عبد الجابر رئيسًا.. تعرف على نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا    سفراء التميز.. برنامج تدريبى لمعاوني أعضاء هيئة التدريس المبعوثين للخارج بمعهد إعداد القادة    رئيس الطائفة الإنجيلية يهنئ قداسة البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    «أبو الغيط»: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله على أوضاع العمال في فلسطين    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    تراجع سعر الذهب مع بداية تعاملات السبت    صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع نمو الاقتصاد المصري إلى 5.5% على المدى المتوسط    إزالة فورية للتعديات ورفع للإشغالات والمخلفات بمدن إدفو وأسوان والرديسية وأبوسمبل    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    زلزال بقوة 4.1 ريختر يضرب تركيا    شؤون الأسرى: ألف أسير فلسطيني أصيبوا في سجون الاحتلال جراء الانتهاكات    "الفرصة الأخيرة".. إسرائيل وحماس يبحثان عن صفقة جديدة قبل هجوم رفح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    السفير البريطاني في العراق يدين هجوم حقل كورمور الغازي    "الأول في الدوري الإنجليزي".. محمد صلاح ينتظر رقما قياسيا خلال لقاء وست هام    يوفنتوس يستضيف ميلان في الدوري الإيطالي.. الموعد والتشكيل والقناة الناقلة    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    حريق العاصفة.. خروج المصابين في انفجار أسطوانة بوتاجاز بالأقصر    منع رحلات البالون الطائر من التحليق في سماء الأقصر بسبب الطقس    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق    "كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي تنهار من البكاء وتتعرض للإغماء بسبب داعية ديني    دعما لمهرجان أسوان ل المرأة 2024.. 3 صانعات أفلام مصريات تزرن هوليوود (تفاصيل)    «حاربت السرطان 7 سنوات».. من هي داليا زوجة الفنان أحمد عبدالوهاب؟ ( فيديو)    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    استاذ الصحة: مصر خالية من أي حالة شلل أطفال منذ 2004    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    الإمارات تستقبل 25 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    وزارة الصحة: 3 تطعيمات مهمة للوقاية من الأمراض الصدرية    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    رسميا| الأهلي يمنح الترجي وصن داونز بطاقة التأهل ل كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنذار الأخير للأولتراس: العدل أو الشهادة.. ملف خاص جدا


رائحة الدم تتصاعد فى سيناريوهات 26 يناير
«الأولتراس».. قصة جمهور خرج من الملعب إلى الميدان
أهالى الشهداء: نحذِّر الجميع.. القصاص أو الفوضى
استاد بورسعيد.. من هنا مرَّت المذبحة
عام كامل من الهتافات والمسيرات
«أيها الواقفون على حافة المذبحة.. أشهروا الأسلحة».. كتبها الشاعر الراحل البديع أمل دنقل، قبل نحو أربعين عامًا، فى انتظار نزول الجماهير الغاضبة إلى الكعكة الحجرية «ميدان التحرير».. وها هى الكلمات ذاتها، تعود اليوم لإحياء نفسها. لكن هذه المرة أمام ساحة القضاء، فى انتظار كلمة قد تخمد وجع مئات من المكلومين من أهالى وأحباء شهداء أولتراس أهلاوى، أو تفجر غضب الآلاف.. الجميع يقف على مشارف عام من مذبحة بورسعيد.. ما الذى سيحدث؟.. وما الخطوة المقبلة؟.. كيف ستكون كلمة العدل فى السادس والعشرين من يناير الجارى؟.. الحقيقة الدامغة أن تلك المذبحة كانت إحدى حلقات الوجع والغدر وتواطؤ السلطة أو على أقل تقدير تخاذلها، التى عاشتها الثورة المصرية، ولا تزال فى رحلة استكمال طريقها الوعر.. وها هم شباب «الأولتراس» ينظرون إلى دماء أصحابهم، ويعتبرون أنها لا تزال ساكنة فى مدرجات استاد بورسعيد، بينما عقيدتهم إما القصاص أو غضب ودم وفوضى، وحناجرهم تردد «وحياة دمك يا شهيد ثورة تانى من جديد».
