ليست أمريكا هذه المرة ولا إيطاليا، إنها بلغاريا، ليست دولة عظمي كي نخشاها ولا دولة شقيقة كي «نفوّت» لها، هي دولة عادية وفي أوروبا هي أقل من عادية، ليست غنية ولا خطيرة ولا بيننا وبينها علاقات استراتيتجية نعمل حسابها، تختلف بلغاريا إذن عن كثير من دول العالم في علاقتها بمصر إلا في شيء واحد هو عدم التردد في إيذاء المصري الذي كان شهيرا بشيئين: الباسبور الأخضر الكبير، وانعدام الحماية الدبلوماسية، تغير الباسبور وأصبح بحجم الكف، لكن أداء الخارجية تجاه المصريين في الخارج مازال دون المستوي وليس حتي قريبًا من المطلوب، فتتشابه معاناة المصريين في كل مكان ولا يتغير فيها سوي اسم البلد. بدأت الحكاية بأن أكثر من مصري توجه إلي بلغاريا وليس بينهم من دخلها بطريقة غير شرعية أو لجأ إليها هارباً من جريمة اقترفها أو عقوبة تلاحقه علي العكس كلهم مستثمرون أعجبوا ببلغاريا فقرروا الاستثمار فيها وبدلاً من أن يجدوا المساعدة والتشجيع من الحكومة البلغارية كان مصيرهم الطرد والمنع من دخول بلغاريا.. ومتي كان هذا الطرد والمنع؟ بعد السماح لهم بإقامة مشاريع واستثمارات بالملايين كأنها وسيلة نصب جديدة علي المصريين تحديداً لأنهم بلا ظهر يحميهم. القصص علي اختلاف تفاصيلها تتشابه - كما حكاها لنا أصحابها ولتكن البداية مع محمد فودة «عميد بحري بالمعاش» الذي يحكي عن تجربته في بلغاريا في السطور التالية، قائلاً: ذهبت إلي بلغاريا عام 2003 بدعوة من مسئول بلغاري كبير، وهناك أعجبت بالبلد ووجدت به فرصاً استثمارية جيدة، اتفق معي المسئول الذي دعاني علي مشاركته بعدما أوهمني أن القانون البلغاري لا يسمح بتملك المستثمر الأجنبي مشروعات في بلغاريا فاتفقنا علي إنشاء شركتين مساهمتين بمشاركة آخرين ولكن باسم أخي المسئول البلغاري وبدأنا في العمل وشراء الأراضي والعقارات، ولكن فجأة وجدت نفسي خارج الشركتين ولم أكتشف ذلك إلا بعد مرور عام، ذلك دون أن أوقع علي أي أوراق، وبعد السؤال عرفت أن التلاعب في الأوراق أمر سهل في بلغاريا. فقررت الابتعاد دون إثارة أي مشكلة ونقل نشاطي إلي العاصمة صوفيا ومع قرب انتهاء مدة تأشيرتي عدت إلي القاهرة لأقدم علي تأشيرة جديدة، ولكن السفارة البلغارية رفضت طلبي دون إبداء أي أسباب رغم شركتي وأموالي التي في بلادهم والتي تقدر بحوالي 4 ملايين يورو ولا أعرف ماذا سيكون مصيرها، بدأت في السؤال والتقصي اكتشفت أن الأمن البلغاري معروف عنه تلفيق التقارير الأمنية للعرب والمسلمين لاستنزاف كوتة الإسلاموفوبيا والحصول علي الميزانية التي رصدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لمراقبتنا. القصة الثانية لمهندس اسمه محمد فطيم يقول: تم منعي من دخول بلغاريا دون إبداء أسباب رغم أنني خلال زيارتي القصيرة لم «أكسر» أي تأشيرة ولم أفتعل أي مشكلة بل لم أقابل بلغارياً وتكلمت معه، كل ما فعلته أنني حاولت الاستثمار في بلغاريا وهو نفس ما حدث مع مستثمر مصري يدعي م.