من جديد قام العالم الإسلامي ولن يقعد لفترة طويلة، اعتراضا واستنكارا لإنتاج فيلم جديد يسيء للرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من أقباط المهجر، وعلى رأسهم: عصمت زقلمة الداعي إلى تقسيم مصر ورئيس الدولة القبطية المزعومة، والمحامي موريس صادق أحد أشهر المهاجمين لمصر في كل المحافل الدولية، ومعهما القس المتطرف تيري جونز الذي أحرق المصحف أكثر من مرة. وبغض النظر عن تبرأ الكنيسة الأرثوذكسية من منتجي الفيلم المسيء للإسلام ورسوله الكريم، وإصدار الأنبا باخوميوس-القائم مقام البطريرك- لبيان أكّد فيه أن الكنيسة تعلن رفضها الشديد لهذا الفيلم، واحترامها للإسلام والمسلمين شركاء الوطن والإنسانية، ورفضها للمساس بمشاعرهم وعقائدهم ورموزهم الدينية. وبغض النظر عن تأكيد شبكة أخبار مصر أن أحد الإخوة المسيحيين سينتج فيلما بعنوان "عبقرية محمد" عن كتاب يحمل الاسم نفسه للكاتب الراحل عباس العقاد؛ للرد على الفيلم المسيء لسيد المرسلين. تعالوا اليوم نتذكر أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول.. ثم نسأل: ماذا بعد؟ كانت الجريدة التي نَشِرت الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم مجرد جريدة مغمورة لا يتعدى توزيعها مئات النسخ، وكان رسام الكاريكاتير نفسه مجرد رسام نكرة لا أحد يسمع عنه، وما أن رسم صورا مسيئة للرسول؛ حتى قمنا بعمل أكبر دعاية مجانية لهم على مستوى العالم. بشكل أو بآخر لفتت مئات التظاهرات التي شنّها العالم الإسلامي أنظار الشعب الدنماركي نفسه الذي لم يكن متابعا للجريدة، ولا يعرف أن هناك رسومات مسيئة للإسلام، ومعه باقي الشعوب التي تحوي عددا لا بأس به من كارهي الإسلام ورسوله، لتخرج تظاهرات مناوئة تسبّ الرسول والإسلام علنا. وفي غضون أيام تحول الأمر إلى ظاهرة وعكسها في العالم الإسلامي سخونة هائلة وتظاهرات صوتية لا أكثر، وفي العالم غير الإسلامي سخونة مماثلة باعتبار الأمر دفاعا عن الحريات التي يرفض أعداء الإسلام أن نتعدى عليها -نحن المسلمين- أو نحاول مصادرتها؛ لكن مع الأسف كانت تظاهراتهم مقترنة بأفعال؛ تمثّلت في المزيد من الرسوم والكاريكاتير بمختلف الصحف والدول؛ بل ونظموا يوما أطلقوا عليه "تعالوا نرسم محمدا". قبل أن ننسى الأمر ونتناساه كعادتنا بعد أن صدقت فينا مقولة الراحل نزار قباني الشهيرة: "العرب مجرد ظاهرة صوتية".. ومع الوقت تكررت حماقتنا في عمل الدعاية المجانية لأعداء الإسلام الذين يدشنون على موقع فيسبوك صفحات عديدة تحتوي على صور وعبارات تسيء للذات الإلهية وباقي الرسل والأنبياء.. فإذا بالصفحة التي عليها ألف أو ألفين من الملحدين يصبح بها مائة ألف من المسلمين الغيورين على دينهم، ممن يدخلون بغرض الرد والدفاع، وينشرون الصفحة في دائرة معارفهم لنصرة الله ورسوله، فيصبح عدد المشتركين في صفحة الإلحاد والكفر مليون موحد مؤمن، في حين لا تحوي الصفحات الإسلامية على عُشر هذا العدد في كثير من الأحيان. وفي النهاية -كالعادة- ينتهي رد الفعل إلى لا شيء؛ لتثبت من جديد تلك المقولة القبانية صحتها: "العرب مجرد ظاهرة صوتية". وها نحن اليوم نكرر الوقوع في ذات الخطأ؛ ليزيد بعضهم من الشعر بيتا حين يقول: إلى كل المدافعين عن إلهام شاهين وباقي الفنانين.. أين أنتم من نصرة الرسول الحبيب؟! ونسي هؤلاء الذين يطرحون مثل هذا السؤال أن بعض المسلمين ومنهم الشيوخ المتشدّدين كانوا سببا -ضمن أسباب أخرى- للإساءة إلى الإسلام، وتشويه صورته في أعين غير المسلمين؛ حتى إن الشيخ الغزالي -رحمة الله عليه- له مقولة شهيرة قال فيها: "إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون، بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم، وسوء كلامهم". لكن يبقى السؤال: هل نصمت على الإساءة ضد رسول الله حتى لا نساهم باعتراضنا في الدعاية ضده؟ من وجهة نظري.. هناك بدائل أكثر قوة وتأثيرا تكمن في: 1- تحالف عربي إسلامي قوي، يقوده أصحاب رأس المال الضخم من المسلمين المستثمرين ذو التأثير الفعال في أوروبا وأمريكا، بالمشاركة مع الحقوقيين وخبراء القانون الدولي لتشريع قانون يمنع "معاداة الإسلامية"، على غرار "معاداة السامية" الذي نجح اليهود في سنه وتشريعه ليصبح فزاعة في وجه الجميع، وأقوى من حرية الرأي والتعبير التي يستخدمونها فقط ضد الإسلام والمسلمين. 2- ما دام الفن والإعلام الغربي أصبحا أداة فعالة للإساءة إلينا، فلنواجههم بذات الوسيلة، من خلال حجز مساحات إعلانية مدفوعة الأجر من رجال أعمال وأثرياء مسلمين وعرب في كبريات الصحف والقنوات الغربية؛ لنشر وإذاعة مواد إعلامية باللغة الإنجليزية؛ لتصحح الصورة المغلوطة عن الإسلام ونبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم، وتعيد التعريف من منظور إسلامي صحيح. 3- إنتاج فيلم سينمائي عن السيرة النبوية ونشأة الإسلام باللغة الإنجليزية، وعرضه في مختلف المهرجانات العالمية؛ فإن لم يُشارك في المسابقات الرسمية، فعلى الأقل يتم عرضه على هامش المهرجانات. 4- وأخيرا وليس آخرا.. لباقي المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون المال الكافي لإنتاج أفلام، أو حجز مساحات إعلانية لتصحيح مفاهيم الإسلام، ولا التأثير اللازم لسن قوانين وتشريعات ضد معاداة الإسلام؛ فعلى الأقل عليهم أن يقتضوا بأخلاق الرسول حقا وصدقا في القول والفعل؛ ليكون هذا الاقتضاء بمنهاج النبوة وسنتها أفضل دعاية للإسلام، وأقوي من أي رد تجاه أي فيلم مسيء. وأذكركم ونفسي بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما}.