يقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) – المائدة 82 ، صدق الله العظيم. يقرر القرآن فى هذه الآية مشاعر الكراهية والعداء التى يكنها طائفتان من الناس نحو المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ وهاتان الطائفتان هما اليهود والمشركين ، وقدّم اليهودَ على المشركين ، لأنهم أشد عداوة للذين آمنوا ، والقرآن فى إطلاقه هذا الحكم الخطير ( أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً ) ، لا يذكر تعليما شخصيا للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) – النجم 3 و4، ولا يقرر حقيقة تخص علاقة العداء للمؤمنين فى زمن معين ، فالقرآن بآياته كلها وحقائقه كلها كتاب أنزل لكل زمان ومكان ، فالعداوة بنص القرآن هى عداوة أزلية لا تتغير ولا تتبدل ، ولا يمكن أن تتحول إلى مودة ،
كما لا يمكن أن تتحول النار إلى ماء أو الماء إلى نار، فهذا النص الكريم يقر فى نفس كل مسلم حقيقة اليهودى الأزلى ، اليهودى على زمان موسى، هو ذاته اليهودى على زمان عيسى ، هو ذاته اليهودى على زمان محمد صلى الله عليه وسلم ، هو ذاته اليهودى فى زماننا ، اليهودى الكاره للمسلمين ، الحاقد على الإسلام ونبى الإسلام ، الجاحد لنعم الله عليهم على طول الزمان ، المتربص بالقرآن والسنة وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وسيرة صحابته .
ومن غرائب الأيام ؛ أن نجد من المفكرين والصحفيين والمثقفين من يحاول أن يرسخ قاعدة للفصل بين اليهودى والإسرائيلى ، بحيث يفرّق الناس بين من ينتمى إلى الكيان العبري الجاثم على صدورنا فى فلسطين ، ومن جاء إلى الدنيا فوجد نفسه يهودياً ، ونحن نقول إن الطينة واحدة والطباع واحدة ، وليس ثمة فرق بين اليهودى والإسرائيلى ، إذ كلاهما قد استقى ثقافة الكراهية للإسلام وللمسلمين منذ ولادته ، ورضعها مع لبن أمه ، وليس أدل على هذه الحقيقة أكثر مما يتعلمه أطفال اليهود فى المدارس منذ نعومة أظافرهم .
فالحاخامات والمدرسون يعلمونهم أن الدين الإسلامي ليس من عند الله ، ولكنه فُرض على قبائل شبه الجزيرة العربية من قِبل محمد ، والرسول صلى الله عليه وسلم ( محمد ) هو مؤسس الدين الإسلامي ، وأما معجزة الإسراء والمعراج فيقدمونها على أنها أسطورة خرافية ابتدعها محمد وقصها على أهله وأصحابه ، وتصف كتبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالغارق في أحلام اليقظة ، والمحارب ، والمبتدع للدين الإسلامي ،
وهم يعملون على ترسيخ أفكار فى عقول الأطفال تتعلق بعدم قدسية القرآن الكريم ؛ لأنه على حد زعمهم من نسج خيال محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه يعتمد في جزء كبير منه على ما ورد في الكتب الدينية اليهودية ، وتربط بعض الكتب التى تدرس لأطفال اليهود بين لغة القرآن ولغة التوراة ؛ للتدليل على أن القرآن مستوحى من التوراة ، فالقرآن يقدم على أنه توراة محمد ، ويقدم الحديث النبوي والسنة الشريفة على أنها التوراة الشفهية التي تكمل القرآن.
وتحرص هذه الكتب على تأكيد أن الإسلام ما هو إلا نسخة معدلة لليهودية وما جاء في التوراة ، وأن النبي محمداً بذل جهداً مضنياً لمطابقة دينه وجعله متفقاً مع اليهودية ؛ فقد أمر أتباعه بصيام يوم الغفران والتوجه في الصلاة نحو القدس ، وعندما واجه مقاومة اليهود لدينه توقف عن تقليد اليهودية ، وأمر أتباعه بصيام شهر رمضان ،
وما فى كتب الأطفال ؛ كما فى كتب الكبار كثير كثير ، ينضح كله بالحقد على الإسلام ونبى الإسلام ، ولا نستغرب أن يكون هذا هو موقفهم ، فالقرآن يقول عنهم: ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) – البقرة 144 ، هم يعلمون أن الإسلام حق ، ويعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين حق ، ويعلمون أن القرآن حق ؛ بقدر ما هم متأكدون أن كتبهم قد طالتها يد العبث والتزوير .
ونلاحظ أن يهود اليوم يجنون ثمار ما زرعه يهود الأمس ، فاليهود على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وما تلاه من عقود ؛ حاولوا بكل طاقاتهم ومكرهم المعروف عنهم دس الأحاديث ، وتبديل ألفاظها ، والتدخل فى سياقها بالحذف والإضافة ، والتزوير والتدليس ، وهو ما لم يستطيعوا القيام به مع القرآن الكريم الذى تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه ، ووجدوا فى كتب سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وكتب سير الصحابة مبتغاهم ، ومنتهى مرادهم ، فقد مرّ من الزمان أربعة عشر قرناً ، وأصبح اليهود يدّعون أن القرآن مقتبس من التوراة ! وأنه يعتمد فى أجزاء كبيرة منه على ما ورد فى التوراة !
إقرءوا معى ما ورد فى صحيح مسلم: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد أخبرنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ).
هل يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعيه بالأخذ عن بنى إسرائيل ولا حرج ؟ هل يأمرهم صلى الله عليه وسلم بنقل أحاديث بنى إسرائيل ؛ مع أن القرآن يقول عنهم: ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ) – المائدة 13 ، هل يأمن الرسول الكريم لمن يعلم أنهم حرفوا كلام الله وكتبوه بأيديهم ؟ ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) – البقرة 79 .
لقد قال القرآن موجها الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) – البقرة 145 ، ألا يعتبر الأمر بالحديث عن بنى إسرائيل ولا حرج اتباعاً لأهوائهم ؟
إننا ننأى برسولنا الكريم ؛ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ؛ أن يكون قد أصدر هذا الأمر ، أو أذن للمؤمنين بالعمل به ، لأنه ببساطة شديدة يناقض صريح القرآن ، ولأن من كتب هذا الحديث ؛ كتبه بعد أكثر من مائتى سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
ألم يحن الوقت بعد لحركة كبرى يقوم بها العلماء والمتخصصون ، لتنقية كتب الحديث الشريف ؟ هل عجز المسلمون عن حماية دينهم ؟ هل عجزوا عن نصرة رسولهم ؟ هل ننتظر حتى يدّعى اليهود أن القرآن نزل على موسى ؟ أو ينسبونه إلى مزامير داود ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ..