سعر الذهب اليوم فى السودان وعيار 21 الآن بثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    ولى العهد السعودى يدعو العالم للاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67    مسؤول إسرائيلي: عشرات الرهائن في غزة ما زالوا أحياء على وجه التأكيد    مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية فى أول مناظرة يدعون لحذف الدولار.. ويؤكدون: العقوبات أثرت على اقتصادنا.. النفط يُهدر بنسبة 17% والتضخم تجاوز 40%.. ومرشح إصلاحي يعترف: عُملتنا تتدهور والنخب تهرب والوضع يسوء    الخطوة الأولى.. فرنسا تفوز بشق الأنفس على النمسا في يورو 2024    أول قرار من علي ماهر بعد فوز المصري على الزمالك    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    «الأرصاد» تزف بشرى للمواطنين بشأن طقس ثالث أيام العيد    التفاصيل الكاملة لوفاة كابتن الطائرة المصرية حسن عدس    عاجل.. مصرع عنصر إجرامي في مداهمة بؤرة بالصحراوي الغربي    فى العرض الخاص لفيلم ولاد رزق 3 فى الرياض.. الكشف عن جزء رابع للعمل.. طارق العريان: يناقش الخطوط العريضة لامتداد السلسلة.. عمرو يوسف: قدمنا الأكشن باحترافية عالمية ..الجهينى: بذلنا مجهودا لإسعاد الناس    عبد الله غلوش لصاحبة السعادة: عادل إمام مثقف ومتطور ويتحدث بمصطلحات الشارع    مصطفى عمار ل صاحبة السعادة: عادل إمام قوة مصر الناعمة ونجم عابر للحدود    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    تقرير: عيد الأضحى في مأرب اليمنية ككل الأيام في خيام لا تقي النازحين سيلا ولا قيظا    تظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين أمام الكنيست يطالبون بانتخابات جديدة    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    لسبب جسدي.. أنس جابر تعلن غيابها عن أولمبياد باريس 2024    معركة حسمها إيفان.. حكم الفيديو أنقذنا.. تعليقات الصحف السلوفاكية بعد الفوز على بلجيكا    مدرج اليورو.. الديك الفرنسي والبطاطس البلجيكية وقناع دي بروين (صور)    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    عيد الأضحى يطل على غزة من نافذة الحرب والدمار    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    لماذا يتزايد عدد من يتجنبون متابعة الأخبار؟    السيطرة على حريق بمحل بطنطا دون خسائر في الأرواح.. صور    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    تعليق عاجل من الخارجية الأمريكية بشأن قرار نتنياهو بحل مجلس الحرب الإسرائيلي    «وجه رسالة لجمهور الزمالك».. تركي آل الشيخ: «أعرف الوسط الرياضي المصري جيدًا»    حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 18-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تامر حسني يشوق الجمهور لعمل غنائي جديد    فيلم Inside Out 2 يحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاكر    تقرير: رحلة أطفال غزة للحصول على غذاء مستحيلة    قائمة الاتحاد السكندرى لمواجهة الأهلى.. غياب مابولولو وميسى    حل مشكلة الصرف الصحى بدير جبل الطير بالمنيا    التحقيق مع حداد مسلح أشعل النيران في زوجته بسبب خلافات بينهما بالعاشر    شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعاء سلطان تكتب: لأجل هذا الجمهور تُصنع المهرجانات
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 02 - 2013

الدورة ال35 لمهرجان كليرمون السينمائى الدولى للسينما القصيرة:
لا صوت هنا يعلو فوق صوت السينما.. الجميع يهرولون نحو دور العرض السينمائى.. لافتات المهرجان تلاحق الزائر للمدينة فى الشوارع والفنادق والمقاهى ومحطات المترو والبنايات وحتى المحلات التجارية (السوبر ماركت مثلًا).. أغلب من يسيرون فى الطرق يحملون حقائب وشارات المهرجان.. المدينة هادئة تمامًا لا يُسمَع فيها سوى صخب الفن السابع.

