محاولات إسرائيل لعرقلة القضايا القانونية (خبير يوضح)    القنوات الناقلة المفتوحة لمواجهة الزمالك ونهضة بركان في نهائي الكونفدرالية الإفريقية    دون وقوع خسائر بشرية.. التحقيق في اندلاع حريق بعقار سكني بمدينة نصر    وزيرة التضامن تبحث ريادة الأعمال الاجتماعية مع نظيرها البحريني    شهادات تقدير لأطقم «شفاء الأورمان» بالأقصر في احتفالات اليوم العالمي للتمريض    «المصرية للاتصالات» تنفي تلقي أية عروض رسمية لشراء حصتها ب «فودافون» ..سنقوم بالإفصاح عن أية مستجدات    الأحد 19 مايو 2024.. الدولار يسجل 46.97 جنيه للبيع في بداية التعاملات    طارق شكري: 3 مطالب للمطورين العقاريين للحصول على إعفاءات ضريبة للشركات    سعر كيلو السكر في السوق اليوم الأحد 19-5-2024    أيمن عاشور: مصر شهدت طفرة كبيرة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من الشركاء الدوليين للقطاع الخاص    رئيس صحة النواب يستعرض تفاصيل قانون تطوير وإدارة المنشآت الصحية    حنفي جبالي :الحق في الصحة يأتي على رأس الحقوق الاجتماعية    الدفاع المدني الفلسطيني: إسرائيل دمرت أكثر من 300 منزلًأ منذ بدء عمليته في مخيم جباليا    "اليوم التالي" يثير الخلافات.. جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو بسبب خطة ما بعد الحرب    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    الأولى منذ عام 2000.. بوتين يعتزم زيارة كوريا الشمالية    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    عقب مواجهة الترجي.. وصول بعثة الأهلي للقاهرة    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    وزير الداخلية يقرر إبعاد 5 سوريين خارج البلاد لأسباب تتعلق بالأمن العام    استمرار موجة الحر.. هيئة الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارع جامعة الدول العربية وسيولة بكوبري أكتوبر    بالصور| تكريم سلمى أبو ضيف من مبادرة "المرأة في السينما" ضمن فعاليات مهرجان كان    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    الفنان حسن مصطفى.. تميز بالصدق فى الأداء.. مدرسة المشاغبين والعيال كبرت «أبرز أعماله».. وهذه قصة زواجه من ميمي جمال    الليلة.. عمر الشناوي ضيف برنامج واحد من الناس على قناة الحياة    انطلاق الموسم المسرحي لاقليم جنوب الصعيد الثقافي على مسرح قنا| صور    الهجرة: «الجمهورية الجديدة» هي العصر الذهبي للمرأة    بسبب الموجة الحارة تحذيرات عاجلة من الصحة.. «لا تخرجوا من المنزل إلا للضرورة»    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير وموفرة    بحضور وزير الشباب والرياضة.. تتويج نوران جوهر ودييجو الياس بلقب بطولة CIB العالم للإسكواش برعاية بالم هيلز    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    أخبار جيدة ل«الثور».. تعرف على حظك وبرجك اليوم 19 مايو 2024    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    افتتاح الدورة التدريبية عن أساسيات وتطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    إعلام روسي: هجوم أوكراني ب6 طائرات مسيرة على مصفاة للنفط في سلافيانسك في إقليم كراسنودار    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. الإفتاء توضح المعنى المقصود منه    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    مصرع فتاة أسفل عجلات جرار زراعى بالمنوفية    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    أسعار الخضراوات اليوم 19 مايو 2024 في سوق العبور    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    نهائي دوري أبطال أفريقيا| بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    اليوم.. إعادة محاكمة متهم بأحداث محمد محمود الثانية    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    محمد يوسف: محمد صلاح عالمي وينبغي أن يعامله حسام حسن بشكل خاص    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثروت الخرباوى يكشف الغزل السياسى الرفيع «14» أئمة الشر.. الإخوان والشيعة
نشر في الدستور الأصلي يوم 13 - 06 - 2013

