كتبت على الفيسبوك "موضوع المياه وسد النهضة مش موضوع مزايدة على مرسي والأخوان. الميه لما هتقطع مش هتوصل لأي مصري مسلم كان او اخوان! وما ننساش ان أثيوبيا عملت الي عملتوا دا وهي تابعة (او كانت لوقت قريب) للكنيسة القبطية الوطنية المصرية! والي يقطع الميه عن ابوه يقطعها على اي حد تاني!! ولسه هنقول كلام كثير في موضوع الميه. لكن أرجوكم بهدوء. يعني دا مش موضوع نقول فيه زي باقي المواضيع اخوانة والكلام دا ونقعد نرغي فالمرغي! البلد كلها لازم تبقى على قلب رجل واحد وأثيوبيا لازم تشعر بأن في عواقب وخيمة على المستوى الشعبي المصري قبل الرسمي كمان. الميه مسألة حياة او موت مش مسألة سياسة. والموضوع أكبر من اننا نسيبه لمرسي والأخوان والسيسي والجيش!!" الى هنا انتهى ما كتبته وتلقيت مجموعة من التعليقات منها، "ريح نفسك وانضم للحرية والعدالة وريحنا ومتحسبش نفسك على المعارضة تانى ونبى"، وايضا "نخليه للبرداعى وحمدين". ولكل من يفكر بهذه الطريقة اقول له "أركن على جنب".
الآن، نحن امام تحدي يمثل تهديد للحياة في مصر التى نعرفها منذ ألاف السنين. ولكي تتضح الصورة أكثر، أرجوكم ان تفتحو خريطة وتلقوا نظرة على ليبيا، الجزائر، المغرب وموريتانيا، ودول الصحراء الكبرى. كل ما ستقع عيناك عليه هو بحر هائل لا ينتهي من الرمال. قد تكون بعض المناطق محظوظة في هذا الصحراء فيسقط عليها بعض الأمطار، وقد تجد في مناطق اخرى مياه جوفيه على بعد قريب من سطح الأرض. لكن ما من شك ان مصر بدون النيل ستشبه تلك الدول وستصبح مدن ساحلية على البحرين الأحمر والأبيض، والباقي فراغ. يقال ان الصحراء الكبرى كانت "بحر" في الماضي وجفت ولذلك نرى وادى للحيتان في صحراء مصر الغربية قريباً من الأسكندرية به بقايا هياكل عظمية متحجرة للحيتان. لكن ماذا حدث لهذا البحر؟ وهل ممكن ان يحدث نفس الشيء لنهر النيل؟
لكي يحدث هذا الأمر لنهر النيل بيد الأنسان يجب ان تبنى أثيوبيا حوالى أربع سدود في اماكن مختلفة (منها سد النهضة او سد الألفية) وساعتها سيصبح تحكم أثيبويا في النيل الأزرق تحكم كامل وهو الذي يغذى نهر النيل بحوالى 85% من حجم المياه. بالطبع سيأخذ هذا الأمر وقت طويل لكن لماذا تبادر اثيبويا على فعل هذا الأمر والمضي في هذه الخطة (التى وافق عليها مبارك سنة 2008)؟ هل في الأمر سر؟ هل أسرائيل وراء الموضوع؟ هل فعلاً هناك خطة أمريكية قديمة تعود لتأميم ناصر لقناة السويس وحرب 1956؟ هل وضعت أمريكا خطة لتركيع مصر عبر السيطرة على نهر النيل؟ ثم لم أصابت مصر نكسة 1967 لم تعد أمريكا بحاجة الى هذه الخطة؟ هل ورثت أسرائيل خطة السيطرة على منابع النيل؟ ولماذا فجأة وبعد حرب اكتوبر نشأ نادي اسمه نادي السفاري بين مصر، وتركيا، والسعودية، وامريكا لتصفية الوجود السوفيتي في القارة الأفريقية (كان مبارك ممثل مصر في هذا النادي مع أشرف مروان)؟ ولماذا كانت باكورة أعمال هذا النادي في دول حوض النيل ومنها أثيوبيا؟ ولماذا وافق السادات؟
اذا عرفنا الأجابة على ما سبق من الأسئلة، فنستطيع بعدها ان نلم ببعض حقائق التاريخ المهمة لفهم خريطة الجغرافية، وقد نجد انفسنا نرجع الى الوراء اكثر من ذلك ونتتبع غزوان الجيش المصري في عهد الخديوي أسماعيل ومن قبله جده الكبير محمد على باشا. لماذا بنى محمد على الخرطوم في هذا المكان بالذات؟ ولذلك ادعوكم ان تفتحوا خريطة أفريقيا على موقع جوجل "إيرث" ثم تسالوا انفسكم، لماذا لا تقلق السودان بنفس القدر من هذا السد الذى يبعد عن الخرطوم مسافة 150 كم ويرتفع عن مستوى الخرطوم بعشرات الأمتار؟ الا تقلق الخرطوم من انهياره وغرق المدينة؟ ولماذا تكلم البشير (اخوان سابق) مع مرسي (أخوان حالى) على موضوع سد الإلفية (النهضة) لدى زيارة مرسي للخرطوم على الرغم من ان هذا السد لم يكن في الحسبان وقتها؟ هل فعلاً تستطيع اثيوبيا تغير مجرى النيل الأزرق ليصب في البحر الأحمر؟ (لا اتحدث عن القانون ولكن الأمكانية الفنية؟) وهل أريتريا ستوافق؟ ام الصومال؟ ام جيبوتي؟ وهل في مد النيل الأزرق جنوباً أفادة لأديس أبابا؟ ام ان المناطق المسلمة (مستولى عليها من الصومال) في اثيوبيا المليئة بالعرقيات، سيصبح لديها وفرة بدلاً من المجاعة وساعتها تقوى وتنفصل عن أثيوبيا كما فعلت أريتريا؟