ش زهران يعمل في مجال قطع غيار السيارات خسر أكثر من 400 ألف يورو بنفس الطريقة وننتقل إلي وائل عبدالمنعم ندا مهندس مصري توهته هو الآخر نداهة بلغاريا وهناك وجد مصيراً أسوأ كثيرًا من الحالات السابقة لذلك فقصته مختلفة لأنه عافر كثيرًا ليكتشف اكتشافات مثيرة كفيلة بالإجابة عن كل الأسئلة الغامضة التي تحيط بالموضوع لذلك سنتركه يحكي حكايته: يقول المهندس وائل ندا: ذهبت إلي بلغاريا لأول مرة عام 2004 كسائح أعجبت بالبلد وشعبه الطيب الكريم ووجدت هناك فرص استثمارية عالية وفي يونيو 2005 أقنعت أحد أصدقائي المصريين بالسفر إلي بلغاريا من أجل الاستثمار وبالفعل ذهبنا وبدأنا بتأسيس شركة كنت أعمل أنا مديرها وفي يونيو 2007 قررت إنهاء حياتي كموظف. لأبدأ حياتي كمستثمر صاحب مشاريع فقررت الاستقرار في بلغاريا فذهبت إلي صوفيا واستأجرت شقة ومطعم. ومع انتهاء التأشيرة ذات الثلاثة أشهر قدمت علي تأشيرة «TiDEB» في 6 أكتوبر عام 2007 وهي تأشيرة مرحلية للحصول علي الإقامة، بعدها فوجئت بمكالمة من القنصل البلغاري بتاريخ 21 أكتوبر ليسألني أسئلة غريبة منها إنت عارف إن التأشيرة «TiDEB» خطوة للتقديم علي الإقامة ببلغاريا؟ فأجبت نعم فسألني إنت عارف إنها تلزمك بقضاء ما لا يقل عن ستة أشهر ويوم ببلغاريا خلال العام الواحد؟ فأجبت بنعم فقال لي: إنت متأكد إنك تريد هذه التأشيرة؟! فأجبت بنعم بعدها تم رفض الطلب، وعندما اتصلت بالسفارة أستفسر عن سبب الرفض قالوا: ليس لنا علاقة بالأمر، الرفض جاء من الخارجية في بلغاريا لكنك تستطيع التقديم علي تأشيرة قصيرة الأجل في أي وقت.. فتقدمت بطلب الحصول علي واحدة لأعود إلي بلغاريا في 7 ديسمبر 2007 بعد قضاء 52 يوماً بمصر خلال الثلاثة أشهر بدأت في تجهيز المطعم وقبيل الافتتاح، غادرت بلغاريا حتي لا «أكسر» التأشيرة يوم 5 مارس 2008 أي قبل نهايتها بيوم واحد وتقدمت بطلب آخر من القاهرة، لكنني فوجئت برفض الطلب، فسألت القنصل عن سبب رفض إعطائي تأشيرة قصيرة الأجل رغم أني لم يسبق لي مخالفة موعد أي تأشيرة من قبل وأني الآن أملك مشاريع في بلغاريا وبعد مرور الثلاثة أشهر قدمت علي تأشيرة ثم فوجئت بالرفض بدون إبداء أسباب!! هنا عرفت أن «اللعب» قد بدأ بالفعل خصوصًَا أني كنت أسمع عن أشياء مثل هذه تحدث في بلغاريا وكنت أكذبها.. في الوقت نفسه كان لي أصدقاء في بلغاريا وكنت علي اتصال بهم وفور علمهم بمشكلة قالوا لي لنا جار في منصب كبير يدعي «ديميتر ستيمنوف» ستعرض عليه مشكلتك بعدها طلبوا مني الدخول علي الإنترنت ليخبروني أن جارهم وجد تقريراً في ملفي يشير إلي أني عضو في منظمة إرهابية!! وأنه سيحاول الحصول