الابتهالات والتواشيح فن مصريٌ خالص متأصل في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بحب الله والتقرب إليه وبالصفاء الروحي والسمو بالذات، وقد كان فن المديح والابتهالات موجودا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. تطور هذا الفن وتعددت أشكاله على مر الزمن، وأصبحت الابتهالات والإنشاد الديني أفضل أنواع الأداء الموسيقي سواء في أسلوب الأداء أو في المقامات، وقد اختلف المؤرخون في نشأة فن الابتهالات؛ فمنهم من أرجع أصلها إلى العصر الفرعوني ومنهم من أرجعه إلى عهد الدولة الفاطمية. وفي عصرنا الحالي بدأت الابتهالات الدينية في الانتشار أواخر القرن ال19 وأوائل القرن ال20 مع ما يسمى ب"عصر المشايخ الأعلام" ومن أشهرهم الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، إلى جانب انتشار التواشيح الدينية التي تأخذ شكل التنوع في المقامات مع الشعر الديني سواء أكان دعاء أو مديحا، ومن أشهر المنشدين والمبتهلين والمداحين: ياسين التهامي، عامر التوني، نصر الدين طوبار، سيد النقشبندي، محمد الهلباوي، محمد عمران، محمود الحديوي. ويدخل فن الابتهالات والتواشيح ضمن أنواع المدائح المختلفة ما بين الشعر الصوفي أو الديني أو الدعاء أو الحِكم، وتكون التواشيح الدينية بين الشيخ وبطانته، أما الابتهالات فتكون بالارتجال والألحان الفورية، والغناء الديني يكون إما بالعربية الفصحى وإما بالعامية، وأيضا المديح الشعبي الديني الذي ينتشر في صعيد مصر والأقاليم. وعن مفردات الابتهالات فهي تتكون من النص والصوت الحسن والنغم والارتجال، ومعظمها ينتمي إلى أشعار مأثورة، وهي تواشيح وأشعار تتضمن العبر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أن بعض الابتهالات هي من أشعار شاعر الرسول حسان بن ثابت أو من أشعار الصحابي عبد الله بن رواحة. وتعني كلمة "ابتهال" -في اللغة العربية- الخشوع والتضرع إلى الله لطلب العون، والتقرب إليه بالدعاء والرجاء، أما التوشيح فهو نوع من الشعر استحدثه الأندلسيون، وله أشكال مختلفة لا يتقيّد فيها النَّاظم بقافية واحدة، وغالبا ما ينتهي إلى 7 أبيات، وقد سُمّي كذلك لأنه يشبه الوشاح بأشكاله وتطاريزه. وهناك فرق أيضا بين الإنشاد والابتهال، فالابتهال يكون دون آلات موسيقية ويعتمد على التنوع في مخاطبة الناس من خلال مقطوعات قصيرة كذكر أوصاف النبي ثم الانتقال منها إلى الهجرة وهكذا، بينما يصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية، ويكون بقصيدة شعرية كاملة، حيث إن الشعر الصوفي لا يترك فراغا بين المنشد والمستمع. دائما ما يختلف الاحتفال بليالي رمضان عن غيره من الليالي العادية، وتُعدّ الابتهالات والتواشيح والمدائح النبوية من أكثر ما يميز شهر الصوم، حيث تحيي الطرق الصوفية المختلفة ليالي رمضان، ويقيمون احتفالات كبيرة مفتوحة لا تقتصر على مريدي هذه الطرق فقط، وإنما يشارك فيها كل من يريد، ويحدث ذلك غالبا بجوار مسجد الحسين. لا يقتصر الاحتفال على الابتهالات والتواشيح والمدائح بل يقومون بتلاوة القرآن والذكر والتسبيح بشكل جماعي، إلى جانب النصائح والخطب والوعظ الديني، مع توزيع المشروبات التي يقدمونها خالصة لوجه الله تعالى على ضيوف الجلسة أو الحضرة التي يُقيمونها، ويكون هناك إقبال شديد على احتفالات الطرق الصوفية ولياليها الرمضانية، حيث تتضاعف أعداد الناس وتزداد في ليلة 27 رمضان احتفالا بليلة القدر. وهناك عدد كبير من الطرق الصوفية، ولكل طريقة منهجها، فجميعها تتفق في الجوهر وهو الدين الإسلامي، بينما تختلف في الفروع، فهناك من يذكر الله بالبسملة، ومن يذكره بقول لا إله إلا الله، وهناك من يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الكل يصب في منهج واحد وهو "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وكل طريقة من هذه الطرق تخصص ليلة محددة لها، مثل الطريقة السعدية تخصص لها يوم 14 رمضان من كل سنة، وهي يغلب على أسلوب إنشادها وابتهالها الطابع الصعيدي لأن معظم أبنائها من صعيد مصر، بينما تتسم الطريقة الجازولية في إنشادها وابتهالها بالطابع الحديث إلى حد ما. وتشمل الاحتفالية: الإنشاد، والابتهال، والوعظ الديني، والخطب، وقراءة القرآن الكريم، وتقدم بعض الطرق الصوفية أيضا المدائح النبوية في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحابة، والأئمة الصالحين، فلكل طريقة قصائدها التي اعتادت عليها وألفتها في حب الرسول والصحابة.
استمع إلى قصيدة "قل لمن يفهم عني ما أقول" بصوت المُبتهل محمد الهلباوي .: استمع إلى قصيدة "تبتلات مشتكٍ" بصوت المُبتهل سيد النقشبندي
.:
والآن عزيزي القارئ.. هل تحب أن تستمع إلى الابتهالات والتواشيح؟ وهل كنت تعلم أنها فن أصيل نابع من التراث المصري؟