رائحة الدم تتصاعد فى سيناريوهات 26 يناير
لحظة ينتظرها الكثيرون ويخاف منها الكثيرون أيضًا. خوف يتعلق بشكل رئيسى بقلق على هؤلاء الشباب الأغلى فى سجل الثورة وإلى أين سيأخذهم طريقهم فى حالة صدور حكم قضائى لا يحقق القصاص ويسير على خطى كل مَن سبقه فى مهرجان البراءة للجميع. فهل سيبقى الشمروخ هو يد شباب الأولتراس و«الشعلة الأزلية» التى تضىء طريق تلك الثورة «المكلومة» أم قد يتحول إلى نار تأكل أصحابها وتأخذ فى طريقها آخرين ليسوا بالضرورة ممن تلوثَّت أياديهم بالدماء، أم تكتب لهم الأقدار بأن يكونوا هم «المفجّر» و«الملهم» لبداية طريق جديد لتحقيق القصاص العادل بأيدى الثوار أنفسهم لا السلطة؟
هى معضلة كما سماها والد الشهيد مهاب الدكتور صالح فرج، الذى أكد أنه يخاف على إخوات ابنه، قائلًا «لما لا يصدر حكم قضائى ينفذ أمر الله ولا يدفع هؤلاء الشباب لتحمل مسؤولية القصاص وحدهم؟ فالجميع يعرف أنهم لن يتركوا حقَّهم أبدًا.
ما بين كلام والد مهاب الأبوى وحماس آلاف الشباب الذى استمر على مدى عام وتجلى فى لافتات وهتافات مظاهرة الجمعة الماضية، فإن اليوم الحاسم 26 يناير، الذى لا تفصلنا عنه إلا أيام قليلة، يقف على مدخل عدة طرق أو سيناريوهات: أولها هو صدور حكم عادل يحقق القصاص، الذى يحتاج بدوره هو الآخر إلى تعريف، فعقب وقوع مجزرة بورسعيد اهتم شباب الأولتراس بتوجيه رسالة محددة جاءت على لسان الكابو كريم عادل، الذى قال «مجزرة بورسعيد ليست شغب ملاعب كما يحاول الإعلام تصويرها وكل الدلائل تؤكد أنها مؤامرة اشتركت فيها الداخلية والمجلس العسكرى السابق وجمهور بورسعيد».
كل ما سبق يجعل الدائرة تضيق ومن ثَم فإن عدم صدور أحكام ب«الإعدام»، كما قال أولتراس أهلاوى على صفحته الرسمية ضد القتلة، بالتأكيد يدفعهم إلى الطريق الآخر الذى يأتى أحيانًا تحت اسم «الدم بالدم» وأحيانًا تحت اسم «الفوضى».
المتابعون يتوقعون أن يتم تنفيذ هذا السيناريو بشقَّيه وهو تنفيذ القصاص بعيدًا عن الدولة من أشخاص بعينهم، وهو ما وضح أيضًا فى أحد بيانات المجموعة، فقالوا «الحكم على ضباط الشرطة المتهمين قادم لا محالة، وسيكونون أول ضباط تتم محاكمتهم فى أولى قضايا شهداء الثورة». وفى تصريح خاص ل«التحرير» قال كابو لأولتراس أهلاوى، رفض ذكر اسمه، إن «جروب الأولتراس ينتظر حكمًا عادلًا»، مشيرًا إلى أنهم ينتظرون القضاء العادل، وأن الرابطة تنتظر حق الشهداء بعد سنة من التحقيقات.

