عمال مصر .. وطنية ومهنية    الصاوي يستقبل الفريق الزائر لضمان الجودة والاعتماد بكلية اُصول الدين والدعوة بالمنوفية    عبدالسند يمامة: الوفد يدعم القضية الفلسطينية ويرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح    برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    بارقة أمل    بشرى سارة.. وزير الاتصالات يعلن توفير 65 ألف وظيفة للشباب    جولة داخل قلعة الفسيخ بنبروه في الدقهلية و100 سنة على سر الصنعة (فيديو)    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    الإمارات ترسل 400 طن مساعدات غذائية إلى غزة    مذابح إسرائيل.. والعداء للسامية!!    البيت الأبيض: الرصيف العائم قبالة غزة سيكون جاهزا خلال أسابيع قليلة    الأونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين بغزة على لتر من الماء يوميًا    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    تعادل روما ونابولي 22 في الدوري الإيطالي    الزمالك يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية بثلاثية في دريمز الغاني    في حاجة غلط.. تعليق مفيدة شيحة على أزمة محمد صلاح وكلوب    "صفقة تبادلية مع برشلونة".. تقارير تكشف موقف بايرن ميونخ من رحيل نجم الفريق    11 ميدالية ببطولة العالم للجامعات.. وزير الرياضة يهنئ الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ    بالأسماء.. إصابة 11 راكبًا في حادث تصادم سيارتين ببني سويف    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    انطلاق «الغردقة لسينما الشباب» سبتمبر المقبل    ثقافة الإسكندرية تقدم التجربة النوعية "كاسبر" على مسرح الأنفوشي    جذابة.. إطلالة ساحرة ل ياسمين عبد العزيز في صاحبة السعادة- وهذا سعرها    هل هناك أمور تمنع الإرث ؟ .. أمين الفتوى يُوضح    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    هيئة الدواء تحذر من إهمال مواعيد جرعات التطعيم للأطفال    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    لحيازتهما كمية من الهيروين.. التحقيق مع تاجري الكيف في الشروق    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبد القدوس يكتب : خمس معجزات في حياة جدتي روزاليوسف
نشر في الدستور الأصلي يوم 16 - 04 - 2010

عندما أهدي لي أبي الراحل إحسان عبد القدوس - رحمه الله - كتاب «ذكريات» وفيه تتحدث أمه روزاليوسف عن سيرتها الذاتية كتب كلمتين : «جدتك معجزة»! وكان ذلك من عشرات السنين، ولم أفهم وقتها المقصود بالضبط وظننت - وبعض الظن إثم - أن والدي حبيبي يتحدث بلغة العواطف.
وبعدما استوعبت حياة جدتي ودرست سيرتها جيدا تأكدت بالفعل أنها معجزة! وهي بالتأكيد مختلفة عن ملايين النساء، وسأذكر لحضرتك بعضاً من معجزاتها بمناسبة ذكري وفاتها في أبريل 1958.
المعجزة الأولي: نجحت رغم أنها مقطوعة من شجرة!
ولدت روزاليوسف واسمها بالكامل «فاطمة محمد محيي الدين اليوسف» أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في طرابلس ببلاد الشام، وتوفيت أمها «جميلة» بعد ولادتها مباشرة! وكان أبوها تاجراً لا يعرف الاستقرار بحكم تجارته فأعطاها لجيرانه ليحافظوا عليها ويقوموا بتربيتها مقابل مبلغ من المال! وكان هؤلاء يعاملونها بقسوة حتي أن الطفلة الصغيرة تعجبت من ذلك، فقد كانت تظن أنهم أهلها، لكن مربيتها «خديجة» التي كانت معها أخبرتها بالحقيقة المؤلمة وأكدت لها أن هؤلاء غرباء عنها، وأنها مقطوعة من شجرة فلا أحد يعرف أين أهلها! وبعد ذلك تبين وفاة أبيها وانقطعت الفلوس! وقرر الجيران التخلص منها فلم يعد هناك مصلحة في بقاء تلك الطفلة معهم، وكان هناك صديق لهم مسافر إلي البرازيل، وأقنعوه بأن يأخذها معه لتؤنسه في وحدته، وبالفعل تحركت الباخرة من ميناء بيروت في طريقها إلي أمريكا الجنوبية، ولكن في عرض البحر قرر هذا المهاجر أن يعدل عن تلك الصحبة ربما لأن البنت شقية وعفريتة وهو يريد التفرغ لبناء نفسه في الغربة، وعندما وصلت المركب إلي ميناء الإسكندرية أهدي تلك الطفلة إلي صديق له يعيش في أرض الكنانة اسمه «إسكندر فرح» صاحب فرقة مسرحية وهكذا يتأكد لك أن ظروف نشأتها قاسية جدا جدا، ومصيرها المؤكد هو الضياع خاصة أنها غريبة عن مصر ولا تعرف أحداً فيها ومع ذلك نجحت نجاحاً كبيراً، إنها معجزة بكل المقاييس.
