صديقي العزيز الدكتور عصام العريان متهم بأنه من «القطبيين» يعني من أنصار سيد قطب الذين يقومون بتكفير المجتمع!! وهذا الاتهام غير معقول ولا مقبول! وعندما جري تفتيش منزله بعد إلقاء القبض عليه في آخر مرة، أخذت أمن الدولة في العبث بكتبه لعلها تجد ما تبحث عنه من كتب للشهيد سيد قطب! وبالفعل وجدت الكثير منها! وأقول لهم: إيه رأيكم ياجماعة أنا عندي مجموعته كاملة! وقد اشتريتها منذ سنوات بعيدة طبعة بيروت صادرة عن دار الشروق، والتي حرصت علي التأكيد أن هذه الكتب تصدر في شرعية قانونية كاملة! وفي وقت قريب كان أهل التشدد ينسبون إلي «الوهابيين» نسبة إلي الشيخ محمد عبدالوهاب الذي ظهر قبل مائتي عام تقريباً وارتبط بعلاقة وثيقة بالسعوديين ونجحوا سويا في إقامة الدولة السعودية، وفي الفترة الأخيرة تغيرت صيغة التهمة ربما حرصا علي العلاقة مع الدولة العربية الشقيقة، فأصبح هؤلاء المتشددون متهمين بأنهم من «القطبيين» نسبة إلي الشهيد سيد قطب الذي أعدمه عبدالناصر قبيل هزيمة 1967م والعديد من أصدقائي الذين هم وراء الشمس الشمي حاليا كان لهم شرف توجيه تلك التهمة إليهم، وفي مقدمتهم أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد الحالي علي رأسهم نائب المرشد صديقي الإنسان الخلوق المهذب الصامت صاحب العقلية المنظمة الدكتور محمود عزت. «حب من أيام المراهقة» وأعترف أني لا أعرف شيئاً عن الشيخ محمد عبد الوهاب السعودي: ومن قال لا أعلم فقد أفتي.. أما عن الشهيد سيد قطب فإنني لا أخفي إعجابي به من زمان منذ أيام المراهقة، لأسباب أعرضها عليك وستراها بإذن الله منطقية ومعقولة، فأرجوك أن تتأملها قبل أن تتهمني بأن فكري «سمك، لبن، تمرهندي» يجمع بين حب الحرية وأهل التشدد معاً! وأول سبب دفعني للتعاطف معه أنه تعرض مع رفاقه لمحاكمة ظالمة برئاسة القاضي الفريق أول «أحمد فؤاد الدجوي» كانت مهزلة بكل المقاييس، وأبعد ما تكون عن العدالة، وصدر الحكم بإعدامه مع اثنين من رفاقه، بعدما نسب إليهم اتهامات غريبة جداً مثل محاولة قتل أم كلثوم سيدة الغناء العربي، ونسف السد العالي والقناطر الخيرية كمان. وصدق أو لا تصدق كنت أضع في حجرة نومي صورة جيفارا وسيد قطب معاً.. الأول ترك المنصب والجاه في كوبا وذهب للقتال ضد الديكتاتورية في أمريكا الجنوبية، والثاني رفض أن يكتب التماساً لجمال عبدالناصر، أو أن يعتذر عن أفكاره، ورفع شعار الإخوان «الموت في سبيل الله أسمي أمانينا»، والشهيد سيد قطب هو الذي قال: كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتي إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة، وبعد إعدامه تحول إعجابي به إلي حب له داخل حجرتي في بيت أبي رحمه الله إحسان عبدالقدوس، ولم يقل لي أبداً «عيب يا ولد»، رغم أن تلك الصورة بالذات كانت تعرضه ومنزلنا كله لخطر جسيم إذا تم ضبطها بأي طريقة، وأتذكر أنه في مرة سألني: عايز أعرف «إيه اللي جمع الشامي علي المغربي.. جيفارا علي سيد قطب.. قلت له في تلقائية ودون تفكير: شهداء الحرية يا بابا». «أنت سيد بالعبودية لربنا» وما قلته لأبي حبيبي ببساطة في منتصف الستينيات من القرن العشرين أستطيع أن أشرحه لكم الآن بعدما كبرت وعقلت ونضجت، وأحمد ربي كثيرا أن ما قلته لوالدي بعاطفة حلوة في هذا الزمن صحيح 100% من وجهة نظري إذا فكرنا بالعقل، وتفاصيل ذلك أن