فى الوقت نفسه أكد الكابو أنه فى حالة حصول المتهمين على البراءة أو أحكام لا تتناسب مع حجم الجرم، الذى ارتكبوه، لن تكون هناك كرة قدم فى مصر نهائيًّا، وأنهم سيلجؤون إلى الشارع عن طريق الاعتصامات والمسيرات والاقتحامات فى حالة بدء الدورى دون الحصول على حقوق الشهداء، وهو ما يعيدنا إلى تصريح سابق عقب الحادثة مباشرة لأحد كابوهات الأهلى الذى قال «كنا يمكننا أن نلجأ من اللحظة الأولى إلى الشارع والشغب، وكنا سنحظى بتعاطف واسع، لكننا فضَّلنا الانتظار حتى صدور حكم القضاء، وبعد هذا لا يحق لأحد اللوم علينا».
تحركات على الأرض تؤكد هذا، والمقصود هنا ليس تنظيم مظاهرات حاشدة، لكن محاولة الاختراق والوصول إلى القتلى الحقيقيين. فقبل أيام قليلة أعلن شباب أولتراس أهلاوى على صفحتهم الرسمية كيف نجحت مجموعة أولتراس دمياط فى الدخول إلى بورسعيد، ومحو كل الجرافيتى الخاص بأولتراس المصرى ووضع توقيع أولتراس أهلاوى فى كل مكان «UA07»، بل والوصول إلى استاد بورسعيد نفسه ونزع لافتة كبيرة ثبَّتها أولتراس المصرى والعودة بها إلى دمياط، مؤكدين أن هذا أول الطريق، أما رجال الأولتراس الذين لن يصمتوا على جريمة قتل إخواتهم عقابًا على مشاركتهم بالثورة فكتبوا «عااااااااش أحلى رجالة فى الدنيا.. القلوب الميتة تتحدث.. الشغب ابتدا يظهر.. والعفاريت ابتدت تتنطط». وهو ما يظهر أيضًا فى اللافتات التى ما زالت مرفوعة داخل ميدان التحرير، مثل «أهلاوى ثورجى.. والقصاص مطلبى»، و«ياللى قفلت علينا الباب لسه ماجاش وقت الحساب». وما بين كل هذه السيناريوهات المطروحة فإن الشباب الذى هتف أول من أمس «ثورة يعنى دم شهيد» يبذل كل مجهوده فى الحشد والتنظيم ليوم 26 من خلال جرافيتى فى كل مكان ودعوة للنزول إلى أرض المحكمة فى هذا اليوم.

«الأولتراس».. قصة جمهور خرج من الملعب إلى الميدان

الحديث عن ارتباط الثورة المصرية ب«الأولتراس» حديث مفعَّم بالشجون، فمن الطلة الأولى نجح شباب الأولتراس فى ترك تأثير يشبه السحر على أحداث الثورة وأيامها، سحر يؤكد أن الثورة والأولتراس أصبحا شيئًا واحدًا، فهم استطاعوا أن ينفخوا فى جسد الثورة روحًا من خلال إخلاصهم وحماسهم للحرية التى يتغنون بها دومًا.
يقينًا تحوَّلت عقيدة الأولتراس خلال العام الأخير من غنائهم «يوم ما أبطل أشجع.. هاكون ميت أكيد» إلى «يوم ما أفرَّط فى حقّه (الشهيد).. هاكون ميت أكيد»، وهى عقيدة ذات دلالة لا يجب أن تمر مرور الكرام.
«الأولتراس» هو أسلوب حياة قبل أن يكون أسلوب تشجيع، تعرفه جماهير مئات الأندية فى العالم لعل يكون أقدمها أولتراس gernata لفريق تورينو الإيطالى الذى تأسس عام 1969. على مدار أعوام ترسَّخت تلك العقيدة فأصبحت أسلوب حياة يعرفه ملايين الشباب على امتداد العالم، تجمعهم نفس الطباع والقناعات فهم جميعًا يكرهون الإعلام الرياضى، كما أن الكرة الحديثة تحاول سرقة متعة كرة القدم معشوقة الشعوب لتحولها إلى صناعة وبزنس. وهم يكرهون أيضًا رجال الشرطة فى كل مكان بالعالم ويسمونهم ب«الأوغاد» لا لشىء إلا حبًّا فى التحرر وكره التعليمات.