مَن «خسرو شاهى» الإيرانى الغامض صاحب اللقاءات «الليلية» مع قيادات الجماعة فى فيلاّ بالتجمع الخامس؟
«نفهم أن يتهادى الناس، فالهدايا تقرب القلوب وتؤلف النفوس وتزيد الود وهى مجلبة للخير، ونفهم أن يتهادى الناس من أموالهم وبأموالهم، فهذا هو البديهى، وكما يقول الشاعر إن الهدية تهدى على مقدار هاديها، ولكننا لا نفهم أن تكون الهدية التى تهدى هى تفريطًا فى الدين وتبديلًا فى العقيدة، ولكن كل شىء فى عالم السياسة مُباح، حتى اللعب بالدين».

قدَّم «المرشد» حسن البنا للشيعة هدية هى الأقيَم عبر تاريخهم، ساعدهم فى إنشاء دار لتقريب السنة إليهم، فتح الأبواب لهم من خلال هذه الدار، فكان أن وافق الأزهر بعد سنوات من فتح هذه الدار من خلال الشيخ محمود شلتوت فى فتوى هى الأغرب عبر التاريخ، على مذهب الإمامية الإثنى عشرية واعتباره من مذاهب السنة! لذلك فقد حصل حسن البنا على مكانة كبيرة عند الشيعة، مكانة سامقة لم يصل إليها أحد من أهل السنة فى عيون الشيعة، وحين أصبح آية الله الخمينى قائدًا لإيران بعد الثورة بحث عن لقب سياسى لنفسه فلم يجد أفضل من لقب المرشد كشكل من أشكال ردّ الصنيع للبنا والإخوان، وكان اختياره لهذا اللقب بمثابة رسالة شكر للإخوان، كأنه يقول لهم ولمؤسسهم البنا « نشكركم لحسن تعاونكم معنا».

رد الشيعة الهدية للإخوان بأحسن منها، فقد سمحوا للإخوان بإنشاء تنظيم لهم فى إيران، وجعلوا كتب سيد قطب من المناهج الدراسية لطلبة الحرس الثورى فى ما يتعلق بدروس العقيدة، وأصدروا التصريحات المتتالية التى تحمل قدرًا كبيرًا من العرفان لجماعة الإخوان، بيد أنهم لم يكتفوا بهذا، فالود المتبادَل يحتِّم عليهم استمرار الغزل، والأيام تجرى بينهما بالماء العذب الفرات، والدنيا تفتح لهم أبواب الحكم، والحكم له ضروراته، وتوابعه، وتنازلاته، وزلاته، لذلك قامت إيران الرسمية بتوجيه الشكر لحسن البنا، عبر أحد دبلوماسييها الكبار، لم يكن هذا الدبلوماسى ممثلا لنفسه حين قدم آيات العرفان للبنا، ولكنه كان يمثل شيعة إيران، ففضلا عن أنه أحد كبار الدبلوماسيين هناك، إلا أنه كان أيضا أحد أكبر رجال الدين بها، وقبل أن ندخل إلى خطاب الشكر الذى كتبه هذا الدبلوماسى الشيعى الكبير والذى تنضح منه مشاعر الحب والتقدير، يجب أن نعرف من صاحب هذا الخطاب، وما مرجعيته، وما قصته.

سيد هادى خسرو شاهى، أحد كبار سفراء إيران فى العالم، كان منذ سنوات قليلة رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيرانية فى مصر، عاش فيها عدة سنوات وتقابل مع قيادات جماعة الإخوان ومرشدها مصطفى مشهور أكثر من مرة، ثم التقى المرشد السادس مأمون الهضيبى عدة مرات، كانت اللقاءات تتم أحيانا فى مقر جماعة الإخوان الذى كان آنذاك فى حى المنيل، إلا أن معظم اللقاءات كانت تجرى ليلا فى فيلا مملوكة لأحد قيادات الإخوان منشأة حديثا فى حى التجمع الخامس الذى يقع شرق القاهرة، لم يعلم أحد طبيعة هذه اللقاءات، أو ما الذى كان يتم فيها، وما الاتفاقات التى كانت تجرى بينهما على قدم وساق، إلا أن تصريحات الإخوان المتتالية المؤيدة لمواقف إيران السياسية كانت تكشف عن نجاح سيد هادى خسرو شاهى فى مساعيه الدبلوماسية.

