ما زلنا معكم في مبادرة اشحن قلبك التي أعلناها، وسنشارك فيها جميعا -بإذن الله- أُعيد تذكيرك بالموضوع؟؟ لا بأس.. الفكرة باختصار أننا نعلّق على رمضان آمالا عديدة، لكننا لا نلبث أن نضعف عن تنفيذها حتى ينتهي الشهر الكريم دون أن نفعل ما كنّا نريد.. فننتظر رمضان القادم وعليك خير! لهذا فكّرنا أن نبدأ مبكّرا، نعوّد أنفسنا الطاعة والعبادة، ونستهدف عدة أشياء نتمسك بها ونفعلها في شعبان، حتى إذا جاء رمضان نستمرّ فيها ثم تدخل في صميم طقوسنا اليومية، ولكن بالطبع مع النية الصالحة؛ لأن العمل بلا نيّة مجرّد عادة لا عبادة فيه. جدول المحاسبة الخطوة العملية الأولى في مبادرتنا هي جدول المحاسبة.. صمّم لنفسك جدولا بعدد أيام الأسبوع، وضعْ فيه مستهدفاتك القريبة والمرحلية، ولا تشقّ على نفسك فيه، أنا مثلا أضع فيه: صلاة الفجر - الصلوات في جماعة - قراءة ما تيسّر من القرآن - استغفار يومي - صدقة ولو بسيطة.. أشياء سهلة لا تعجزك ولا تقتل التجربة في بدايتها. ميزة هذا الجدول أنه سيضعك على موقعك الحقيقي بالنسبة لما تستهدفه، ويدلك على ما قد تغفل عنه من أهدافك المرحلية؛ بمعنى أنني قد أصلّي الفجر يومين أو ثلاثة في الأسبوع، وأظنّ أني محافظ على صلاة الفجر، ولكن عندما أنظر إلى الجدول أكتشف أني مقصّر بنسبة 50%. وأحيانا تسقط منّي أشياء لم تكن تسترعي انتباهي في البداية؛ مثل صلاة العصر مثلا، أو قراءة القرآن؛ فالجدول يُساعدني على استدراكها ومن ثمّ المحافظة عليها. صلاة الفجر ومِن أهم ما ينغّص علينا إيماننا عدم صلاة الفجر، ومعظمنا يعتبره اختبار إيمان، القريب من الله هو مَن يحرص على صلاة الفجر، والكسول أو الذي لا يشغله الأمر كثيرا هو الذي يتكاسل عن صلاة الفجر. والحقيقة أنه عندما يصلّي الإنسان الفجر في وقته؛ فإنه يشعر بأن يومه منتظم، وتحرّكاته متزنة، وعندما يغفل عن فجر يوم من الأيام؛ فإنه يلاحظ أن سمة هذا اليوم هو الاضطراب، ولما لا وقد بدأه باضطراب وهو أن أخّر الصلاة عن موعدها، وغيّر في ترتيب مفردات يومه بنفسه؟ الانتظام في صلاة الفجر -كما قلنا- حلم للكثيرين، ولهذا أنا متأكّد أن معظمنا يبدأ رمضان وهو يضع صلاة الفجر في رأس هرم أولوياته من الشهر الفضيل، ويُحافظ عليها طوال رمضان، لكنه ربما لا يلبث أن يسقط بعد نهاية الشهر الكريم. ولهذا سبب منطقي: أن طبيعة الحياة في رمضان مختلفة، الطعام له مواعيد مختلفة، العمل له مواعيد مختلفة، الطقوس اليومية مختلفة، لهذا لا يصحّ أن نقيس أعمالنا في رمضان على غيره من الشهور، ولهذا فكّرنا في مبادرة "اشحن قلبك" أن نبدأ قبل رمضان بشهر كامل، نتعوّد فيه العبادات في الظروف الطبيعية لليوم، ونضع فيه مستهدفاتنا، ثم نبدأ في تطبيقها في يومنا العادي، وعندما نبدأ في التعود عليها يدخل رمضان، فنزداد فيه طاعة وعبادة، والأجواء الإيمانية