كليرمون فيران، تلك المدينة التى تتوسط فرنسا، والتى انطلقت منها شرارة الحرب الصليبية فى القرن الحادى عشر بكلمات البابا أوربان الثانى: «هذا ما يريده الرب»، بعد ألف عام من هذه الدعوة التى أنهكت أوروبا والعالم، تُصلِح المدينة خطأها فى حق الإنسانية وتعتذر إلى العالم عن كل الدماء التى أريقت على مدار أربعة قرون من الحملات الصليبية، وتنشئ مهرجانا سينمائيا يلتقى فيه البشر من كل جهات الدنيا.. يشاهدون أفلاما تصالحهم مع أنفسهم، وتزيد رحابة صدورهم مع العالم كله، فما فرّقَته وشوّهَته الحروب، عالجته السينما وكنست كل قبحه... تحولت المدينة التى أشعلت نار الكراهية فى العالم، إلى مدينة لعشاق السينما وعشاق الحياة، وهكذا انطفأت نيران الكراهية فى كل جنباتها.

كليرمون فيران.. تلك المدينة التى تكتسب شهرتها العالمية بمصنع إطارات السيارات الشهير «ميشيلان»، والحافلة بعمال مصانع النسيج والصناعات المعدنية.. تتحول فى بداية شهر فبراير من كل عام إلى قبلة للسينما يؤمها عشاق الفن السابع من كل البلاد.. ما زالت المدينة محافظة على هدوئها شكليا، لكن فنادقها مشغولة بنسبة 100% ومطاعمها دائما مزدحمة بالأجانب وينتظر الناس أمام قاعات السينما فيها بالساعات دون ملل الانتظار ولا ضجر من طول الطابور.

هذه هى الدورة الخامسة والثلاثون لمهرجان كليرمون فيران السينمائى الدولى للسينما القصيرة، والملقب بمهرجان «كان» للأفلام القصيرة.. وتلك هى الزيارة الأولى لى لهذا المهرجان، ولفرنسا عموما.

من الرائع أن يكون الاستقبال الأول فى أى بلد عبر مدينة صغيرة.. المدن الصغيرة تعبر أكثر عن البلاد والعباد.. عندما يسافر المرء كثيرا، تنهار كل مفردات العنصرية فى وعيه، وتتحطم كل الثوابت والنظريات التى طالما تبناها بحكم المجتمع المنغلق الذى عاش وتَربَّى وتَشكَّل فيه وعيه.

فى الطائرة التى حملتنى من باريس إلى كليرمون، كنت أشعر بالضياع، فالفرنسيون لا يتحدثون الإنجليزية، وأنا لا أعرف من الفرنسية إلا كلمة «ميرسى»! جلس بجوارى رجل أربعينى.. سألته وأنا أعرض عليه صورة لخريطة الفندق الذى أقصده، من الموبايل الخاص بى، وأطلب منه توضيح تفاصيلها: هذا هو الفندق الذى سأتوجه إليه.. كيف أصل إليه من المطار؟ هل أستقل تاكسيًا أم أتوبيسًا؟

الراكب الذى يعمل مديرا لمصنع فى مدينة كليرمون وكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، لحسن حظى، قال لى: المدينة صغيرة جدا والطريق من المطار إلى الفندق لن يكلفك سوى 20 أو 25 يورو على الأكثر.

قلت له: شكرا لك، ولكن هل سأجد تاكسيًا فى هذه الساعة المتأخرة (12 بعد منتصف الليل)؟

قال لى: طبعا، هناك كثير من التاكسيات.. لكن أنا أعتقد أنك خائفة جدا. هل تسمحين لى أن أُقِلَّك إلى الفندق؟فهو فى طريق منزلى، وزوجتى فى انتظارى ولن تمانع.

كنت خائفة فعلا كما قال، ولكنى شكرته وأثنيت على كرمه.. أما هو فقد أصر أن ينقلنى إلى الفندق، وزوجته الصينية كانت ودودًا ورائعة بصورة تفوق الوصف.