حقًّا «الأولتراس» كل هذا وأكثر، لكن يبقى ما هو أكثر صدقًا ويقينًا.. إن جماعات الأولتراس المصرية خطت بدمّها وعرقها مساحة جديدة سيحفظها ويدركها ملايين من الشباب الآخر تزور هذا العالم على امتداد سنوات طويلة قادمة.. هى مساحة التحام بمصير بلد وتحمل الهموم عنه فى قوة ورضا.. مساحة بدأت لتبقى.. لعلها.. إلى الأبد.
من أين كانت البداية؟ غالبًا كانت هناك من فوق كوبرى قصر النيل، حينما انبهر الجميع بهذه الروح الجامحة التى فاضت يوم جمعة الغضب على ميدان التحرير، فعلم المصريون ولأول مرة عن قرب ما تعنيه كلمات «أولتراس أهلاوى» و«ديفيلز» و«وايت نايتس». ثم كان المشهد الأكثر رسوخًا مع هجوم الجمال والأحصنة ب«موقعة الجمل» فلم يجد الميدان ما يستنجد به غير شبابه وفى القلب منهم مجموعات الأولتراس ذات «القلب الميت» و«الأسود» وغيرهما من ألقاب يحاول الشعب المصرى أن يسعف بها نفسه لوصف تلك الروح الجديدة الوافدة.
نعم طالما تجمع العشاق فى الزنازين قبل الميادين.. نعم طالما التف طلاب الجامعة حول الساعة، والعمال فى ساعة غداء الظهيرة، والمثقفون على مقاهيهم يتناقشون ويغنّون ويناضلون. لكن شيئًا جديدًا قد حلّ ووصل مع دقات طبول ودبّة أقدام ووهج شمروخ ورتم أغانى «الأولتراس»، تسأل عنه فتجد الإجابة سريعًا.. هى المظاهرات الأكثر إخلاصًا، هو الهتاف الأكثر صدقًا، هى المسيرات التى تجمع النقيضَين البهجة والغضب.
إنها الروح.. النبض.. وكل هذه الكلمات التى تعبر عن حالة قلبية بامتياز أو ليس هذا هو التعبير الأمثل عن «الإيمان»؟ هم الأولتراس المصريون، خرجوا من قلب ثورتهم بصدق المؤمنين الأوائل ولهفة الحب الأول وغضب الفراق الدائم. إذا أردت أن تصف شعورك وأنت تلتحم بمسيراتهم قد تعجز.. لكن ما ستدركه بوضوح هو هذا القلق والخوف عليهم من كل شىء حتى أنفسهم.. فتسأل هل ستجمعنى بهم مسيرة جديدة؟ هل سترتفع الأعلام بصور شهداء جدد؟ ولما وأين وكيف؟ وهل يمكن أن تتشوّه هذه الصورة الجميلة؟ إلى أن تجد الإجابة، سنتركك مع هذا الوصف الأكثر قربًا والتصاقًا الذى جاء على لسان أحدهم، محمد جمال بشير أو «جيمى هود»، وهو يتحدَّث عن رفاقه فى كتابه «الأولتراس»، فقال «لا يجمعهم حب النادى، لكن يجمعهم شعور قوى باحتياج كل منهم إلى الآخر ليكونوا كيانًا منفصلًا يحتاجه الكثيرون ليشعروا بمعنى الحياة.. ف(الأولتراس) ليست مجموعة من حملة الأعلام ولا البرابرة بل هى معنى الوطن والانتماء والعطاء بلا حدود دون انتظار مقابل.. هى كل ما نحلم به وكل ما ينتظرنا لتنفيذه.. هى.. أنا.. وأنت.. وهو.. لنصبح هم».

أهالى الشهداء: نحذِّر الجميع.. القصاص أو الفوضى
بين الأمل فى القصاص العادل والخوف من إهدار حقوق الشهداء مجددا، ارتسم القلق على وجوه أهالى شهداء مذبحة استاد بورسعيد على المنصة الرئيسية والوحيدة فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى. الآلاف من شباب الأولتراس يلهبون حماس الجميع وهم يرددون «فى الجنة يا شهيد.. ثورة تانى من جديد».