وسلسلة الشياطين وقلة الزاد كل ذلك يساعدنا على الاستمرار، فإذا انقضى رمضان نكون قد مكثنا وقتا طويلا مواظبين على ما استهدفناه فيكون الاستمرار أيسر، والدوام أسهل. هيا بنا نبدأ من الآن نبدأ في الحفاظ على صلاة الفجر، ولكن ليس بالطريقة التي اعتدناها، وهي أن نهمّ وننوي ثم نكسل وننام، ولكن بأسلوب جديد نتبع فيه خطوات واضحة ومحددة. وقد بحثت كثيرا في أسباب الكسل عن صلاة الفجر وعدم المواظبة عليها؛ فوجدت أن هذا الأمر له أسباب يمكن حلها، وخلصت في النهاية إلى الخطوات التالية: 1- النية الصادقة من القلب.. بأنني سأستيقظ للصلاة، معظمنا ربما يخدع نفسه، ويقول إنه يريد أن يصلّي الفجر، لكنه مِن داخله يعرف أنه سيسمع الأذان ولكنه سيكسل، هذا الافتراض يخلق نية مخالفة للصلاة، ويترتّب عليه اشتراط أن الفجر معناه الكسل.. والشيطان بالطبع موجود لزيادة الكسل، ولكن عندما ينوي الإنسان نية صادقة، ويقول سأستيقظ إن شاء الله للصلاة يكون الأمر أخف. 2- النوم مبكّرا.. أحد أسباب الكسل الضخمة هي النوم قبيل الفجر بوقت قصير لا يسمح للإنسان أن يستيقظ، ولهذا إذا أردت أن تصلّي الفجر فيجب عليك أن تنظّم يومك بحيث تنام وقتا كافيا قبل الفجر، أو إذا كانت لك ظروف خاصة تستدعي السهر؛ فإياك أن تنام قبل الفجر بساعة، ثم تخدع نفسك مجددا بأنك ستيستقظ.. بل ظلّ مستيقظا للصلاة ثم نمْ. 3- الوضوء قبل النوم.. النوم على وضوء يجعل فرصة الاستيقاظ للصلاة أكبر، ويجعل القلب في حالة تأهب للاستجابة للنداء، ويجعل سيطرة الشيطان على الإنسان أقل، الأمر معنوي لا مادي.. وله تأثير إيجابي مجرّب. 4- التواصي على صلاة الفجر.. يمكن لك أن تقنع أحد أصدقائك بالحفاظ على الصلاة، وبالتالي تحدث بينكما شراكة في الحفاظ عليها، عن طريق أن يقوم كل منكما بمهاتفة الآخر عندما يستيقظ، ولا يتكره حتى يغلق الهاتف أو يرد عليه، والذي يستيقظ أولا يهاتف الآخر، وحبذا لو وضعت الهاتف بعيدا عنك بحيث لا تغلقه ثم تنام.. هذا الأسلوب متبع بشكل كبير ويؤثّر بنسبة قوية جدا في المحافظة على الصلاة؛ خصوصا في المرّات الأولى التي تكون فيها النية موجودة لكن تنقص الإرادة. 5- تهيئة البيت للصلاة.. بضبط المنبه ووضعه في مكان بعيد، وتوصية أخ أو زوج أو ابن، ولا مانع من السماح بالضغط والإلحاح في الأيام الأولى لأنك تخلق فيها حالة جديدة عليك حتى تعودها. انتهز يا صديقي فرصة أننا في أيام طيبة، وأننا نبدأ معا ويد الله مع الجماعة، وابدأ في وضع حجر الأساس لطاعة مستمرّة دائمة تبدأ بما هو خير من الدنيا وما فيها.. صلاة الصبح التي ذكر رسول الله في فضلها الكثير. هيا نبدأ من الآن.. وليصنع كل منا جدول محاسبته عملا بالقول المأثور: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا.. وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".