عام 1938 فى مدينة تبريز عاصمة أذربيجان الشرقية وُلد هادى خسرو شاهى لأب من رجال الدين، شب خسرو عن الطوق فى مدينة ذات تاريخ تحيط بها من جهة الجنوب جبال لها طبيعة خاصة، تكسوها الثلوج طوال العام، كانت عائلته تتشكل من نخبة من رجال الدين الشيعة، وهى تنحدر من أولئك الصفويين الذين نصبوا المذابح لأهل السنة فى إيران كى يجبروهم على الدخول إلى طوائف الشيعة، يقول ياقوت الحموى فى كتابه المعروف معجم البلدان عن مدينة تبريز «تبريزُ: هى أشهَرُ مدُن أذربيجان وهى مدينة عامرة حسناء ذات أسوار محكمة بالآجُرّ والجص وفى وسطها عدة أنهار جارية والبساتين محيطة بها والفواكه بها رخيصة وعمارتها بالآجز الأحمر المنقوش والجص على غاية الإحكام وكانت تبريز قرية حتى نزلها الرواد الأزدى المتغلب على أذربيجان فى أيام المتوكل، ثم إن الوجناء بن الرواد بَنَى بها هو وإخوته قصورأ وحصنها بسور فنزلها الناس معه ويعمل فيها من الثياب والنسج ما يحمل إلى سائر البلاد شرقا وغربًا ومر بها التتر لما خربوا البلاد فى سنة 618 فصالحهم أهلها ببذول بذلوها لهم فنجَت من أيديهم وعصمها الله منهم».

ومن أسف فإن تبريز مدينة خسرو شاهى كانت من أوائل المدن الإيرانية التى وقعت فى يد الصفويين فأعملوا فيها القتل والذبح حتى يجبروا أهلها على «لعن أسيادنا عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان» بالإضافة إلى أمنا «السيدة عائشة رضى الله عنها».

ومن عجب أن هذه المدينة فتحت أبوابها للصفويين عن حسن نية ودون قتال، بحسب أنهم ظنوا أن الصفويين من المسلمين، وكان عدد سكان تبريز وقتها يبلغ مئتى ألف كلهم من أهل السنة، يتكلمون باللهجة «الأذرية» التى هى إحدى اللهجات الفارسية القديمة، وحين دخل الشاه إسماعيل الصفوى الجامع الكبير بالبلد وصعد إلى المنبر، وجيوشه تحيط بالمكان وتعجّ فى الجامع بسيوفهم المشرعة، إذا به يطلب من المسلمين المصلين أهل السنة أن يتركوا ما هم عليه ويتبرؤوا من أهل السنة، ويدخلوا إلى الطوائف الشيعية، ولكن المسلمين بالمسجد هالهم الأمر، واستقبحوا هذا الفعل، إلا أن أتباع الشاه إسماعيل الصفوى الواقف على المنبر محتميا بجنوده وجبروته بادروا بلعن الصحابة والسيدة عائشة جهرة وبأصوات منكرة، فوضع أهل المدينة أصابعهم فى آذانهم حتى لا يسمعوا هذا اللعن القبيح، وعندما أراد عدد من كبار العلماء الخروج من الجامع احتجاجا على هذا المروق من الدين فإذا برجال إسماعيل الصفوى يعملون القتل فيهم، وأصبح الجامع موضعا، لا للصلاة، ولكن لمذبحة كبيرة ظل التاريخ يذكرها حتى الآن، وفى اليوم التالى استمر القتل حتى قُتل أكثر من عشرين ألف مسلم سُنِّى، ومن بعد ومن خلال أعمال التنكيل أصبحت مدينة تبريز شيعية، واستطاع الصفويون قهر أهل السنة فى إيران كلها وتحويلها إلى دولة شيعية.

