هناك ممثّلون يصبحون علامات سينمائية ويتابعهم الجماهير في كل العالم بشغف وينتظرون جديدهم دوما، وهناك مخرجون قليلون ينجحون في هذا الأمر لتصير أسماؤهم أكبر بكثير من أسماء النجوم الذين يعملون معهم، حتى لو كان هؤلاء النجوم هم: كريستيان بيل ومورجان فريمان ومايكل كين وجاري أولدمان وتوم هاردي. فقد استطاع المخرج كريستوفر نولان أن يصنع لنفسه بصمة مميزة، وتنتظره الجماهير منذ عرض فيلم Memento عام 2000 مرورا بفيلم Insomnia، ثم بداية ثلاثية بات مان في شكلها الجديد Batman Begins وThe Dark Knight وانتهاءً بالفيلم الأخير The Dark Knight Rises، ولا ننسى على الإطلاق تحفتيه Inception وThe Prestige. وقد استطاع نولان كسر تيمة البطل الخارق، وقام بتحويله إلى بشري عادي؛ فنحن نرى خلال ثلاثية بات مان التي أنهاها نولان بهذا الجزء الأخير بات مان الذي يضربه أعداؤه وينتصرون عليه، ويحاول هو بقدر الإمكان التغلب عليهم؛ وهو ما يجعله يعاني كثيرا في سبيل تحقيق هدفه وهو انتصار الخير. لذا إن كنت ممن يتابعون أفلام السوبر هيروز وتنتظر تلك اللحظة التي ينقض فيها البطل على أعدائه فيمزقهم إربا بطرف إصبعه، فهذا الفيلم بالتأكيد لن يعجبك؛ لأن الفيلم يعتمد في مقامه الرئيسي على أن البطل الخارق هذا مجرد شخص عادي للغاية. القصة يبدأ الفيلم بعد 8 أعوام من نهاية الجزء الثاني The Dark Knight، وقد اختفى بات مان بعدما تحمّل جرائم المدعي العام هارفي دنت أو "ذو الوجهين" وتمّ اتهام بات مان بقتل هارفي حتى لا تفقد جوثام سيتي بطلها النبيل، ويتم تمرير قانون هارفي في عقاب أصحاب الجريمة المنظمة، وعدم خروجهم من السجن بالعفو المشروط، فظلت الجريمة نائمة بين أركان السجن. وتحوّل بروس واين من رجل الأعمال الثري والعابث نهارا ورجل تحقيق العدالة ليلا، إلى مجرد شبح لا يراه أحد إلا نادرا، كما أن قدمه أصيبت بشدّة بسبب ابتعاده عن التدريبات، فصار يستعمل عكازا في السير ولم يره أحد منذ سنوات طويلة، حتى ظنّ البعض أنه مات أو تشوه. يلفت انتباه بروس واين ويعيده للحياة مرة أخرى اهتمام بعض رجال الأعمال المنافسين بالحصول على بصمته؛ بالاستعانة بلصّة محترفة "المرأة القطة"، والسيطرة على أنفاق المدينة من قِبل رجل مشوه يرتدي قناعا يحمي وجهه يُدعى "باين" (الألم) -وهو أحد أفراد عصابة الظلال التي كان بروس واين ينتمي إليها سابقا، والتي كان يرأسها عدو بات مان الأول "راس الغول" الذي قام بتدريب بروس واين في بداية السلسلة، خاصة بعد الإصابة البالغة التي يتعرّض لها مفوض الشرطة جوردان، الذي كان يُساعد بات مان من قبل وشريكه في التستر على جرائم هارفي دنت. يفيق بروس واين من سُباته ويستعمل آلاته الحديثة في السيطرة على آلام قدمه، ويظهر بات مان من جديد بعد أن يقوم باين بالهجوم على سوق الأسهم، ويقوم بعمل عملية شراء غامضة تقضي على مستقبل جوثام سيتي الاقتصادي، وتطارد الشرطة بات مان من جديد بعد ظهوره. كان للموسيقى التصويرية في الفيلم دور البطولة، خصوصا التي قام بتلحينها الموسيقي الكبير هانز زايمر، والذي قام من قبل بعمل الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام الشهيرة؛ مثل: Pirates of the Caribbean وMadagascar 3 وKung Fu Panda وThe Lion King... وغيرها من الأفلام الشهيرة. اعتمد الفيلم في تقنيته التصويرية الحديثة على عنصر الإبهار بشدّة؛ خصوصا في مشهد انفجار أرض الاستاد الشهيرة، وهي تقع قطعة وراء الأخرى، في حين أن أحد اللاعبين يجري بقوة ودون أن ينتبه، ليلتفت في النهاية بعد أن يحقق هدفا ليجد أن أرضية الملعب بالكامل قد انهارت خلفه، وقد