محور فكر الشهيد سيد قطب كله يقوم علي أن شهادة «لا إله إلا الله» حياة متكاملة تقوم بتحرير الإنسان من كل قيود الأرض ليكون عبدًا لله وحده، والعبودية لربنا تعني أن يكون حراً في الأرض، فلا يرتعش أمام حاكم ولا تهزمه امرأة أو شهوة طارئة، ولا ينشغل بالفلوس ويلهث وراءها، وكلمة «لا إله إلا الله» معناها أن يكون سيداً في هذه الدنيا الفانية وأقوي من كل الشهوات. وأنتقل إلي السؤال الذي حير الجميع: هل كان «رحمه الله» يقوم بتكفير المجتمع؟ وما مدي صحة الادعاء بأنه كان يتطلع إلي استخدام القوة للإطاحة بالنظام الحاكم، وإقامة حكم إسلامي مكانه. «سنة روضة دعوة» والشطر الثاني في السؤال: أسهل ولا شك في الإجابة، فهو لم يفكر أبداً في استخدام القوة بسبب بديهي ومعقول، ويتمثل في انصراف جهوده أولاً إلي بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة، وكان يؤمن أن الحكم الإسلامي لن يقوم إلا بأسلحة المجتمع، وتكون هناك غالبية في الشارع منحازة للفكرة، وهذا يتفق تماما مع تفكير الإخوان المسلمين، وكان شهيدنا واحداً منهم وتربي علي مائدة أفكارهم مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي. وأنتقل إلي الجزء الأول الذي يتمثل في الإجابة عن السؤال الصعب عن تكفير المجتمع واتهامه بالجاهلية خاصة كتابه الشهير« معالم في الطريق»؟ وعندي ثلاث شهادات لصالحه: الأولي مصدرها مرشد الإخوان المسلمين الثالث أستاذي عمر التلمساني، الذي قام بزيارة سيد قطب بمستشفي سجن طره بحثاً عن هذا السؤال بالذات، وكان أستاذي عضواً بمكتب الإرشاد ومحكوماً عليه بالسجن خمس عشرة سنة، ونقل للمستشفي بعد وعكة طارئة، فأنتهز هذه الفرصة للاجتماع بالشهيد، وكان ثالثهما عبدالعزيز عطية وهو أيضاً بمكتب الإرشاد، «ورحم الله الجميع» وفي هذا اللقاء تأكد الإخوان أن سيد قطب ملتزم بفكرالجماعة ولم يقم بتكفير المجتمع، وهذا ما أكده أيضاً الكاتب الصحفي المحقق البارز الصديق عادل حمودة، والشهادة الثالثة تتمثل في أقواله أمام المحكمة، حيث نفي ذلك بقوة ودون مواربة. والجاهلية التي يقصدها وترددت في كتاباته تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم علي الناس، والمقصود من ذلك أننا سنة روضة في الدعوة، أو أولي ابتدائي!!، في مرحلة تشبه الفترة المكية عندما كان «سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام» مهموماً بالدرجة الأولي بتعليم أتباعه معني الكلمة الشاملة الجامعة «لا إله إلا الله» والناس حاليا تردد تلك الجملة في صلواتها دون فهم حقيقي لمعناها، وهذه هي مهمة الدعاة مع التأكيد علي عدم اتهام خلق الله في دينهم! «وازاي تقوم بتكفير إنسان» «مش فاهم».. مهمتك تعليمه وليس اتهامه، والإخوان المسلمون رفعوا شعار: «نحن دعاة ولسنا قضاة علي الناس»، ولم يكتفوا بهذا بل قاموا بفصل كل سجين رأي إسلامي اتهم المجتمع بالكفر نتيجة لصمته وسكوته بل ورضاه وتأييده للنظام الحاكم الذي يقوم بالتنكيل بالدعاة الذين يدعون إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة. (شجاعة فائقة) وأنتقل إلي سبب جديد يدعوني إلي التعاطف بل والإعجاب وحب الشهيد سيد قطب، ويتمثل في أنه قضي بسجون عبدالناصر عشر سنوات وخرج معتل الصحة ومصابا بالعديد من الأمراض، وكان من حقه أن يستريح ويكتفي بالكتابة، خاصة أنه مفكر كبير لا يشق له غبار، ولم