خلال الأشهر الماضية وقبل أن يصل الدكتور مرسي إلى المنصب الرئاسي.. كتبت أكثر من مرة عن وضعية جماعة الإخوان المسلمين، وطالبت بضرورة أن تقنن الجماعة أوضاعها، وأن تتحول إلى جمعية أهلية مشهّرة تمارس النشاط الدعوي والاجتماعي العلني في الحدود المنصوص عليها بالقوانين المصرية المنظمة للعمل الأهلي، فالنظام السابق فرض على الإخوان الحظر، وبسقوطه اختفت الإرادة السياسية الرافضة لتقنين أوضاع الجماعة، وأصبح مرجع الأمر لاستعداد وقبول الأخيرة للعمل في إطار الشرعية القانونية وما يرتبط بها من علنية وشفافية. وطوال الفترة الممتدة من 11 فبراير 2011 إلى يومنا هذا تملصت الجماعة وما زالت من التقنين بحجج غير مقنعة، أبرزها أن قانون الجمعيات الأهلية المعمول به لا يستوعبها (ليس على مقاس الجماعة كما يدفع بعض أعضائها وبعض قيادات حزب الحرية والعدالة)، وأن الإخوان ينتظرون اعتماد قانون جديد للعمل الأهلي لكي يشرعوا في التقنين، ومناط عدم الإقناع هنا هو أن القيود الكثيرة المفروضة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية في القانون المعمول به، وهو بالفعل يحتاج لتغيير جذري كان مجلس الشعب قد قارب على الانتهاء من إنجازه قبل أن يصدر حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن المجلس، لم تمنع عددا كبيرا من الجمعيات الخيرية والدعوية والمؤسسات التنموية والمنظمات الحقوقية من تقنين أوضاعها، والقيام بأنشطتها المتنوعة في إطار الشرعية والشفافية، ولم تمنعها أيضا من السعي لتغيير قانون الجمعيات الأهلية باتجاه ديمقراطي. والحقيقة أن عدم تقنين الجماعة لأوضاعها يعني استمرار حالة الغموض الراهنة بشأن أعضائها، ومصادر تمويلها وأنشطتها وامتداداتها داخل وخارج مصر، وفي هذا إهدار كامل لحق المجتمع في معرفة كاملة الشفافية والعلنية لما تقوم به جماعة مؤثرة ومهمة كالإخوان.. كذلك يعني عدم تقنين أوضاع الجماعة استمرار الخلط الخطير والمنافي للقيم الديمقراطية بأنشطتها وأهدافها بين العمل الدعوي والاجتماعي، وهذا مسموح به في القوانين المصرية للجمعيات والمؤسسات والمنظمات الأهلية، والعمل السياسي المنظم الذي تحظره القوانين على الجمعيات والمؤسسات هذه وتنظمه للأحزاب السياسية فقط. الإخوان يتملصون من تقنين أوضاع الجماعة، ومن إتاحة معلومات عن أعضائهم وتمويلهم وأنشطتهم للرأي العام المصري، وفي هذا تناقض صارخ مع الديمقراطية وفرض مرفوض لسياج من السرية على جماعة مؤثرة في المجتمع.. مِن حقنا كمصريات ومصريين أن نعرف على وجه الدقة عدد أعضاء الجماعة، ومصادر تمويلها وأوجه إنفاقها، وأنشطتها في الداخل وكذلك في الخارج إن وجدت. طالبت -أيضا في مقالات سابقة- رئيس الجمهورية الذي أقسم على الحفاظ على الدستور والقانون بالضغط على جماعته لتقنين أوضاعها.. واليوم أسجّل ومع استمرار تملص الإخوان أن واجب كل ديمقراطية مصرية وديمقراطي مصري هو الضغط الشعبي والسياسي السلمي لدفعهم لتقنين أوضاعهم، دون انتظار لقانون جديد للعمل الأهلي سينجزه على الأرجح مجلس الشعب القادم.. وعلى الإخوان ألا يختزلوا ضغطنا هذا بربطه بتظاهرات 24 أغسطس التي ابتعدنا عنها جميعا لأسباب سردتها بالأمس.. ففي التقنين مطلب ديمقراطي صريح وحق للمجتمع لن نتنازل عنه. نُشِرَ بجريدة الوطن