الميدان أركانه تهتز، وأصواتهم تُسمع كل مَن به صمم. لا مطلب فئوى لهم ولا غرض سوى القصاص لأبنائهم، الذين راحوا ضحية الغدر. جلل المشهد جعل الدموع تنهمر من أعين أهالى الشهداء، هكذا استقرت لنا الصورة أكثر، ونحن نجلس مع كل أب وأم فقد ابنه، خصوصًا أن اليوم المشهود (26 يناير) قد اقترب.
والدة الشهيد خالد عمر قالت لنا «حق ابنى مش هيضيع طول ما أصحابه فاكرينه»، وتمنَّت أن يكون الحكم «شافيًا للصدور» بعد انتظار عام كامل من المحاكمات والجلسات، وأن لا تكون هناك دماء جديدة.
أما أم الشهيد أحمد زكريا، فقد دعت الجميع للفرحة يوم 26 القادم، عندما يعود حق ابنها بالقصاص العادل، مؤكدة رفضها أى حكم سوى الإعدام لكل مَن شارك ودبَّر مقتل ابنها.
والدة أحمد قالت «عايزين نار أهالى الشهدا تبرد على أبنائهم». ومن جهة ثانية انتقدت السيدة الثكلى إدارة النادى الأهلى، قائلة «بعد سنة أقدر أقول وبكل ثقة إن الأهلى خاف على لاعبيه فقط، رغم أن أبناءنا ماتوا بسببهم».
وقالت والدة الشهيد أحمد يونس بغضب «يستحيل أن يكون قتلة ابنى مجهولين، لماذا لا نحصل على حكم عادل؟»، وأضافت «مبارك كان يخيرنا بينه وبين الفوضى.. واحنا هنقول كمان أسبوع إما القصاص أو الفوضى».
والد الشهيد السيد فودة تحدث عن معاناة العام الماضى، فقال «ابنى ضاع منى، لكن مشيئة الله أرادت ذلك، ولهذا أطالب بالقصاص العادل من قتلة الشهداء، لأنهم قتلوا مَن كان يساعدنى ويساعد أسرتنا المكونة من خمسة أفراد»، وأضاف «ابنى الشهيد كان أكبر إخوته، وهو العائل الوحيد لنا، والقصاص العادل يشفى غليلنا».
من فوق المنصة وجّه أبو الشهيد كلمته إلى شباب الأولتراس المرابطين فى الميدان، فقال «لو ولادنا ماتوا فإنتو ولادنا.. وإنتو رجالة.. وهتجيبوا حقهم»، مرددًا هتاف الشباب «لو حق ولادنا ما جاش.. يا حكومة ما تلوميناش».
أما الدكتور صالح فرج والد الشهيد مهاب، الذى يعتبره كثير من شباب الثورة والدًا لكل الشهداء، فعاد ليتذكر مشاهد مهاب والثورة، فقال «ابنى كان فى الميدان طيلة الثمانية عشر يومًا، واتصل بى فرحان يبشرنى بتنحى مبارك، يومها قلت خلاص خوفى عليه خلص، لكن الأحداث استمرت، وازداد تعلق ابنى بالثورة، وكل حدث كبير يأتى مهاب وفى جسمه طلق خرطوش، إلى أن قتلوه غدرًا فى بورسعيد، ابنى فرح بخلع مبارك وماعرفش إنه هيموت على يد أعوانه». الدكتور صالح أنهى كلامه فقال «ولادنا ماتوا عشان يدفعوا ضريبة مشاركة الأولتراس الشجعان فى الثورة، وحقهم مش هيضيع أبدا، وعمرنا ما هنقبل بده أبدا».