ما أجمل أن تكون إنسانا! وما أروع أن تكون مضيافا ومتقبلا ومرحبا بالجميع دون حسابات! هكذا استقبلتنى مدينة كليرمون فيران، صحفية مصرية فى سيارة تقودها صينية متزوجة بفرنسى.. تلك هى العولمة الإيجابية! مَن ذلك الخائب الذى أفهمنا أن المصريين هم فقط الكرماء والمحبون للغرباء؟ العالم والبشر من حولنا أجمل مما نتصور، وأكثر اختلافا وجمالا مما علمونا وحشوا به أدمغتنا منذ كنا صغارا.

فى الصباح كنت فى الشارع.. المدينة كلها تحضّ الجميع على الذهاب إلى السينما.. كل علامات الطرق تؤدى بك إلى السينما.. بيت الثقافة أو مقر المهرجان حيث الإدارة، ودور العرض.. حصلتُ على شارة المهرجان بلا مقابل لأنى سُجلت على موقعهم الإليكترونى.. لم أدفع سنتا واحدا مثل ذلك الذى دفعتُه فى مهرجان شنغهاى السينمائى بالصين، الذى كان يعادل 300 يورو لمجرد الحصول على شارة المهرجان لحضور الأفلام!

الحصول على شارة المهرجان «البادج» يعنى أن حامله قادر على حضور كل الأفلام المعروضة فى المهرجان.. ميزة مهمة، لكنها معضلة ضخمة ومزعجة، فالمهرجان استقبل فى المسابقة الدولية والمحلية ومسابقة الأفلام التجريبية نحو 8000 فيلم (تحديدا 7735 فيلمًا) من أكثر من 120 دولة!

أما فى ما يخص سوق المهرجان، فهناك أكثر من سبعة آلاف فيلم، مطلوب أن تتفحص بعضها!

اخترت أن أنحِّى جانبا المسابقة المحلية الخاصة بالأفلام الفرنسية فقط، وكل البرامج التى قرر المهرجان أن يقدم من خلالها أفلامه.. «الوقت أضيق من خيام الأنبياء» كما قال محمود درويش، والسينمات مزدحمة دوما، وليس ثمة خيار.. أفلام المسابقة الدولية هى الأنسب بالنسبة إلىّ، فى هذه المدينة التى أصاب سكانها فيروس السينما فى هذا الوقت من العام.

برنامج المسابقة الدولية يحوى 77 فيلما موزَّعة على 14 برنامجًا بمعدل 5-6 أفلام فى البرنامج الواحد.. تتراوح مدتها ما بين 5 دقائق و30 دقيقة للفيلم.. شاهدت برامج المسابقة الدولية كاملة.. 77 فيلما مدتها مجتمعةً 1319 دقيقة، بما يعادل 22 ساعة.

دقائق وساعات تستحق أن نقضيها فى قاعة عرض نلهث لنلحق عروضها ونقف فى طابور طويل لنحظى بمقعد مشاهد لها، وداخل القاعة نفسها نظل منتبهين طوال الوقت ونحن نتابع فيلما قصيرا لا نعرف كيف سيفاجئنا بنهايته، ثم ننتظر فيلما قصيرا آخر، ربما كان مملا، لكننا نعرف أنه سينتهى خلال دقائق لنستمتع بفيلم آخر يمتعنا لدقائق... فى هذا المهرجان نحن فعليا نلاحق الدقائق فى الحياة، ونختبر قدرتنا على معايشتها والانتباه والتيقظ خلالها.