تمض شهور قليلة علي خروجه من المعتقلات سنة 1964 حتي وافق علي رئاسة تنظيم سري لشباب من الإخوان المسلمين، قاموا بتجميع أنفسهم، وكانوا يبحثون عن رمز لهم يقودهم في تلك المرحلة الحالكة، وبعد استئذان المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي الذي كان موضوعاً تحت رقابة مشددة تم التوافق علي الشهيد سيد قطب، ولم يتردد في قبول تلك المهمة الصعبة التي تكتنفها مخاطر عدة مما يدل علي شجاعة فائقة، وبالفعل عاد إلي السجن من جديد وزج وراء الشمس مرة أخري، ولم يمض علي خروجه من هناك أكثر من عشرة أشهر، وتعظيم سلام للشهيد سيد قطب علي شجاعته حتي ولو اختلفت معه. «رائع..رائع..رائع» وإذا نظرنا إليه كمفكر فأعتقد أنك ستحني رأسك له احتراماً، وكتاباته تتميز بالثراء والتنوع، وهو أول من اكتشف أديب نوبل نجيب محفوظ وأشار إليه، وكان ذلك أوائل الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي، وللشهيد 28 كتابًا يمكن تقسيمها إلي أربعة أقسام، وكانت بدايته أدبية تماماً ومن كتبه في هذه الفترة «المدينة المسحورة» و «الأطياف الأربعة» و «الشاطئ المجهول» وهو شعر وكتاب النقد الأدبي. أصوله ومناهجه وكتابه «مهمة الشاعر في الحياة» و«طفل من القرية» و«كتب وشخصيات»، ...إلخ ومرحلته الثانية تتمثل في تصوير أدبي للقراء لم يسبقه إليه أحد خاصة كتابه «التصوير الفني في القرآن» و«كتاب مشاهد القيامة في القرآن»، ومنها ولج إلي الكتابات والدراسات الإسلامية الصميمة، وهو من أوائل المفكرين الإسلاميين الذين كتبوا عن العدالة الاجتماعية في الإسلام، وأتبعه بكتاب معركة الإسلام والرأسمالية، وكان متأثراً بالداعية الإسلامي الشاب في هذه الفترة الشيخ «محمد الغزالي» الذي أشاد به ورآه نوعية جديدة ومختلفة من الدعاة إلي الله. ولعل أروع كتب الشهيد علي الإطلاق موسوعته الضخمة «في ظلال القرآن»، وقد صدرت عن دارالشروق في ستة أجزاء تشمل تفسير كتاب الله كله، ومعظم كتبه في السجن، وهذا التفسير مختلف بالتأكيد عن كل التفاسير الأخري تجده نابضاً بالحياة ومن واقع المسلمين، وأحلامهم وآلامهم وهو رائع رائع رائع حتي ولو لم توافق علي بعض آرائه ففي الاختلاف رحمة. «تلاميذه الستة » ومن أسباب حبي للشهيد سيد قطب تلاميذه السته الذين عرفتهم وعاصرتهم عن قرب، وكانوا معه متهمين في ذات قضيته، رأيتهم نماذج لإسلامنا أخلاق حلوة «زي الفل»، وأتذكر بكل خير المرحوم «ممدوح الديري» ومرشد الإخوان المسلمين الحالي الدكتور محمد بديع ونائبه الدكتور محمود عزت، والدكتور محمد الجزار من هيئة الطاقة الذرية والسيد نزيلي مسئول محافظة الجيزة «فك الله أسره»، والمهندس محمد الصروي رحمة اللله أؤكد لكم أن كل واحد من هؤلاء أمة وحده. «وأخيراً.. سبب شخصي جداً» وأخيراً هناك سبب شخصي جداً يتمثل في حبي للشهيد، حيث إن موسوعة الظلال كانت هدية الإخوان للعبدلله عندما تزوج سنة 1976م في أيام مرشدهم الراحل عمر التلمساني «رحمه الله»، فقد تفضلوا بالظلال وأعطوها لي هدية عقب عودتي من شهرالعسل! وكانت لفتة لطيفة منهم لم أتوقعها وأقبلت علي قراءة ما كتبه الشهيد الذي كنت معجباً به أيام العزوبية، ووضعت صورته في حجرتي معرضاً والدي للخطر... وهذه هي بعض أسباب حبي للمفكر «السيد قطب إبراهيم» وهذا هو اسمه كاملاً، ولا أعرف لماذا حذفنا الألف واللام مكتفين باسم سيد..؟؟