علي هذا التقرير بعدها أرسلوا لي رسالة تقول «مبروك ملفك نظيف تستطيع الحصول علي التأشيرة الآن» توجهت بتاريخ 5 يونيو 2008 للقنصلية البلغارية للتقديم علي التأشيرة وهناك قابلني القنصل مقابلة فاترة وأخبرني أن القنصلية ستعطيني تأشيرة لمدة شهر واحد ونصحني عندما أذهب لبلغاريا أن أستخرج توكيلاً لأحد يدير به العمل الخاص بي، هنا فهمت أنه يقول لي إنها آخر مرة ستدخل فيها بلغاريا.. سافرت إلي بلغاريا يوم 10-6-2008 وقررت في اليوم التالي مقابلة جار أصدقائي «ديميتر ستيمنوف»، الذي تحدث معي عن العرب ومشاكلهم فقلت له أني بعيد عن أي مشاكل من أي نوع ويشهد علي ذلك جيراني وأصدقائي فقال إنه سيساعدني وأخبرني أن والده كان سفير بلغاريا في القاهرة زمان فوثقت في الرجل لدرجة أني لم أسأله عن عمله، يوم 12 أغسطس 2008 فوجئت بطرقات بوليس الهجرة علي باب شقتي ليقولوا إن تأشيرتي انتهت ويجب أن أذهب إلي إدارة الهجرة لكي تغادر البلاد. أسودت الدنيا في عيني فذهبت إلي ديميتر لأسأله عن كلامه السابق بخصوص حصوله علي التقرير المشكلة من ملفي فأجاب «لا» أنا ساعدتك فقط علي العودة إلي بلغاريا ثم قال لي إن أمامي حلاً وحيداً هو التقديم علي «اللجوء الإنساني» وأن زوجة أخيه تشغل منصباً كبيراً في منظمة الصليب الأحمر في بلغاريا وأنها ستساعدني مقابل الحصول علي مبلغ ثلاثة آلاف يورو. فوافقت بعدما تأكدت عدم تعارض ذلك مع دخولي مصر وبعد سؤال ديميتر تعارض التقرير الأمني في ملفي مع مسألة اللجوء فأجاب ب «لا» فدفعت المبلغ المطلوب وتقدمت إلي اللجوء وبعد استكمال الإجراءات تم عرضي علي لجنة يوم 14 أكتوبر 2008، لكني فوجئت برفض سريع لطلبي في اليوم التالي «15 أكتوبر» كأنه كان قراراً جاهزاً. بدأت أحاول العثور علي تهمة وحيدة صريحة توجه لي وكانت المحكمة أعطتني مهلة ثلاثة أشهر لجمع الأدلة والبراهين بناءً علي معارضة تقدمت بها علي قرار رفض منحي حق اللجوء الإنساني، وفي فبراير 2009 تم رفض المعارضة وعندما طلبت صورة من قرار الرفض أرشدوني للذهاب إلي المحكمة وهناك اكتشفت السر وراء كل ما حدث لي عند الاطلاع علي ملفي، حيث وجدت ورقة من الأمن القومي البلغاري ال DANS تفيد بأنها تملك ما يمنع من قبولي كلاجئ إنساني لأني «خطر علي الأمن العام» موقعة من شخص يدعي نيكولاي علمت أنه الآن في السجن بتهمة الرشوة، هنا اكتشفت كذب ديميتر سيتمنوف عندما قال لا تعارض لهذا التقرير مع طلب اللجوء. وتأكدت من أنني تعرضت لعملية نصب محبوكة، فحصلت بطريقة شرعية علي نسخة من خطاب أمن الدولة هنا بعيداً عن سرد الأحداث هنا يجب أن نتساءل: كيف تتسرب المعلومات من أجهزة الأمن لأشخاص مثل ديميتر هذا؟! نعود مرة أخري لوائل ندا الذي يكمل حكايته: في هذا الوقت كنت وصلت للحضيض في كل شيء وتعرضت لخسائر متتالية تنازلت