فى تلك المدينة كانت أيام هادى خسرو شاهى، شهدته شوارعها وهو يحث الخطى ذاهبا إلى دروس العلم، يتلقاها من المراجع الشيعية الكبار، وشهدت جبالها رحلاته إليها إذ كان عاشقا للتسلق كأنه يضع لنفسه تاريخا سيكون ذات يوم، سيظل هذا الرجل مثابرا على عقيدته مدافعا عنها، منافحا عن أولئك الذين وقفوا مع شيعته، وكأنه يتسلق جبلا يبتغى من خلاله الوصول بالشيعة إلى قمة العالم.

كان خسرو يرتدى منذ شبابه الأول عمامة سوداء، وللعمامة السوداء رمزية لدى الشيعة، فمن يرتدِها فإنما يشير إلى أنه أحد أحفاد سيدنا على بن أبى طالب، ولذلك فإن كل واحد منهم أيضا كان يُلقب بالسيد مثلما يتلقب أهل السنة من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ب«الشريف»، ومن أجل هذا أيضا ظل لقب السيد هو اللقب الملازم لهادى خسرو حتى الآن إذ لم يقبل استبدال أى لقب آخر به من تلكم الألقاب التى تمنح لمن يشغلون مواقع سياسية أو تنفيذية، فإذا ما أصبح أحد أحفاد سيدنا على من الشيعة رجلا من رجال الدين كان له آنذاك أن يضع على رأسه عمامة سوداء كى يعلن عن نسبه الذى ينتمى إليه، أما باقى رجال الدين الذين لا يحظون بهذا النسب فإنهم يضعون على رؤوسهم عمامة بيضاء.
وفى غضون عام 2001 جاء هادى خسرو إلى مصر كى يعمل رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيرانية، ولكنه لم يبدل ثيابه، ولم يرتدِ الملابس الإفرنجية، بل ظل بزيه الشهير الذى لا يرتديه إلا رجال الدين الشيعة من أحفاد سيدنا على، وكانت العمامة السوداء هى العمامة التى اشتهر بها خسرو فى مصر حتى بات يُعرَف بين المثقفين ورجال السياسة ب«الرجل صاحب العمامة السوداء».

تأثر خسرو شاهى بشخصية جمال الدين الشيعى، الشهير بالأفغانى، ودرس حياته وكتب عنه، بل ظل أكثر من خمسين عاما وهو يجمع آثار الأفغانى الفكرية والحركية مثل مجلة العروة الوثقى والرسائل والكتب والمقالات، واستطاع خسرو شاهى فى النهاية أن يصدر من القاهرة عام 2002 موسوعته الكبيرة التى اشتملت على تسعة أجزاء فى سبع مجلدات بعنوان «الآثار الكاملة للسيد جمال الدين الحسينى الأفغانى» وفى ذات الوقت ظهر تأثر خسرو شاهى بتقى الدين القمى الذى أنشأ مع حسن البنا دار لتقريب السنة من الشيعة، وجد خسرو أنه يجب أن يكمل المسيرة، فها هى ذى الفرصة سانحة، فالأصدقاء يمدون أيديهم، وبعض الإخوان ترك المذاهب السنية والتحق بالشيعة دينا ومذهبا، فها هو ذا أحد أقطاب الإخوان القدماء المستشار الدمرداش زكى العقالى الذى كان متيما بحسن البنا وتاريخه، ها هو يصبح شيعيا كبيرا له تقديره فى المجتمع الإيرانى بل يصبح المسؤول الأكبر عن شيعة مصر، ومن بعده الدكتور أحمد راسم النفيس الذى ظل ولا يزال يمارس نشر العقائد الشيعية فى مصر بدأب وإصرار كبيرين، وأحمد راسم النفيس لم يكن واحدا عاديا من عوام المسلمين ولكنه كان من زعماء طلبة الإخوان المسلمين فى الجامعة فى السبعينيات من القرن العشرين، ومع فريق من الشيعة المصريين من أصحاب الجذور الإخوانية كانت هناك جماعة الإخوان الأم التى كانت تمارس أنشطتها بشكل مستمر رغم التضييق الأمنى والسياسى فى بعض الأحيان، واللقاءات المحرمة تتم ليلا فى التجمع الخامس الذى كان منطقة نائية وقتئذ، وفى أذهان الجميع دار التقريب التى يراهنون على أنها ستؤتى ثمارها، ولن يجنى الشيعة هذه الثمار إلا بالتوافق مع الإخوان والاتفاق معهم، فهم حلفاء الأمس وما زال الحلف بينهما قائما.

