نجوى كرم، شيرين عبد الوهاب، عاصي الحلاني، صابر الرباعي، كاظم الساهر، سميرة سعيد، هاني شاكر، وأخيرا نانسي عجرم.. كلهم مطربون مشاهير، طالما سمعناهم واستمتعنا ببعض أغنياتهم وألبوماتهم؛ لكننا لم نسمع -إلا فيما ندر- أنهم أخذوا كلمات من شاعر غنائي شاب، أو ألحان من ملحن موهوب من خارج دائرة معارفهم؛ حتى وإن كان يملك بالفعل موهبة قوية تؤهله للصعود، فلماذا تحولوا فجأة إلى ملائكة يأخذون بأيدي الموهوبين ويساعدونهم في برامج اكتشاف المواهب التي يقدّمونها؟! أعتقد أن للسؤال إجابات كثيرة؛ لكن أقربها إلى الواقع -مع الأسف- هي "السبوبة"، وتقاضيهم لأموال طائلة من أجل لعب هذا الدور في تمثيلية مساعدة الشباب ومساندة مواهبهم! أتحداكم لو بحثتم في حياة آلاف الشباب الموهوب سواء في الغناء، أو التأليف، أو التلحين، ولم تجدوا موقفا أليما مخزيا عن شاب -أو فتاة- جاهد طويلا حتى يصل لمطرب -أو مطربة- يتوسّم فيه الإنسانية ومدّ يد العون والمساعدة، قبل أن يكشف له الواقع بعيدا عن الكاميرات، والحفلات، واللقاءات التليفزيونية، وجها قبيحا غير آدمي بالمرة لفنانه المفضل -أو مطربته الملهمة- الذي يسخر من صاحب الموهبة، أو يتجاهلها قبل حتى أن يستمع ليحكم ويقيّم ولو من باب المجاملة! أتحداكم لو تابعتم عشرات المواهب الغنائية القوية التي تغنّي في ساقية الصاوي، والأوبرا، وغيرها من أماكن تجمّع وحشد المواهب، ثم وجدتم فنانا مشهورا جاء ليشجع تلك المواهب ويساندها ويقدم لها العون والدعم -إلا فيما ندر- وفي حالات خاصة جدا تعد استثناء للقاعدة.. لماذا؟ لأن ساقية الصاوي والأوبرا لن تدفع بسخاء للمطرب أو المطربة حيث التشجيع والدعم هنا مجانا، دون أن يتقاضى النجم الشهير مليما واحدا مقابل شهامته، ولن يراه الجمهور العريض في صورته الطيبة الملائكية التي يلاطف فيها المواهب، ويغني معها، ويقدّم لها يد العون، فلماذا يكلّف نفسه ويبذل مجهودا "ببلاش"؟ والآن تعالوا ننظر للأمر من زاوية أخرى، ونسأل: على أي أساس يشارك هؤلاء المطربون في لجان تحكيم برامج اكتشاف المواهب، إذا كان عدد كبير منهم يعاني التعثر أصلا في حياته الفنية حاليا؟! فما أعرفه أن هناك حدا فاصلا بين صاحب الموهبة والشخص الأكاديمي الدارس لأسس وقواعد الفن، والملمّ بنظرياته وعلومه، وبالتالي تجد أساتذة الموسيقى والغناء والتمثيل لا يعملون كمطربين أو ملحنين أو ممثلين -إلا فيما ندر- وبالمثل لا يقوم الممثلون أو المطربون أو الملحنون بالتدريس -إلا فيما ندر- فما الذي قلب الآية وعكس الوضع الطبيعي؟ وحتى لا يكون كلامي مجرد تنظير، فلتستمعوا معي لتصريحات الكينج محمد منير لجريدة "الوطن" مؤخراً: "أحترم كل زملائي الذين يشاركون في هذه النوعية من البرامج، فلكل منهم رصيد وجمهور عريض؛ لكني أسأل نفسي كيف يكون لاعب كرة القدم هو رئيس اتحاد الكرة؟ وكيف أكون ملاكما وفي نفس الوقت رئيسا لاتحاد المصارعة؟ لذا أندهش من أن يتحوّل الفنان إلى حَكَم وهو ما زال في حلبة الصراع، وما زال له جمهور ينتظر منه العطاء، وما زال له محبّون يتمنّون سماع أغنية جديدة منه، وأقول إن الاتجاه إلى التحكيم في مسابقات اكتشاف المواهب هو قرار بالإحالة إلى المعاش المبكر والفاضي يعمل قاضي، وأمر مدهش ومحزن أن يكون الفنان لامعا وقادرا على الغناء ويتوقّف، ولا أبالغ إذا قلت إنني نفسي أسمع وأرى أنغام في حفلة رائعة، ونفسي أيضا أحضر حفلة لسميرة سعيد، ونفسي كل الناس تغني، وأتمنى أن نتمسك بإقامة الحفلات، فبالغناء تستطيع تغيير سلوك سيئ وتستبدله بآخر جميل ومهذب". ورغم مشاركة الملحن حلمي بكر في لجنة تحكيم برنامج "صوت الحياة" مع الفنانة سميرة سعيد وهاني شاكر، فإنه قال في تصريحات صحفية إن اعتماد مشاركة المطربين في برامج اكتشاف المواهب يجعلها ظاهرة فاشلة؛ لأن رأي المطرب محدود فنيًا، حيث يحكم على الموهبة من خلال صوته وموهبته وهذا خطأ، مشيراً إلى أن أمثال راغب علامة ونجوى كرم لا يصلحان لمثل هذه المهمة؛ لأن لجنة التحكيم لا بد أن تضم ملحنًا أكاديميًا إلى جانب شاعر. وأضاف بكر أن تجربة برنامج The Voice التي يُحكّم بها أربعة مطربين خير مثال، حيث إن شيرين وتصرّفاتها في البرنامج وانتقاد الجميع لها يؤكد أنه ليس مكانها، وأيضاً عاصي الحلاني؛ ولكن كل من كاظم الساهر وصابر الرباعى فهما في الأصل ملحنان، ولا مانع منهما، لذا فليس كل من أطلق العنان لزمارة صوته يصلح للتحكيم؛ لأن في هذا البرنامج يقولون لكل الأصوات إنها جيدة وهذا غير صحيح؛ لأنهم لا يملكون الخبرة لالتقاط نقاط ضعف أو قوة الصوت الذي يغني أمامهم لعدم درايتهم بهذا الأمر، وهو الاتجاه السائد في الغناء حاليًا، وستظل الأصوات الجيدة في دائرة الظل مثل أصوات الأوبرا، مقترحًا أن تقوم الأوبرا بمشاركة "صوت القاهرة" بعمل تلك المسابقة بلجان من بينهم ومن الجمهور المستمع ذي الحس العالي. ثم كيف يحكم مطرب على مطرب مثله؟ والدليل أن جميع المطربين في لقاءاتهم التليفزيونية والصحفية والإذاعية يرفضون تقييم زملائهم المطربين، ويبررون ذلك بأنهم لا يستطيعون الحكم عليهم باعتبارهم منافسين لهم، قبل أن يدخلوا في وصلات من المديح والمحبة لباقي الزملاء، فلماذا يختلف الحال في برامج اكتشاف المواهب؟! إذن فنحن أمام مطربين لهم آراء متناقضة، لا يتورّعون عن تغيير قناعاتهم ومواقفهم مقابل "الكاشات"، وقنوات فضائية تتاجر بمواهب الشباب وتكسب منهم بدلا من أن توفّر لهم الفرصة الحقيقية؛ لتجني من خلفهم ملايين الدولارات من خلال الرسائل القصيرة التي يرسلها الجمهور من رصيده ليشجّع ابن بلده، دون أن توفّر لهم في النهاية فرصا جادة، وكله عند العرب صابون!