مهرجان بدأ كفكرة من مجموعة «C.C.U.C» (الحلقة السينمائية الجامعية) عام 1979، نظمت أسابيع عرض للأفلام القصيرة، ثم قررت إدارة هذه المجموعة إثارة الصخب وأنشأت عام 1981 جمعية بعنوان «أنقذ ما يمكن إنقاذه من الفيلم القصير»، ودعمت بلدية كليرمون فيران هذه الجمعية بكل ما تملكه من أدوات دعم، واستمرت التظاهرة سنويا، تعرض أفلاما فرنسية قصيرة تتنافس فى ما بينها، وبالدأب والخطوات المحسوبة المتزنة، تحولت هذه التظاهرة والاحتفالية شديدة المحلية فى المدينة الصغيرة، إلى حدث عالمى عام 1988، ينتظره عشاق السينما وصانعوها بشغف.. بدا خافتا فى أول مسابقة دولية تنعقد إلى جانب المسابقة المحلية عام 1988، حتى وصل إلى أوجه فى الدورة الخامسة والثلاثين منذ إقامة المهرجان، والخامسة والعشرين منذ بدء وضعه على خارطة المهرجانات الدولية. فى الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان كليرمون فيران الدولى للسينما القصيرة التى حضرتها، عرفت أن للسينما القصيرة سَنَدًا، وأن لكل حامل كاميرا وصاحب رؤية ووجهة نظر فنية، مكانا فى هذا العالم يعرض فيه العالم كما يراه، وسيجد جمهورا يشاهد وربما يصفق أو يمتعض، ومنافسين له ربما يرون العالم بشكل آخر.

المهم أن مهرجان كليرمون فيران السينمائى للسينما القصيرة ببدايته المتواضعة ومجموعة عمل الجمعية التى تتولى إدارته والتى لا يتجاوز عدد أفرادها 20 فردا، يعتبره سينمائيو العالم أهم مهرجان للسينما القصيرة، ويضعه الجميع فى مكانة مهرجان كان السينمائى، ولكن للسينما القصيرة، وهو كذلك فعلا.

كانت المناقشة على هامش الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان كليرمون فيران للسينما القصيرة، مثيرة بين المخرج المصرى شريف البندارى وميشيل دريجيز مديرة برنامج الأفلام القصيرة بمهرجان مونبلييه لسينما البحر المتوسط، وكنت محظوظة لأنى حضرتها.. كنت محظوظة جدا كى أصل إلى تفسير إقبال هذه المدينة التى يعمل أغلب سكانها فى المصانع على دور العرض السينمائى بهذه الصورة المبهجة!

بدأ المخرج شريف البندارى المناقشة، بإبداء إعجابه بتلك البلدة الصغيرة فى فرنسا التى يُقبِل سكانها على مشاهدة الأفلام القصيرة، فى حين أن بعض صناع السينما أنفسهم لا يفضلون هذا النوع من الأفلام ولا يقدرونه أصلا!

قال شريف البندارى، المخرج المصرى الذى حضر أنشطة الدورة ال35 للمهرجان، وهو يشير إلى الجمع الغفير من البشر الذى يصطفّ لحضور العروض: «من أجل هذا تقام المهرجانات»، واستدرك مفسرا إقبال الجمهور على عروض الأفلام فى مهرجان كليرمون: أعتقد أن المهرجان على مدار دوراته المتتالية قرر أن يختار فى أحيان كثيرة أفلاما مختلفة لمجرد أنها قد تعبر عن فكرة تتسق مع توجهات المهرجان، أو ربما لأنها من بلدان غريبة وبعيدة فقط لتعريف جمهور كليرمون بالبلد وبالسينما الخاصة بها، هذا طبعا بالإضافة إلى دعم السنيما فى تلك البلدان الناشئة مثل الهند وتركيا والمكسيك فى هذه الدورة، بالطبع لتحقيق معدَّل تمثيل دولى عالٍ غير مسبوق فى أى مهرجان آخر يضيف إلى قيمة المهرجان، ففى هذه الدورة مثلا يوجد ما يقرب من 120 دولة مشاركة فى أنشطة المهرجان المختلفة، ومن ثَم أعتقد أن اختيار الأفلام فى المهرجان لا يكون فنيا خالصا فى أحيان كثيرة، فالهدف الأسمى هو أن تحقق الأفلام جذبا للجمهور فى هذه المدينة الصغيرة. الجمهور أثر فى المهرجان والمهرجان أثر فى ذوق الجمهور، وهذا ليس عيبا، فالمهرجانات تُصنَع ليشاهد العاديون أفلاما لا تصل إلى دور العرض التى يرتادونها، والمهرجانات تقام لمد جسور التواصل والثقافة بين البشر البعيدين لغويا وجغرافيا.