عن المطعم الذي كلفني 25 ألف يورو بمبلغ 4 آلاف يورو فقط، لكي أستمر في البحث عن حل لمشكلتي لأني إذا عدت إلي مصر لن أستطيع العودة إلي بلغاريا وسأظل موصوماً بأسوأ تهمة في العالم.. تقدمت بشكوي إلي رئاسة الجمهورية بتاريخ 27 أبريل 2009. وفي يوم 13 يوليو زارني ضابط وأخبرني بضرورة حضوري إلي قسم الشرطة للتحقيق في شكوتي التي تقدمت بها.. توجهت للتحقيق يوم 15 يوليو وأثناؤه وجدت تركيز المحقق كله علي أني تعرضت لعملية نصب مع إهمال شكوتي ضد أمن الدولة وبعد الانتهاء من التحقيق، فوجئت باثنين من الجوازات خطفا مني الجواز كتب أحدهما خطاباً قصيراً علي الكمبيوتر وطلبا مني التوقيع وجدت الخطاب مكتوباً بالبلغارية، فرفضت التوقيع فقيل لي في كل الأحوال أنت مخالف وسيتم ترحيلك ثم اقتادوني بالقوة إلي البوسمانتسي BuCMAntSI وهو مكان مفترض أنه للترحيلات، لكنه مكان غير آدمي مشبوه يطلق عليه «جوانتانامو بلغاريا» وهناك أجبروني علي خلع ملابسي وأخذوا مني كل متعلقاتي حتي رباط الحذاء وتعاملوا معي كأي مجرم. وعندما استنجدت بالقنصل المصري قال لي بالنص «خلي أهلك يبعتوا لك فلوس علشان ترجع مصر»، قلت له: فرضاً أهلي فقراء هل أظل هنا للأبد»، فرد القنصل «إحنا مش فرنسا أو ألمانيا علشان يسمعوا كلامنا» وتركني ولم يسأل عني مرة أخري. وبعد قضائي أسبوعاً داخل البوسمانتسي تم ترحيلي إلي مصر يوم 22 يوليو 2009 ومن يومها لم أدخل بلغاريا مرة أخري، لكن الحكاية لم تنته فقد اكتشفت بعدها عدة حقائق أولاها أن الخطاب الذي كتب بالبلغارية الذي ينص علي ترحيلي بتاريخ 8 يونيو 2009، وينص علي إعطائي مهلة عشرة أيام للرحيل طواعية، وهو ما لم يحدث حيث تسلمته بتاريخ 15 يوليو، وفي الوقت نفسه، تم اقتيادي بالقوة إلي البوسمانتسي حتي تم ترحيلي الذي لم يكلف القنصل المصري نفسه حتي بالإشراف علي إجراءاته ولو كان حدث ذلك ربما كان أخبرني بأن القرار المكتوب باللغة البلغارية يحوي بنداً يتيح لي الاعتراض خلال 14 يوماً علي الحكم الذي يفيد بترحيلي ومنعي من دخول بلغاريا لمدة خمس سنوات! هكذا تنتهي القصة ومازال وائل ندا ورفاقة في انتظار عودة حقوقهم المادية والمعنوية خاصة أن كلامهم مدعوم بعدد من الأفلام التسجيلية التي عرضت علي شاشات التليفزيون البلغاري توضح مدي وحشية وعدم آدمية البوسمانتسي، كذلك مدعوم بعدد من التسجيلات والخطابات وصورة التقرير الأمني وغيرها من الأدلة والبراهين التي لا تحتاج إلا لوطن يعرف كيف يدافع عن أبنائه وهي ليست مهمة مستحيلة إذا علمنا أن لبلغاريا تاريخاً أسود في هذا المجال، وله شواهد عدة أقربها حصول المواطن الفلسطيني نايف درويش علي تعويض من بلغاريا عن طريق محكمة ستراسبورج في يونيه عام 2002 بسبب طرده من بلغاريا بدون إبداء أسباب أو إعطائه فرصة الدفاع عن نفسه.