروا فى العمليات الدائرة ضد الإرهاب سيتم تعويضهم كما تعهد القائد العام وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، بل ونبنى لهم بيوتا أفضل منها وكلمته لا رجوع فيها»، هكذا يجيب إبراهيم عن سؤال «أما أى منزل أو عشة يكتشف تحتها نفق أو بيارة فيتم تدمير النفق والبيت ويقبض على صاحبه ويقدم للنيابة العسكرية»، وأردف «نعم سيحاكم عسكريا».
وأوضح إبراهيم أنه وفقا لقانون المناطق الحدودية فإن الدولة تحدد خمسة كيلومترات عمق خالية من أى إنشاءات لضرورات التأمين، لكن فى سيناء يختلف الوضع بسبب ضيق المساحة، ونكتفى ينحو 600 متر بطول الشريط مع غزة لن يسمح بأى إنشاءات فيها ويتم تسويتها تماما لإتاحة مجال رؤية أفضل لقواتنا.
ومع ذلك فلم يتوقف المخطط ومع إحكام السيطرة على الحدود وغلق الأنفاق اتجه المهربون إلى البحر الذى يخضع لسيطرة إسرائيلية وفقا لاتفاقية جنيف 4، فى ثلاث محاولات بدؤوها بقاربى صيد رصدتهما البحرية وتعاملت معهما ثم محاولة بخمسة قوارب ليلا رصدت أيضا ثم أخيرا محاولة بإرسال 12 قاربا تعاملنا معها بشدة، وأصبب اثنان وكان ذلك منذ شهر، ولم تتكرر المحاولة منذئذ بل جاءنا اعتذار رسمى.
تقريبا أربعون عاما مضت منذ حملت قيادة قوات حرس الحدود اسمها الحالى بقرار صدر فى نوفمبر 1973 بعد حرب أكتوبر مباشرة، لكنها مع ذلك تعد من أقدم أسلحة القوات المسلحة، حيث أنشئت فى 1878 من إدارتين واحدة للسواحل والأخرى للحدود، ثم تعدلت إلى إدارة حرس الحدود فى 1917 وألحقت بوزارة المالية.
واليوم تتولى قيادة قوات حرس الحدود مهام واسعة بعيدا عن الالتهابات الحادة فى الشرق، فالأوضاع على الحدود الجنوبيةوالغربية وإن كانت أقل صخبا فإنها أيضا ليست بالبسيطة.
الحدود الجنوبية مع السودان الشقيق تمتد 1100 كم على قسمين شرق النيل وغربه. وشرق النيل توجد بها قوات تأمين على الجانب السودانى بشكل أفضل خصوصا عند مناطق المنافذ سهيل وحديربة والسيطرة أفضل، لكن ينتشر نشاط التنقيب عن الذهب الذى تستخدم فيه معدات حديثة جدا، وحتى الآن أمسكنا 22 لودرا ثمن الواحد 1.2 مليون جنيه، و117 سيارة دفع رباعى للصحراء موديل العام الحالى.
وأشار إبراهيم إلى أن الشائع أن التنقيب عن الذهب فى جنوب مصر غير اقتصادى حيث تبلغ نسبة المعدن 0.005 % خمسة فى الألف، لكن فحص العينات المضبوطة من رمال يتم نقلها من مصر أثبت أن النسبة تصل 0.024 %. ويضيف: «وحيثما وجد الذهب تتزايد فرص وجود يورانيوم، فمصر غنية بمواردها وبأولادها فلماذا لا يأتون للتنقيب ونوفر لهم التأمين اللازم فنحن موجودون هناك وفى كل مكان».
أما غرب النيل، يقول قائد حرس الحدود، حيث لا حياة باستثناء العوينات ومزارع بير مساحة وبير دبس، فلا توجد قوات فى عمق الجانب السودانى حتى 200 كم إلا عند نقطة التواصل مع ليبيا وتشاد، وتعد المنطقة الأكثر نشاطا فى الهجرة غير الشرعية، التى غالبا تعبر من السودان عبر مصر إلى ليبيا ويمثل 60% منهم سودانيون والباقى من إريتريا والصومال. وتمتد الحدود الغربية مع خط 25 وتقسم من السلوم لسيوة وهى منطقة بها حياة وأغلب التهريب يتم عن طريق السلوم، لكن مع إحكام القبضة عليهم اتجهوا إلى سيوة وجغبوب، حيث يتم تهريب السجائر خصوصا المسرطنة.
يشير إبراهيم إلى أن تأمين بحر الرمال يتم من على الطريق الأسفلتى الواصل بين سيوة والواحات البحرية والداخلة والفرافرة وبير مساحة. بحر الرمال نفسه يمتد 300 كم وصعب جدا السير به، لذا نتسلم التأمين من الطريق الموصل إليه. وقال إبراهيم إن الحدود عند تلاقى خط 22 و25 مع ليبيا والسودان توجد بها نقطة مراقبة كاشفة كما توجد نقطة أخرى عند جبل كامل.
إبراهيم أكد أنه قام بإعادة قطاع الهجانة إلى قوات حرس الحدود وكذا قصاصى الأثر وقال: «يمثلون وحدة أساسية عندى ولهم احتياج خاص نظرا لطبيعة حدودنا الجبلية والصحراوية وأكثرهم نوبيون، والحقيقة أنهم قريبون لقلبى جدا أحبهم وأحترمهم لأنهم أمناء جدا وصادقون وطيبون».