كنت وأنا صغيرة أذهب للسينما كل أسبوع مع صديقاتى، كنا ندخل حفلة الظهيرة دائما. ندخل قاعة السينما ونور الشمس يملأ السماء ثم نخرج بعد انتهاء الفيلم من باب آخر جانبى مخصص للخروج، و نجد الدنيا ظلاماً... ندخل نهارا ونخرج ليلا...كنت أشعر وقتها أن أحدا سرق اليوم منى..سلبنى جزءاً من عمرى. سقطت فترة من اليوم لم أعشها، وكأنى كنت نائمة أو مخدرة. فى أحد الأيام عاودنى ذلك الشعور..كنت قد قررت الجلوس فى أحد المقاهى بعد انتهائى من العمل كنوع من التغيير، بدلا من العودة إلى المنزل مباشرة... كنت قد أحضرت كتابا معى للقراءة، ووعدت نفسى بوقت هادئ مميز . مكان أجد فيه من يقدم لى مشروبا ساخنا ويتمنى لى وجبة طيبة ويقف قريبا ليلبى لى ما أطلب بأدب. فتحت الكتاب وبدأت القراءة وبعد مرور الوقت، رفعت عينى عن صفحات الكتاب ووجدت الظلام قد حل بالخارج. وعلى عكس ما كنت أخطط لم أشعر بتحسن فى المزاج، بل انتابنى شعور عميق بالانقباض.. اكتشفت أن غروب الشمس وحلول الظلام يشعراننى بالاكتئاب..أشعر أن أحدا سرقنى، سلب منى اليوم، أو أننى تركت اليوم والساعات تتسرب من بين أصابع يدى. شعرت أن بداية كل نهار هى بداية فرصة جديدة وأن غروب الشمس هو الإنذار الأول بقرب ضياع الفرصة وندمى عليها. عندما أتحدث إلى الشباب وأستمع إلى أحلامهم الكبيرة وطموحهم العريض أشعر أنهم مثلى وقت دخولى قاعة السينما منتصف النهار ونور الشمس يملأ الأرض بالضياء والدفء. ويذكرنى انفلات الأيام منى بصورتى وأنا أندفع مع الآخرين إلى الشارع من الباب المخصص للخروج من قاعة السينما والدنيا ظلام والفرصة قاربت على الانتهاء. و أفكر أننا نكبر ولكننا نفس الأشخاص، كل ما فى الأمر أن مرت أيام عديدة علينا، عديدة بعدد سنوات أعمارنا..تماما مثل فيلم للممثل الكوميدى الأمريكى الأسمر كريس روك، الذى يحكى عن شاب توفى إثر حادث، ثم عاد للحياة مرة أخرى فى جسد رجل أبيض مسن.. هذا الشاب عاد يتحدث ويتعامل مع الجميع بحقيقته كشاب أمريكى أسود، و لكن الجميع تعامل معه كرجل أبيض عجوز. بالضبط كما ننظر لأنفسنا من داخلنا، فأجد أننى نفس البنت الصغيرة التى تقلد أخواتها الأكبر، و تمد خطواتها لتقلد خطوة أبيها الواسعة لتجارى سرعته فى السير، أجد نفسى نفس طالبة الجامعة بنفس الروح ونفس الأحلام، ولكن الناس تنظر إلى شكلنا الخارجى الذى شكلته الأيام ووضعت عليه بصماتها، فيعاملنا الآخرون على أننا «رجل أبيض عجوز» فى حين أن داخلنا «شاب أسود مرح». كنا دوما نتعجل الأيام ونحن صغار، كل ألعابنا تقليد للكبار، نرتدى أحذية والدتى ذات الكعوب العالية، نلعب أننا أمهات لعرائسنا، نحمل حقائب اليد الخاصة بوالدتى ونلعب أننا سيدات مجتمع نتزاور مع بعضنا ونقدم الشاى من البراد البلاستك ونصبه فى فناجين صغيرة وندعى أننا نقدم معه الحلوى.... فى أحيان كثيرة، نلوم أنفسنا أننا أضعنا لحظات ثمينة من السعادة ومن القرب من أشخاص نحمل لهم حباً وإعزازاً، لم نشعر بقيمتها وقتها، و نتساءل كيف جعلنا تلك الأيام تتسرب من بين أيدينا؟ لكن الحقيقة أنه لا دخل لإرادتنا فى مرور اللحظات وانفلاتها منا، شئنا أو أبينا ستضيع وتمضى، لتجعلنا نتحسر عليها. عندما أستمع إلى آراء أبنائى القاطعة والحاسمة وثقتهم فى حكمهم على الأمور.. أبتسم وأتذكرأننا أيضا عندما كنا صغارا وشبابا، كنا نعتز كثيرا بأنفسنا وبآرائنا، و كنا نتصور أننا نعرف كل شىء وأننا توصلنا إلى حقيقة كل ما يحيط بنا...و كلما تتقدم بنا الأيام، تصغر أنفسنا فى أعيننا ونتيقن أن ما نجهله أكثر كثيرا مما نعرفه، و أن ما نعرفه لا يصل إلى مقدار ذرة من لب الحقيقة. أنظر إلى الأيام فأراها كلص محترف، يسرق منا الوقت والعمر، و لكنه لص شريف. فهو يسرق ما فى المحفظة من أموال، و لكنه يترك لنا الأوراق المهمة التى نحتاجها. فمع مرور الأيام، نحب ونفقد من نحب فنصبح أكثر إنسانية، نخطئ فنكتسب خبرة، نتألم فننضج، ننخدع فنصبح أكثر انتباها، نهتم ونحكم بالمظهر حتى نعرف قيمة الجوهر، نكبر فنصبح أكثر حكمة.