علما يغامر حكام أثيوبيا خاص بعد وفات زيناوي؟ ولماذا يبادرون بالعداء لمصر؟ هل هو أستخفاف بنا؟ ام لبعد المسافة بيننا، ولذلك ظنوا انهم بعيدون عن غضب الشعب المصري وشعوره بالتهديد؟ ام لأنهم يروا مصر منقسم على نفسها بدل الفرقة ثلاثة او أكثر (جيش، وفلول، واخوان، وجبهة، وتمرد، وتجرد الخ)؟
هل هناك أي نظرة إيجابية لموضوع السد الأثيوبي؟ هل من الممكن ان نحول هذا الكابوس الى حلم؟ لاحظ ان شعور الناس في أثيوبيا تجاه سد الإلفية مماثل لشعور الناس في مصر بالسد العلي عند بنائه! بعض الناس غير سعيدة وترى في الأمور تصعيد لا لزوم له. وبعض الناس قلقة من الأخطار البيئية والهندسية. والغالبية العظمى منتشية من السعادة وترى ان بلدها ستزدهر وتنمو نمو مطرد! لاحظ ان نجاح هذا السد يضيف حوالى 10 مليون فدان منها 6 مليون في اثيوبيا و4 مليون في السودان! وبالطبع نعرف ان نجاح هذا السد سيقلل حصة مصر من المياه في وقت ملئ البحيرة خلف السد (حوالى خمس سنوات من سنة 2017 الى 2022) بمقدار 5 مليار متر مكعب سنوي لحين الأنتهاء. لاحظ اننا نفتقر الى حوالى 5 مليار متر مكعب سنوى اساساً. اي ان العجز سيصل الى 9 او 10 مليار متر مكعب.
لكن هل لو تحولنا من ري الغمر الى ري التنقيط، فعندها سيزول الخطر عن مصر؟ يقول الباحثون ان في هذا التحويل سنوفر حوالى 12 مليار متر مكعب سنوي. لاحظ ايضا اننا نفقد 10 مليار متر مكعب سنوي جراء تبخر المياه. ولا أريد المقارنة بأثيوبيا التى تفقد مليارات لا حصر لها من عملية التبخر كل عام! وكلنا يعرف ان دول حوض النيل جميعاً بما فيها أثيوبيا لديها وفرة غير طبيعية من المطار! فهل لو تحولنا نحن الآن من الري بالغمر الى الري بالتنقيط يعتبر مسالة مهادنة وتخاذل؟ وماذا سيحدث لو اننا أستثمرنا في بناء سدود أثيوبيا؟ هل يصبح لنا يد طولى وبقوة رأس المال؟ ام قوة ناعمة على شعب أثيوبيا التى لم نقف أمام طموحها بل لبيناه؟ ام ان ذلك سيعتبر تنازل منا لا مثيل له؟ وهل لو تحولنا الى الرى بالتنثيط وأستثمرنا في سدود أثيوبيا سننجح في طرد أسرائيل من أثيوبيا شر طرده؟ ام نستبدل ذلك بتقوية الصومال وأريتريا وأقاليم أثيوبيا التى تريد الأنفصال حتى ينهار الأئتلاف الحاكم في أثيوبيا؟ وهل لو فعلنا ذلك سنجنى ثمار حلوة ام مرة في المستقبل من دول حوض النيل؟ ام اننا سنفعل كل ذلك مع كل دولة من دول الحوض؟
مرة أخرى هذه مسألة حياة او موت ولا يجب ان تترك لحزب او جيش او حكومة. هذه مسألة الشعب كله. ولا يجب ان ينفرد احد ويذهب من نفسه ويتظاهر عند سفارة أثيوبيا، او ان تبادر مجموعة وتكون وفد شعبي! كل الحلول والطرق البدأية الفطرية العفوية غير مرحب بها على الإطلاق. هذا مصير أمة ويجب ان نشعر نحن قبل الأخرين ان الشعب كله على قلب رجل واحد وألا ستجد أثيوبيا وأسرائيل وأمريكا مليون ثغرة تمر من خلالها وسيتم انشاء السد ونحن بلا حول ولا قوة لأن قوتنا وطاقتنا تذهب في مواجهة انفسنا. لو كانت الثورة تحكم مصر لما أستطاعات ان تنفرد بحل هذه الأزمة. أتحدوا امام هذا الخطر الخارجي المصيري يرحكم الله، فلا حل بيد فصيل ولا يوجد جزء من الشعب قادر بمفرده!