استاد بورسعيد.. من هنا مرَّت المذبحة
لم تكن صدفة أن تقع مجزرة بورسعيد التى راح ضحيتها 72 شهيدًا من جماهير الأهلى عقب مباراة المصرى البورسعيدى والأهلى فى بطولة الدورى العام.. العلاقة غير جيدة بين مشجعى الطرفين على مدار سنوات، مهَّدت لمواجهات عنيفة وعدائية بشكل محزن، إلا أن أحدًا لم يكن يتصور أن يتطور الأمر أبدا إلى «قتل» تفوح من حوله رائحة المؤامرة، لولا دخول أولتراس على خط المواجهة مع النظام وانخراطهم بالحالة الثورية محاطين بهذا التأييد الشعبى الواسع من الشارع المصرى الذى شهد بأن جروب الأولتراس أفضل بكثير من أى فصيل سياسى أو حزب يقفون من خلفه.
وبالفعل فإن تاريخ العلاقة بين النادى الأهلى والمصرى البورسعيدى قديم وشديد التعقيد، تشهد عليه كل المباريات التى جمعتهما فى الدورى أو الكأس، ومن ثَم كانت مواجهات عنيفة بين جروب أولتراس أهلاوى والجرين إيجلز البورسعيدى قبل مجزرة بورسعيد الأخيرة، فقد سبق وقام جروب أولتراس أهلاوى فى مباراة الموسم قبل الماضى بتحطيم كل المحلات الموجودة فى محطة بورسعيد عند وصولهم إلى المحافظة مباشرة دون أى أسباب تذكر، وهو الأمر الذى جعل جماهير «الجرين إيجلز» يعربون عن غضبهم الشديد باعتبار أن الأولتراس قام بتلك الوقائع فى مدينتهم وخالف ما هو معروف عن قوانين الأولتراس التى يعرفها الجروبان.
وتعتبر هذه الحادثة التى قام بها جروب أولتراس أهلاوى هى الشرارة الرئيسية التى بدأت بين الطرفين فى الفترة الأخيرة، وهو ما ترتب عليه قيام «الجرين إيجلز» بتهديد أى عضو من أولتراس أهلاوى فى حالة القدوم مرة أخرى إلى محافظة بورسعيد بالقتل عن طريق موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» بجانب الصفحات الرسمية الخاصة بكل جروب. وبالفعل كان هناك بعض الأعضاء الذين كتبوا وصيتهم قبل الذهاب إلى مباراة المذبحة مثل الشهيد أنس محيى الدين وغيره من أعضاء جروب أولتراس أهلاوى.
فى الوقت نفسه عندما علم كابوهات الأولتراس بما يتحدَّث عنه «الجرين إيجلز» حول رد الاعتبار بعد ما قاموا به فى محطة قطار بورسعيد ازداد الأمر سخونة وعنادًا بين الجروبَّين، وبدأ أولتراس أهلاوى فى تجهيز الرحلات والأوتوبيسات للوجود فى ملعب بورسعيد ورغم تحذيرات الأمن من وجود جماهير الأهلى فى بورسعيد، فإن الأمر لم يشغلهم واستطاعوا الدخول إلى المحافظة. وحينها قام الحاكم العسكرى بنقل الجماهير أو الأولتراس من الأوتوبيسات إلى عربات أخرى بداعى التأمين ودخل جروب أولتراس أهلاوى ملعب بورسعيد وسط هتافات عدائية بين الطرفين قبل وفى أثناء وبعد المباراة فوقعت المذبحة.
مشهد مرير يحفظه الجميع عن ظهر قلب، جماهير المصرى تندفع إلى المدرج الخاص بأولتراس أهلاوى ليختلط الجمع ببعضه البعض، وما هى إلا دقائق وانقطعت الكهرباء عن الاستاد وانطلق الصراخ وكلمات متفرقة تتحدث عن بلطجية وأسلحة بيضاء. ثم قام مشجعو المصرى مدعومين دون شك بجماعات من البلطجية ومسجلين بالاعتداء على شباب الأولتراس وخلع ملابسهم والحصول على المعدات الخاصة بالتشجيع إضافة إلى الضرب المبرح، وعندما حاول أعضاء جروب أولتراس أهلاوى الفرار والهروب فوجئوا بإغلاق البوابات عليهم من الداخل، فاكتشفوا أنها «ملحومة»، وأنه تم حبسهم داخل المدرج فى مساحة لا تزيد على 2 متر * 3 متر، وقد كان هذا هو السبب المباشر فى أن يكون سبب الوفاة فى أغلب حالات الشهداء نتيجة التدافع.