المعجزة الثانية: حافظت علي نفسها وهي مطمع كل الرجال
إنها معجزة أخلاقية جديرة بأن تنال تعظيم سلام، وتصور معي «بنت حلوة» وجذابة تعمل في الفن ولا يوجد ظهر يحميها! فلا أب ولا أم ولا أقارب حتي من الدرجة العاشرة! من الطبيعي أن تنحرف خاصة وأنت تعرف وأنا عارف زيك أخلاقيات الوسط الفني، وزمان كان الوضع أسوأ بكثير من حيث نظرة المجتمع إلي أهل التمثيل والطرب! فإذا سقطت جدتي وهي تعيش في تلك البيئة فلا غرابة في ذلك وصدق ابنها إحسان عبد القدوس عندما قال: «لا تسألوا الناس واسألوا الظروف»، ولكن المعجزة التي حدثت أن تلك الفتاة الجميلة نجحت في الحفاظ علي شرفها، واشتهرت بقوة شخصيتها وأن لها أظافر تنهش كل من يحاول المساس بها!! وجدير بالذكر أن اسمها الذي اشتهرت به في المسرح والصحافة اسم فرنسي «وروز» تعني بالعربية «وردة»، لكنها وردة لها أشواك، تحافظ بها علي نفسها، واحتفظت باسم أسرتها التي لم ترها! وهكذا أصبح اسمها روزاليوسف، وكتب أبي - رحمه الله - يقول: هذا الاسم أجنبي لكنه أصبح مصريا صميما مثل الهرم ويرجع الفضل في ذلك إلي صاحبته.
وصدق أول دور قامت به في حياتها امرأة عجوز عمرها 80 سنة وهي الفتاة الشابة التي لم تصل بعد إلي العشرين من عمرها وذلك في مسرحية «عواطف البنين» من إخراج أستاذها عزيز عيد الذي تدين له بالكثير، وبهذا الدور أثبتت براعتها في التمثيل ولم تعتمد علي جمالها، ومن حقك أن تسألني إزاي بنت صغيرة تمثل دور ست عجوز؟؟ هذا أمر ليس له مثيل لا شرقا ولا غربا، لكنها جدتي روزاليوسف صاحبة الشخصية المتفردة عن بنات جنسها.
المعجزة الثالثة: بدعة سبقت بها العالم كله
اعتزلت روزاليوسف التمثيل سنة 1925 وهي في قمة مجدها لأسباب أخلاقية، وسبقت بذلك شادية وشمس البارودي وأخواتها بنصف قرن علي الأقل! لكنها شقت طريقا مختلفا عنهن، وعندنا في منزل الأسرة بالزمالك شهادتان في عين الحسود صادرة من حكومة المملكة المصرية تؤكد أن جدتي أفضل ممثلة مسرح في مصر.
والسبب الأساسي لاعتزالها وهي ناجحة ومتألقة رفضها لنظرية الجمهور عايز كده، وهي الفلسفة الذي كان يتبناها «يوسف وهبي» شريكها في النجاح، فقد كانت تصر علي القيام بأدوار محترمة وترفض القيام بمسرحيات أي كلام، ولذلك اعتزلت «سارة برنار الشرق» التمثيل والاسم سالف الذكر لأشهر ممثلة بفرنسا في ذلك الوقت، وقد أطلقوه علي أعظم فنانة في الشرق «روزاليوسف».
وبعد اعتزال جدتي وهي لم تبلغ بعد الثلاثين من عمرها وقعت مفاجأة لم تخطر علي بال أحد من المقربين منها، فقد أصرت علي إصدار مجلة تحارب بها الفساد في الوسط الفني، وتدافع عن الفن النظيف، وأصرت أن تحمل تلك المطبوعة الصحفية الجديدة اسمها وهي بدعة في عالم الصحافة لا يوجد لها مثيل في العالم كله! وتلك معجزتها الثالثة، فهي لم تتلق أي نوع من أنواع التعليم المنتظم ومع ذلك نجحت المجلة التي أنشأتها، ومن أسباب انتشارها السريع جدا اسم تلك المطبوعة!