سألتُ المخرج شريف البندارى: لكنّ كثيرين فى العالم لا يعرفون شيئا عن مهرجان كليرمون فيران!

قال: غير حقيقى.. المهرجان معروف جيدا لكل صناع السنيما فى العالم، ويكفى مهرجان كليرمون فيران فخرا أنه جعل سكان هذه المدينة الصغيرة روادا للسينما القصيرة، بل إنهم جذبوا إليها جمهورا من كل أنحاء العالم.. المهرجان خلق تبادلا ثقافيا وحقق هدف التواصل بين البشر من كل الجنسيات من خلال أفلامه القصيرة، كما أنه حقق هدفه الأسمى، فالعالم كله يجتمع فى قاعات سينما كليرمون فيران للتعارف.

ميشيل دريجيز، مديرة برنامج الأفلام القصيرة بمهرجان مونبلييه لسينما البحر المتوسط، استكمالا للكلمات السابقة، ترى أن بعض الأفلام المشاركة فى المهرجان تفتقر إلى المستوى الجيد، لكنها تؤكد أن المهرجان على مدار 35 عاما قام بتربية جمهوره وعوّد هذا الجمهور مشاهدة الأفلام غير التقليدية فى هذا الوقت من العام.

المهم أننا بعد انتهاء هذه المناقشة توجهنا جميعا لمشاهدة مجموعة من الأفلام فى أحد البرامج.. اجتزنا بوابة الدخول بصعوبة لأن البرنامج الذى خصصه المهرجان للأطفال كان مزدحما بحضور الأطفال.. حتى أطفال المدينة يشاركون فى مهرجانها.. تحدثت مع والد أحد الأطفال فقال لى: دائما أطلب الحصول على إجازتى السنوية فى موعد المهرجان كى أحضر كل عروضه.

لأجل هذا الشغف، ولأجل هذا النوع من الجذب، تُصنَع المهرجانات فى المدن الصغيرة.. السينما شعاع نور يخطف البشر لأيام قليلة.. يفرح صناع الأفلام بحضور الناس وتفاعلهم.. ويفرح المشاهد بحضوره لأفلام مصنوعة لمزاج أصحابها، وللصدفة توافق مزاجه وذوقه مع صناعها.

ورغم البهجة، ورغم الحالة القادرة على جذب أى شخص إلى عالم آخر، فإننى ما زلت أفكر فى مصر! كنت أرى مشهد إقبال جمهور مدينة كليرمون فيران على مشاهدة أفلام المهرجان بشكل مختلف، كنت أقارنه بمشهد تفاعل جمهور الإسماعيلية مع مهرجان الإسماعيلية الدولى للسينما القصيرة، وللصدفة الغريبة فإن مدينة الإسماعيلية مبنية على أكتاف الفرنسيين!

المقارنة قاسية، ونتاجها قاسٍ وفاجع، فلا مهرجان السينما القصيرة المهم جدا فى بلدنا أثر فى أهل المدينة التى أقيم فيها، ولا شعر به حتى محبو السينما فى مصر إلا بالصدفة، رغم أنه كان مرشحا ليصبح أهم مهرجان للسينما القصيرة فى الشرق الأوسط، وربما فى العالم، لكنه -كعادة كل الأنشطة الثقافية فى مصر- عزل نفسه وعزل صناعه وضيوفه عن المدينة التى أقيم فيها، فأصبح غريبا فاشلا فى العبور إلى الجمهور الذى لأجله تُصنَع المهرجانات.

غدا.. عرض لبعض أفلام المسابقة الدولية بالمهرجان.. و22 ساعة سينما.. وسنوات من التأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.