"أشوف حال الحكام أزعل، أشوف حال المعارضة ألطم"... هذا باختصار هو الواقع المرير الذي تعيشه الحياة السياسية في مصر حاليا، المشكلة الحقيقية ليست في أن لنا مآخذ سياسية واقتصادية على الرئيس وحكومته، فهذا هو العادي في هذا البلد منذ أكثر من 60 عاما، ولكن الطامة الكبرى عندما لا تجد أمامك بديلا "يملا عينك" في أن يكون هو "السوبر حزب" الذي سيحرر "بهية" من قبضة التنين الأخضر وجماعته الملتحية الذين يديرون حياتنا الآن، فالائتلاف الذي تؤمن بأفكاره وتثق في وطنية أفراده، لا يملك مال لدعاية سياسية وليس به أشخاص مؤهلون للترشح كنواب في البرلمان القادم،
والحركة التي تتفق معها في كل مواقفها السياسية، لا تقم خدمة للمواطنين على مدار شهرين سوى الوقفات الاحتجاجية ونشر البيانات المستنكرة على صفحتها "بالفيس بوك"، وجبهة الإنقاذ التي ظننتها أقوى (مارد) يستطيع الوقوف أمام التنين، لم تتردد في إعلان تبرؤك منها ومن قراراتها فور رؤيتك لل(سيد البدوي) وهو يقف بجانب (محمد أبو الغار).
انظر إلى الحزب الذي من المفترض أنه أقوى لمنافسين للإخوان المسلمين، حزب (الدستور) الذي طالته نار الاختلافات وبدأت في حرق أول أثاثاته، عندما دخل مجموعة من شباب الحزب بالقاهرة فى اعتصام ضد بعض قرارات الحزب، تبعها ب20 يوم دخول مجموعة أخرى ولكن من مكتب الإسكندرية فى اعتصام جديد لحين إبعاد 3 شخصيات من إدارة الحزب، وعلى الجميع الآن أن يوقف خطة الحزب في محاسبة السلطة وفي الإعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة ويتفرغ لحل مشاكل داخلية، توشك على إكمال شهرها الأول، أقيم من أجلها 20 اجتماع دون وجود حل يرضي جميع الأطراف، ثم حول نظرك إلى أشهر حركة سياسية في مصر، (حركة شباب 6أبريل)، والتي انقسمت إلى مجموعتين (الجبهة الأصلية) و(الجبهة الديمقراطية) منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، وبالرغم أن الخلاف الأساسي الذي أدى لهذا الانقسام ذهب ولم يعد له وجود حاليا، إلا أن الحلفاء لم يعودوا إلى وحدتهم، بل الأنكى أن الجبهة الديمقراطية ذاتها انشقت منها مجموعة ثالثة لتكون (الجبهة الثورية)!!
في محافظة الغربية يصرح المرشح البرلماني السابق أن الجبهة الإنقاذ الوطني ستطرح قائمة موحدة لكل محافظة لخوض الانتخابات بها أمام تيار الإسلام السياسي، بينما القيادي المعروف بمحافظة الإسكندرية يؤكد أن حزبه لن يتحالف مع قائمة الجبهة بالرغم من انضمام الحزب لها، لأنه ببساطة يرى أن الجبهة الغرض منها فقط، هو التصدي لقرارات الرئيس الخاطئة وليس للتحالف فى انتخابات برلمانية، خاصة أنها تضم بعض الفلول!! في نفس الوقت الذي تراودك فيه حيرة الاختيار بين قائمة حزب (المؤتمر) الذي يضم حوالى 26 حزب لا تعرف أسماء 80% منهم والذي أسسه عمرو موسى مع أيمن نور، وبين أن تختار قائمة الجبهة الذي أسسها أيضا عمرو موسى مع البرادعي وحمدين! قوى المعارضة في مصر –وأولهم جبهة الإنقاذ الوطني- لا تدرك حجم خيبة الأمل الذي تسببت فيه للمواطن المصري الذي يبحث عن أي مخرج لاسترجاع ثورته ولا يجد الحل في معاودة التظاهرات ولا حتى فى التصويت بالرفض على الدستور، وقريبا سيكتشف أنه ليس في الانتخابات البرلمانية القادمة، عندما يجد أنه لا يوجد أي حزب بما فيها الأحزاب التي تحالفت على قائمة واحدة استطاعت أن تسهم بأي انجاز كبير أو صغير ملموس لرجل الشارع العادي، جميعها اجتماعات، تخرج ببيانات، تحمل تنديدات، لجماعة الفتوات ،
التي لا تعيرها التفات.. والنتيجة الفعلية: لا إنجازات، بل اللحظة الأسوأ هي عندما يقرأ المواطن تفاصيل الاجتماعات المغلقة ويعرف حجم الاختلاف بين كبار الساسة أحياناً، أو بين النشطاء السياسيين ورؤساء الأحزاب أحيانا أخرى، ليهرب منه آخر إحساس بالأمان أو الثقة فيهم كان موجود.
وسط كل هذا الفشل الإداري والسياسي، يمكنك إلقاء نظرة على المعسكر الآخر أو بعبارة أخرى حزب الحرية والعدالة، لتدرك حجم الاختلاف بين سياسة ونشاط الفريقين، ففي الوقت الذي تدخل فيه أحزاب المعارضة لا تقطع شوطا حقيقيا في وضع خطة للتعريف بالحزب ولا تنظيمه لفعاليات تخدم المواطنين، تجد الحرية والعدالة تعلن هنا وهناك عن مساهمات الحزب في تشجير حي كذا، ورفع القمامة عن منطقة كذا، الحرية والعدالة يتدخل لحل مشكلة مواطني ترعة المحمودية، الحرية والعدالة يتفق مع مستثمر أردني على توريد طرمبات مياه جديدة لمحافظة كذا، لا تنسوا موعدكم مع معارض الحرية والعدالة الخيرية لأهم السلع الغذائية بنصف ثمنها، إلخ ...
إن اعتبرت توزيع الأغذية والملابس أو رصف الطرق المتهالكة نوع من أنواع الرشاوى الانتخابية التي لا يجب أن تكون موجودة ببلد يطمح للخروج من عصر استبداد وتخلف إلى عهد الحرية والاختيار وفق الأقدر سياسيا على إدارة الوطن، فعفوا أيها المتمدين المتحضر الراقي سياسيا، أنا حقا المخطئة، أكمل أنت في طريق رقيك بين الاجتماعات والاقتراحات التي لا تخرج للنور وأضف عليها بعض الخلافات السياسية والصراعات مع أفراد من المفترض أنهم متفقون معك على كل أهداف الثورة وعلى كل متطلبات المرحلة إلى أن يمر الشهر تلو الآخر وتجد المواطنين يقفون أمام صندوق الانتخابات يحاولون تذكر أي إنجاز فعال لأي حزب سياسي ذات وزن بخلاف حزب "اللي بالي بالك" ليمنحوه أصواتهم ولا يجدوا، ولا حتى يتذكروا أسماء مرشحيك، لأنك من البداية لم تثبت أنك قادر على إدارة وتطوير حزبك قبل أن تحاول أن تثبت لهم أنك قادر على إدارة البلد بأكملها.