ومن أجل مسيرة «التقريب» أو بمعنى أصح «التمييع» أصدر خسرو شاهى وهو فى القاهرة كتابين عن عقيدة الشيعة، ثم نشر كتابا لأستاذه الشيعى «آية الله ناصر مكارم الشيرازى»، وهو كتاب يرفع من قدر عقيدة الشيعة الإمامية ويجعلها أنسب العقائد للمسلمين، وقد كتب خسرو شاهى مقدمة لهذا الكتاب عبر فيها عن فكره وطريقته، إذ قال فى المقدمة أنه يرجو أن يكسر هذا الكتاب الحواجز النفسية والعقلية بين السنة والشيعة، كان خسرو فى مقدمته يتمنى أن يتقبل أهل السنة عقيدة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية قبولا حسنا، ولكى يثبت خسرو للإخوان أن الشيعة يضعون حسن البنا فى منزلة عليا فقد قام بترجمة الكتاب الشهير لريتشارد ميشيل «تاريخ جمعية الإخوان المسلمين من البداية الي الآن» إلى اللغة الفارسية، وقد ظل خسرو عاكفا على هذه الترجمة عدة سنوات، كما كتب كتابا عن البنا بالفارسية تحت عنوان «الإخوان المسلمون أكبر حركة إسلامية معاصرة» حيث اعتبر فى كتابه هذا أن جماعة الإخوان هى أنضج حركة سنية عبر التاريخ، وأعطاها مقاما كبيرا بسبب أن البنا ساهم فى إنشاء دار التقريب مع تقى الدين القمى!

نستطيع القول إذن إن هادى خسرو شاهى هو الامتداد الشيعى لمحمد تقى الدين القمى، هو من وضع بصمة جديدة لكى تستمر دار التقريب فى فاعلياتها، من أجل هذا جاء خسرو إلى مصر عام 2001 وظل بها ثلاث سنوات فأتم كامل الاتفاقات مع جماعة الإخوان كى تستكمل مسيرة التقريب، ولكن أى تقريب هذا الذى يرجونه؟ هل تقريب الشيعة من السنة؟ هل ساروا قدما فى التوقف عن سب الصحابة؟ هل تركوا القول بعصمة الأئمة؟ مسيرة التقريب التى بدأها حسن البنا مع تقى القمى كانت تسير فى اتجاه واحد، اتجاه إلى إيران، أما الطريق إلى مصر ونجد والحجاز فمسدود، هذا طريق من طرف واحد، والطرق ذات المسار الواحد هى دائما طرق لا تعرف قبول الآخر.

وفى عام 2006 كانت قد مرت مئة عام على مولد حسن البنا، لم يفوت قائد التقريب الجديد الفرصة، بل جعلها مناسَبة مناسِبة لإعادة زرع فكر التقريب ذى الاتجاه الواحد، فرصة لكى يستمر إخوان البنا فى الاقتراب من شيعة الخمينى، آنذاك كتب هادى خسرو شاهى دراسة طويلة عن حسن البنا وعلاقته بالشيعة، لم يكتب خسرو هذه الدراسة بحسبه واحدًا من المثقفين أو المهتمين بالحركة الإسلامية، ولكن بصفته وقتها رئيسًا لمركز البحوث الإسلامية ومستشار وزير الخارجية الإيرانية كانت حاضرة بقوة فى الدراسة التى كانت عبارة عن غزل سياسى رفيع.

