كتب الأستاذ الدكتور علاء الأسواني مقالا بالأمس بعنوان "قبل أن تقطعوا أيدينا".. طعن فيه بكل قوته الفقه الإسلامي بألف خنجر وخنجر.. ومع الأسف صدّق الكثيرون خوض الأسواني في الفقه الإسلامي، ولذا وجب علينا إعادة النظر فيما طرحه الدكتور المحترم؛ استجلاء للحقيقة لا انتصارا لتيار ولا جماعة.. إذا شئت الاختصار فالرجل يغالط.. يُلبس الحق بالباطل، ويُلبس الخاص ثوب العام، ويضع الأمثلة في غير مواضعها.. والعجيب أن المناضل الذي عرفته سيفا للحق لا يلتوي أراه اليوم يتلوى ويراوغ ويضلّل البسطاء بمنطقه العذب وحسن تدبيجه للعبارات.. والكلام يخدع، والمنطق يغري البعض.. ولكن العاقل من يعرض القول على عقله قبل أن يصدّقه، ولا يمنعه احترامه لعلم مصري كالدكتور علاء الأسواني أن يقيس كلامه على معيار الصواب والخطأ.. والخطأ في مقال الدكتور أكثر من الصواب، دعونا نأخذ الموضوع نقطة نقطة.. الخطأ الأول: هو التفريق الذي استحدثه الأسواني بين الشريعة والفقه، وهو تعريف مخترع لم يسبقه إليه أحد من أعلام الشأن ومتخصصيه، ولنفهم تعريف الدكتور يجب أن نعرف سياق الحديث، وسياق الحديث هو المادة 220 من الدستور التي تعرّف مبادئ الشريعة بأنها "أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".. في هذا التعريف تلحظ الأصولية والفقهية معا، وهو ما يحاول الدكتور علاء -دون سند علمي- أن ينفيه؛ حيث يريد بمقاله أن يثبت أن الشريعة شيء (إلهية ثابتة لا تتغيّر أبدا) والفقه شيء آخر (إنجاز بشري يتغيّر بتغير الزمان والمكان).. في حين أن الفقه الإسلامي ليس فقط مجرد فتاوى عصرية ترتبط بسياقها التاريخي وتتغير بتغير العصور.. هذا ظلم للفقه الإسلامي، ولمجهود آلاف من أعلام علماء الإسلام، ونثر لهذا التراث العظيم في وجه الريح.. وإن كنت لا أنفي أن هناك فتاوى في حاجة إلى تحديث لتساير العصر، وتخرج إلى واقع المسلمين، وهو ما تفعله المؤسسات الإسلامية المعتبرة، ولكني لا أثور على الفقه الإسلامي العظيم كما ثار الأسواني الثائر؛ لأنني -أظنني- أكثر تقديرا للفقه الإسلامي منه.. الخطأ الثاني: أن الدكتور ينسب دون دليل صياغة المادة 220 إلى الإخوان والسلفيين الذين يريدون -على حدّ قوله- "تطبيق الأحكام الفقهية القديمة بأي وسيلة".. وهذه مغالطة كبرى، وما أسهل أن نتهم الإخوان والسلفيين -بحكم أن لهم أغلبية في تأسيسية الدستور- بأنهم وراء زواج القاصرات، ووراء مضاجعة الموتى، ووراء هراء كثير لا سند له.. المادة صاغها الأزهر الشريف، عندما طُلب منه تفسير لكلمة مبادئ واستقر التوافق على تعريفها بدلا من تغيير المادة الثانية.. وما أذيع في كل وسائل الإعلام أن مجمع البحوث الإسلامية هو من أرسل للجمعية التأسيسية الصياغة التي وُضعت دون أدنى تعديل.. الخطأ الثالث: أن الدكتور اعتمد منطق التصيّد؛ حيث استقى أحكاما من كتاب فقهي معتبر لكنه ليس حجة مطلقة هو كتاب الأستاذ سيد سابق "فقه السنة"، وأسقط ذلك على الواقع بأمثلة أقل ما توصف به أنها "خيالية".. وتقترب من درجة التشنيع على الشريعة أكثر ما تستهدف ما أعلنه من رغبته في تحديث الفقه.. سوء القصد واضح في أمثلته لدرجة أنها أقرب إلى التخيل من الحقيقة، وراجع إن شئت أولا وثانيا في مقاله.. الخطأ الرابع: أن الدكتور يغالط مجددا عندما يتنبأ لنا بأن الشريعة (أو الفقه كما حلا له أن يسمي) ليست سوى في قطع الأيدي والجلد والرجم، وبشّرنا بمستقبل ظلامي.. متعمدا تجاهل أن الدستور ليس فقط: "بسم الله الرحمن الرحيم هنقطع إيديكم والسلام عليكم"! ألم تلحظ عين الدكتور مادة 3 التي تقول إن "مبادئ شرائع المصريين المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، فكيف يخيفهم بأن المسلمين سيجلدونهم عند شرب الخمر؟؟ ألم يقرأ الدكتور مادة 6 التي تقول: "يقوم النظام الديمقراطي على مبدأ الشورى، والمواطنة التي تسوي بين كل مواطنيها في الحقوق والواجبات، والتعددية السياسية والحزبية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وكفالة الحقوق والحريات؟؟ بالطبع قرأ الدكتور علاء كل ذلك لكنه يغالط ويتحرى المغالطة.. لكن لدى الدكتور علاء الأسواني -الكاتب الوطني الثائر الليبرالي- كذلك كل الحق في مقاله بدعوته إلى أن "يجتهد فقهاؤنا من أجل استنباط أحكام فقهية جديدة تناسب عصرنا الحديث".. هذه الدعوة -التي أظنها غاية مقصده- لو اقتصر عليها لاقتصر على الإفادة، ولكنه أبى إلا أن يتهم ويهاجم.. في وقت نحن أحوج فيه إلى التقارب والتفاهم والحوار.. لدى الدكتور علاء -فيما سوى الشريعة- ما يفيد به مجتمعه ووطنه، ولدى غيره وغيره الكثير، دعونا إذن نعلي راية التخصص، ونكفّ عن التجريح والهجوم والقول دون معرفة، ونعلو على قناعاتنا الخاصة؛ من أجل الوصول إلى نقطة التقاء تسمى "الوطن".