اعتمد نولان على إبهار المشاهدين. فلسفة الفيلم لعل أهم ما جاء في فلسفة الجزء الجديد من الفيلم هو فلسفة الألم في السيطرة على الآخرين؛ فإن كان نولان قد اعتمد على فلسفة الخوف في أول أجزاء السلسلة Batman Begins، واختار شخصيتين من أعداء بات مان وهما "الفزاعة" و"راس الغول" أكثر شخصيات مخيفة من أعداء بات مان، واعتمد في الجزء الثاني من السلسلة على فلسفة الفوضى واختار لها "الجوكر" و"ذو الوجهين"؛ فقد اختار نولان للفيلم الذي يناقش فلسفة الألم عدو بات مان، والذي يدعى "باين"، وهي الكلمة التي يمكن ترجمتها لما يسمّى ب"الألم". إن باين هدفه بسيط للغاية هو السيطرة على المفاعل النووي الذي بناه بروس واين بهدف خلق طاقة دائمة ونظيفة، وتحويله إلى قنبلة نووية موقوتة ليُثير الرعب والذعر في أرجاء العالم، ويسيطر على جوثام سيتي، وفي الوقت نفسه يستطيع هزيمة بات مان وإرساله إلى منفى بعيد وسجن لم يستطع مخلوق الهروب منه من قبل. وبات مان هنا يتحمّل نتيجة ما صنعته يداه وتحمله لأخطاء غيره كي يبدو العالم مكان أفضل، فيستغل أعداؤه هذا الأمر ليحولوا جوثام سيتي إلى مدينة مليئة بالآلام. الأخطاء وعلى الرغم من دقة السيناريو الذي كتبه كريستوفر نولان بنفسه وأعاد صياغته؛ فإن الفيلم حمل عدّة أخطاء في السيناريو، منها: كيف علم مفوض الشرطة جوردون باسم باين حينما تم أسره في الأنفاق في بداية الفيلم رغم أن اسم باين لم يذكر أمامه وقت أسره ولا مرة. خطأ آخر وقع فيه الفيلم، هو قدرة بات مان على الشفاء من أمراض وإصابات تحتاج إلى عدة أعوام للشفاء منها، وتحتاج إلى الكثير من الإرادة مثل تحرك فقرات الظهر من مكانها أو تآكل غضاريف الركبة، وهي إصابات تجعل أصحابها من ذوي العاهات وليسوا أبطالا خارقين، ولكنهم يعيدون الأمر في الفيلم إلى قوة إرادة البطل في الشفاء من أمراضه وتخطي مرحلة العلاج الطبيعي بسرعة شديدة. الخطأ الثالث هو قدرة بات مان أكثر من مرة في القضاء على "باين" بضغطة زر بسيطة حينما كان يقود آلاته الخارقة، بينما كان باين عاري الصدر أمامه، لكنه لو فعل هذا في أول ثلث ساعة في الفيلم لانتهى الفيلم فورا، خصوصا أن باين هو الشرير الذي قتل المئات دون أن يطرف له رمش، ولكن يمكن إرجاع الأمر إلى فلسفة بات مان في أنه لا يقتل أحدا، ويستخدم يديه العاريتين في القبض على المجرمين وتسليمهم للعدالة، لكن هذه الأخطاء تعتبر من الأخطاء التي يمكن للمشاهد تخطيها كي يستمتع بالفيلم. وعلى الرغم من أن نولان قد أعلن أن هذا الفيلم هو المتمم للثلاثية، وأنه لا توجد أجزاء جديدة من السلسلة ولن يقوم بعمل أي أفلام أخرى لبات مان من جديد، وهو الأمر نفسه الذي صرّح به بطل الفيلم كريستيان بيل؛ فإن السيناريو ترك لنا عدّة خيوط مفتوحة يمكن استخدامها لو أرادوا فيما بعد، منها ظهور شخصية روبن تلميذ بات مان النجيب في نهاية الفيلم وبعد انتهاء الأحداث، وهو ما يترك نهاية السلسلة مفتوحة بعض الشيء. تقييمي للفيلم هو 9 من 10 فعلى الرغم من الأخطاء التي ذكرتها؛ فإنها أخطاء يمكن التغاضي عنها خصوصا مع المتعة الكبيرة التي تستمتعها وأنت تشاهد الفيلم، وهو فيلم يستحقّ المشاهدة بالتأكيد. جمع الفيلم حتى الآن ما يقرب من 450 مليون دولار، وما زال يحتل المركز السادس وسط أعلى 10 أفلام من حيث الإيرادات في أمريكا الشمالية، ويتوقع البعض أن يكسر الفيلم حاجز ال700 مليون دولار مع توقيت رفعه من شاشات العرض السينمائي. وقد تمّ تصوير الفيلم بتقنية I-MAX وهي تقنية تصوير حديثة ومختلفة، وبدأ عرض الفيلم في الخارج منذ 6 أسابيع، بينما بدأ عرضه في مصر مع بداية موسم عيد الفطر السينمائي.