وكان مما قاله خسرو عن حسن البنا:

ميلاد النور

تفصل بين ولادة الشيخ حسن البنا حتى يوم استشهاده (1906-1949) أربعة وأربعون عاما من الجهود والعمل والجهاد والحياة الصاخبة والمثمرة، وقد دخل الشيخ البنا المعترك السياسى والمجتمع وهو يحمل نفسية «صوفية جهادية» وعند تشرفه بالشهادة خرج هذا المجاهد البطل من مسرح الحياة حسب الظاهر، لكن التأثير المعنوى والثقافى الذى تركه فى العالم الإسلامى والعربى ما زال باقيا، ويشكل تراثه الفكرى منارا للإخوان المسلمين. كان الشيخ حسن البنا الذى ينبغى اعتباره بحق احد الدعاة من أهل القبلة فى عصرنا النموذج النادر القادة السياسيين والمفكرين الدينيين الذين لم يألفوا التعب والملل فى نشر وترويج الفكر الإسلامى ومعارفه.

وكان الشيخ حسن البنا مصلحا اجتماعيا وزعيما دينيا وكان يشكل محورا لفكر وحركة مختلف الفئات والأطياف فى المجتمعات الإسلامية والعربية، وقد أسس فى فترة زمنية قصيرة منظمة ومؤسسة إسلامية ما زالت تعتبر عاملا رئيسيا ومؤثرا فى التيارات السياسية والفكرية فى العالم الإسلامى والعربى... المنظمة التى ما زالت تعتبر عنصرا جديرا بالاهتمام فى المعادلات السياسية فى مصر».

واستطرد خسرو فى دراسته متعرضا لجوانب كثيرة إلا أنه حين بدأ فى دراسته بعبارة مولد النور أدركت أنه سيتحدث عن الملاك حسن البنا لا عن الإنسان حسن ابن ذلك الرجل الطيب الذى يعمل فى تصليح الساعات، وقد استمد خسرو معظم دراسته من كتابه الذى كتبه عن البنا، ثم من كتاب ريتشارد ميشيل، وبغض النظر عن بعض الأخطاء التاريخية التى تناولها خسرو فى دراسته مثل الإشارة إلى أن البنا كان مدرسا للغة العربية فى حين أنه كان مدرسا للخط العربى لأن مؤهله المتوسط لم يؤهله إلا لتدريس الخط فقط، ثم بالغ خسرو فى بحثه فى دور البنا فى حرب فلسطين حتى أنه جعله البطل الأكبر لهذه الحرب وأن المؤامرات انعقدت للخلاص من البنا ثأرا لمواقف جماعته البطولية فى الحرب ويقول خسرو فى هذا الصدد عبارات غريبة لم يقلها أحد من قبل هى أن البنا «لم يألُ جهدًا نحو تعبئة المسلمين والمجاهدين العرب فى هذا الجانب وأخيرا ضحى بنفسه فى هذا السبيل المقدس» جعل خسرو من البنا لا زعيما للإخوان لكن زعيما لكل المجاهين العرب وأعطاه نيشانا تاريخيا لأنه على حد زعمه هو الذى قام ب«تعبئة المسلمين والمجاهين العرب» للجهاد فى فلسطين ضد اليهود! كأن الأمة كلها لم تكن تعرف إلا حسن البنا أو كأنها سلمته قيادها، هذه المبالغة الممجوجة لا يعرفها إلا من كانت لديه عقلية جُبلت على المبالغة، وهذا هو نهج الشيعة الذين تعودوا على تقديس أئمتهم وجعلهم فى منزلة أعلى من باقى البشر، وللعلم فإن الكتائب التى أرسلها البنا إلى فلسطين لم تذهب إلا إلى غزة وخان يونس ولم تدخل إلى العمق الذى كانت الحرب فيه على أشدها، لأن الذى قاتل قتالا حقيقيا من المتطوعين هم كتائب أحمد حسين صاحب جمعية «مصر الفتاة»، ولكن دعايات الإخوان أعطت لجماعتهم الدور الريادى على غير الحقيقة!

نَذَر «خسرو» نفسه لدروس العلم التى تَلقَّاها من مراجع الشيعة الكبار منذ نعومة أظفاره فى تبريز.. وأعدّ شخصيته ليكون مُنافِحًا عن أولئك الذين وقفوا مع شيعته

اقرأ فى الحلقة الأخيرة «الأحد» كيف سقط حسن البنا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.