من اللقطات التى سيتذكرها الجميع دوما هى لافتة «بلد البالة ماجبتش رجالة». فحسبما يؤكد الجرين إيجلز، فهى السبب فى إشعال الأمر والذهاب إلى مدرج أولتراس أهلاوى. فى الوقت نفسه قام وقتها شريف عبد الفضيل لاعب الأهلى بالصعود إلى المدرج لاصطحاب بعض أعضاء الأولتراس «المتوفين» لإدخالهم غرفة خلع الملابس والكشف عليهم عن طريق إيهاب على طبيب الفريق. وقد قام عبد الفضيل بتكرار الأمر أكثر من مرة لحمل جميع المتوفين والنزول بهم من المدرجات، وقد اتجه أحد مراسلى القنوات الفضائية إلى المدرج فى محاولة لتصوير بعض المشاهد، وعندما حاول قامت بعض جماهير المصرى بتهديد المراسل وأسرته فى حالة خروج تلك الشرائط التى قام بتصويرها فى المدرج، ومن ثم اختفى المراسل بالشرائط لمدة أسبوع قبل أن يخرجها للرأى العام ووسائل الإعلام المختلفة، حيث كشفت صور واضحة لبعض المسجلين الخطر، وهم يحتفلون بعد الحصول على اللافتة سبب المشكلة، وتيشيرتات جمهور الأهلى، قد كانت تلك الفيديوهات سببا رئيسيا فى القبض عليهم.
هكذا كانت الصورة التى رآها الجميع، تشير إلى متهمين محددين وتطرح أسئلة واضحة، أهمها: لماذا تم السماح لأولتراس أهلاوى بالذهاب إلى بورسعيد؟ كيف دخل جماهير المصرى إلى الاستاد ومعهم الأسلحة البيضاء؟ مَن المسؤول عن فتح بوابات مدرج المصرى؟ ومَن أغلق الباب الوحيد الذى كان يمكن أن ينقذ شباب الأولتراس؟ ومَن أطفأ الأنوار؟ ومَن؟ ومَن؟ أسئلة كثيرة تنتظر إجابة شافية عنها يوم القصاص، يوم النطق بالحكم.
عام كامل من الهتافات والمسيرات
غالبًا لا يختلف كثيرون حول حقيقة أنه إذا تحدثنا عن أكثر فصائل الثورة تمسكًا بهدف محدد وواضح لا حياد عنه، فلا شك أننا نتحدث عن الأولتراس. وإذا تحدثنا عن أكثر الفصائل التى دفعت ثمن اشتراكها فى الثورة بقوة، فلا شك أننا نتحدث عن الأولتراس، الذين ضحوا بأربعة وسبعين مشجعًا فى استاد بورسعيد.
عام مر من الصمود والاستمرار دون التوقف فى الدعوة إلى الاعتصامات والمسيرات، بل وصل الأمر إلى تصرفات أثارت خلافات مثل اقتحام مقر النادى أو القناة. قد تختلف أو تتفق معهم فى ذلك، لكن تبقى الحقيقة أنهم مجموعة لها هدف واضح ولا حياد عنه، ولعل هذا هو السبب الذى جعل الأولتراس المتوهجين بلهب الثورة مطمعا لكثير من الأطراف وأجهزة الدولة، فيحاولون استمالتهم أو يحاولون اختراقهم.
عقب المذبحة مباشرة وبالتحديد فى 4 فبراير، دعوا إلى مسيرات حاشدة انطلقت بآلاف المتظاهرين إلى مكتب النائب العام يوم 15/2/2012 مرددين هتافات، منها «حرية»، و«الشعب يريد حق الشهيد»، وهى المسيرة ذات الأعلام الشاهقة وعليها صور وأسماء الشهداء ال72 فى مذبحة بورسعيد وضحيتى موقعة شارع محمد محمود، كما ظهر التيشيرت المميز «ثالثة شهيد».