حيث إن صاحبتها مشهورة ومعروفة ولذلك أقبل عليها القراء، وكانت جدتي بعيدة النظر عندما أصرت علي اطلاق اسمها علي مجلتها حتي تضمن نجاحها، ومن فضلك أخبرني عن أي مجلة في الدنيا تحمل اسم السيدة التي أصدرتها! أراهن أنك لن تجد إلا واحدة بس اسمها روزاليوسف.
المعجزة الرابعة: ممثلة اقتحمت مجتمع السياسيين
وتلك معجزتها الرابعة وقد بدأت سنة 1928 بعدما أنشئت مجلتها بثلاث سنوات، فقد قررت تلك المرأة الحلوة المقبلة من بلاد الشام تحويل روزاليوسف إلي مجلة سياسية بالإضافة إلي الفن، والسياسة وقتها كانت مقتصرة علي عالم الرجال من مختلف الأحزاب ولم يكن للمرأة أي دور علي الإطلاق، وأي واحدة تظهر لابد أن تكون من عائلة عريقة زوجة الباشا فلان أو علان، ويكون دورها بالدرجة الأولي مساندة زوجها! يعني سنيدة له!!
وجدتي الممثلة المعتزة نجحت في اقتحام هذا العالم معتمدة علي شخصيتها وحدها، وكانت أول امرأة صحفية تغزو عالم السياسة المصرية مع العلم أنها شامية من لبنان ونجحت في اكتساب ثقة كبار باشاوات هذا العهد وعلي رأسهم قادة حزب الوفد الشعبي الكبير في ذلك الوقت خاصة النحاس باشا ومكرم عبيد وأحمد ماهر والنقراشي وغيرهم وغيرهم من قادة مصر في العهد الملكي.. ولم تعجبها معاهدة سنة 1936 التي عقدها الوفد مع الإنجليز فاختلفت معهم كما اختلفت زمان مع نجم التمثيل يوسف وهبي، وهكذا تجدها تختلف مع الكبار وتشق طريقها وحدها بنجاح، فقد شن عليها الوفد حملة شعواء وأصيبت بخسائر فادحة بعدما طالب الحزب الشعبي الكبير القراء بمقاطعة تلك المجلة التي تصدرها ممثلة! لكنها صمدت واستمرت وواصلت نجاحها وتحدت الوفد الذي فشل في إغلاقها وقد نجح دوما في إسكات كل من يعارضه بفضل شعبيته الطاغية أيامها، لكن تلك الشعبية لم تجد نفعا مع تلك السيدة المعجزة «جدتي».
طفولتي مع جدتي
ونحن الأحفاد الثلاثة أو الفرسان الثلاثة نتذكر جيدا جدتي «روزاليوسف» كاتب هذه السطور وشقيقي أحمد وابن عمتي واسمه «زكي».. كنا أطفالا عندما ماتت سنة 1958 وعمري وقتها كان عشر سنوات.
وفي الإجازة الأسبوعية لمجلتها يوم الأحد من كل أسبوع نذهب معها صباحا للإفطار بأحد المحلات العامة وسط البلد مثل «لاباس» و«جروبي» وبعدها تقوم بتوصيلنا إلي نادي الجزيرة، ثم تجتمع العائلة كلها علي الغداء في بيتها بالجيزة، وكانت تطبخ بنفسها لتؤكد للجميع أن عملها لم يشغلها عن الاهتمام ببيتها!
ومن حين لآخر كنا نزورها في مقر المجلة! وكانت هناك شخصية أخري تماما والجميع يرتعدون منها ويخشون غضبها إلا أحفادها الثلاثة حيث يسمح لهم بالدخول إلي مكتبها في أي وقت ودوما تجد عندها الشكولاته جاهزة لنا فقط دون غيرنا.
معجزتها الخامسة: رفضت أن تموت في السينما
والطريقة التي ماتت بها تلك السيدة العظيمة أراها صورة مطابقة تماما لحياة تلك «المعجزة»! فقد أصيبت يوم 10 أبريل سنة 1958 بأزمة قلبية حادة وهي تشاهد فيلماً سينمائياً بسينما «ريفولي» وكانت في صحبتها إحدي الصديقات، ورفضت أن تنتظر سيارة الإسعاف أو تطلب النجدة من أحد، بل تحاملت علي نفسها وأصرت علي الانصراف فورا، فقد خشيت أن تموت في السينما، وحملتها سيارة أجرة إلي منزلها حيث دخلت حجرة نومها ونامت علي سريرها وماتت! وكتب الأديب المتألق الدكتور يوسف إدريس قائلا: «لقد استأذنت من ملك الموت أو عزرائيل نصف ساعة حتي تترك السينما وتذهب إلي بيتها وتموت هناك!!»
كانت دوما معجزة حتي آخر لحظة من حياتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.