هذه المسيرة شارك فيها عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب «المنحل»، من بينهم زياد العليمى ومصطفى النجار، كما انضم عدد من اللاعبين والنشطاء من بينهم لاعب الأهلى السابق شادى محمد والناشط علاء عبد الفتاح، وشارك فى المسيرة عدد كبير من روابط الأندية الأخرى، مثل «وايت نايتس» والمقاولون العرب وأولتراس الإسماعيلى.
مسيرة أخرى حاشدة جاءت مع ذكرى تأسيس الجروب قبل 5 سنوات فى تاريخ 13\4 وهو الاحتفال الذى تزامن مع اعتصام شباب الأولتراس أمام مجلس الشعب اعتراضا على صدور حكم المحكمة الرياضية الفيدرالية بأحقية النادى المصرى فى العودة إلى بطولة الدورى العام، وقد اتهموا اللجنة المؤقتة برئاسة أنور صالح التابعة لاتحاد الكرة المصرى بالتقصير فى تقديم الأوراق، وعرض القضية بالشكل الصحيح ومطالبتهم بسرعة المحاكمة والقصاص.
المسيرة التالية جاءت بعد فترة طويلة نسبيا تحديدا فى 21 ديسمبر الماضى إحياءً لذكرى مجلس الوزراء، التى استشهد فيها عضو من أولتراس أهلاوى طالب الهندسة محمد مصطفى، إلا أنه بين هذين التاريخين، خصوصا شهر سبتمبر فقد نفَّذ شباب الأولتراس عددا من الاقتحامات للنادى الأهلى وغرفة تدريب اللاعبين واتحاد الكرة وقناة «مودرن سبورت»، متهمين هذه الأطراف بالتفريط فى حق الشهداء لمحاولتهم الضغط من أجل عودة الدورى.
كانت المواجهة الكبرى فى مباراة كأس السوبر بين الأهلى وفريق إنبى، التى اعتذر عن عدم لعبها اللاعب القريب إلى قلب الأولتراس محمد أبو تريكة. يومها قرر اتحاد الكرة لعب المباراة على الرغم من رفض أسر شهداء المجزرة. فكانت مواجهة حامية الوطيس عند مدخل الطريق مع برج العرب بين أفراد الأولتراس الأهلاوى فى الإسكندرية وعدد من جنود الداخلية. وقد اختار القدر أن يكون الحدث متزامنًا مع ذكرى أحداث محمد محمود التى خاض شباب الأولتراس أهم مواجهتها.
مسار طويل توازى معه مسار آخر من محاولة استمالة الأولتراس، بدأت بمحاولات تفاوض مختلفة من جانب اتحاد الكرة مع الشباب لم تحدث ولم تسفر عن موافقتهم على استئناف الدورى، وتيرة هذه الاتفاقات زادت وبقوة بعد تحديد تاريخين هامين الأول الخاص باستئناف الدورى رسميا، الذى حدد له 2 فبراير وتاريخ النطق بالحكم الذى حدد له 26 يناير الجارى.
وعن رد شباب الأولتراس على دعوة وزير الرياضة للحوار بأن كل شىء «مؤجل» حتى صدور الحكم وتحقق القصاص، أما وزارة الداخلية فقد حاولت فى الأسابيع الأخيرة عبر مسؤول بها التواصل مع الشباب، لكنهم رفضوا وبشدة، وكانت المحاولة الأخيرة مع جماعة الإخوان فقد تلقى الأولتراس اتصالا من جانب نائب المرشد لجماعة الإخوان خيرت الشاطر قبل يومين فقط ودعوة للحوار، وذلك عقب فاعليات جمعة «الإنذار الأخير.. الدم ثمنه دم»، لكن شباب الأولتراس رفضوا الدعوة للحوار ورددوا عبارتهم الثابتة التى لا تتغير «لا حديث قبل القصاص».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.