هل تؤمن بالأحلام بالقدر الذي يمكن معه أن يؤثر حلم ما على قرارك، أو يجعلك تُعيِد النظر فيها؟ هل سبق لك أن رأيت في منامك حلما ثم تحققت أحداثه بنفس التفاصيل؟ وماذا تفعل حين تشاهد رؤية تخبرك بخبر غير سار سيحدث لك أو لشخص عزيز عليك في المستقبل؟ إذا وجدت نفسك مشغولا بإجابة الأسئلة السابقة أو شعرت أنها أثارت اهتمامك وانتباهك؛ ف"حلم عزيز" سيكون واحدا من أفلامك المفضلة في السينما المصرية بلا أدنى شك. منذ سنوات لم أشاهد فيلما مصريا يحمل هذا القدر من الفلسفة والرسائل الراقية التي يوجهها لذهن المشاهد على مدار الأحداث منذ بدايتها وحتى نهايتها؛ بعد أن تاجر صناع السينما في مصر بعقولنا، وصدروا لها الإسفاف والجهل والسطحية والابتذال؛ لإفساد عقولنا وشغلها بالهلس والإباحية مع سبق الإصرار والترصد. حتى إنني شعرت في دار العرض أنني أشاهد فيلما أجنبيا، استوحى صناعه أحداثه من أعمال الكاتب البرازيلي العالمي باولو كويلهو الذي تتميز رواياته بمعنى روحي يستطيع العامة تطبيقه، مستعملا شخصيات ذوات مواهب خاصة؛ لكنها متواجدة عند الجميع، لأحسد الكاتب الموهوب نادر صلاح الدين على هذه الفكرة العبقرية حول رجل أعمال فاسد شاهد رؤية مرعبة ظلّت تطارده بشكل متكرر، شعر معه أنه في حاجة للتطهر من أخطاء ماضيه وتصحيح أوضاعه؛ لأنه من المحتمل أن يلقى ربه خلال 30 يوما؛ بناء على تفسير ذلك الحلم الذي أخبره رجال الدين أنه رؤية من الرحمن وليس حلما من الشيطان؛ لكنه يكتشف أن أخطاء ماضيه وظلمه للناس الذين أصبحوا ضحايا لفساده أكبر من الوصول لهم والتصالح معهم خلال هذه المدة القصيرة، خاصة أن بعضهم قد اختفى وبات من العسير الوصول إليه، في حين بلغ ظلمه للبعض درجة يستحيل معها أن يسامحوه عليها مهما بلغ به التوسل والرغبة في التصالح بأي ثمن.. فماذا يفعل من يريد التوبة في هذا الموقف الصعب؟ هنا تكمن روعة الفكرة "المجرمة" للفيلم الذي ستخطفك أحداثه إلى رحلة في ضميرك وماضيك الشخصي؛ لتتعظ من مأساة البطل، وتقف أمام مرآة نفسك داخل دار العرض، وأنت تتأمل أفعالك وأقوالك طوال حياتك الماضية، قبل أن تسأل نفسك: هل الوقت المتبقي من عمري كافٍ لإصلاح ما يمكن إصلاحه؟ لكن المذهل في الأمر أنك ستندمج وتفكر وتتأثر؛ رغم إصرار الفيلم على الإيقاع الكوميدي الذي يمتزج بقدر محسوب مع جرعة إنسانية تخاطب ضمير كل مشاهد؛ لتتعظ وتتأمل وأنت تضحك من كل قلبك، وهنا يبرز "الإجرام" الفني لكامل فريق العمل. في التمثيل حدِّث ولا حرج عن أحمد عز الذي غيّر من جلده تماما في هذا العمل، وأثبت أنه اكتسب نضجا فنيا غير عادي سواء في طريقة الأداء أو في ذكائه في اختيار الموضوعات الجديدة؛ رغم أن كل ما هو جديد يُعدّ مغامرة فنية، لكن يبدو أنه أصرّ على الرهان والتحدي ليثبت للجميع أنه ممثلا "جامد" يتحمل المسئولية في كل أنواع الأدوار، وليس مجرد "جان" أو "واد حليوة". وبالمثل تألق محمد عادل إمام الذي أثبت أنه موهوبا وكوميديا، بعيدا عن كونه ابن عادل إمام، ومعه فاكهة العمل سليمان عيد الذي يملك القدرة على إضحاكك دون حتى أن يتكلم، وصلاح عبد الله، ومحمد الصاوي، والوجهين الجديدين الفتاة التي جسدت دور شقيقة أحمد عز، والأخرى التي جسدت دور زوجته، بينما لم يضف الفيلم أي جديد لعمرو مهدي أو مي كساب سواء في طبيعة الشخصية المكررة، أو طريقة الأداء المعروفة عنهما. أما عن نقاط الضعف التي شعرت بها -من وجهة نظري- فتمثلت في بطء إيقاع النصف الأول من الفيلم، وتكرار الأحلام بشكل يدعو أحيانا إلى الملل رغم وجود جرعة لا بأس بها من الكوميديا؛ إلا أن هذا لا يمنع المشاهد من أن يتساءل: وماذا بعد؟ في حين جاء النصف الثاني من الفيلم أسرع إيقاعا وأعمق في المعنى والتأثير بشكل ينسيك بطء إيقاع النصف الأول منه، بينما تمثلت نقطة الضعف الثانية في الجرافيك أو "مشاهد الكروما" التي تمّ تصويرها للتعبير عن الأحلام التي يشاهدها عزيز، وكان من الأجدر بالجهة الإنتاجية أن تصور هذه المشاهد في أي دولة أجنبية بها مشاهد خلابة تُعبّر عن الجو العام المطلوب من المشهد المعبّر عن الحلم؛ حيث كان سيعطى انطباعا أكثر واقعية وتعبيرا عن الحلم، وفي الوقت نفسه أكثر راحة وجمالا للعين، وأكاد أجزم أن المخرج اللامع عمرو عرفة أضطر إلى ذلك لتوفير النفقات المادية. كلمات أخيرة • ليس هناك أفضل من أحمد عز في "المصلحة" سوى أحمد عز في "حلم عزيز". • كدت أن أصدم في مشاهد النساء العاريات بالفيلم؛ خاصة أن المخرج عمرو عرفة مشهور في الوسط الفني كله بلقب "الحاج"، إلا أن الفيلم "باكج" لا يجوز اقتطاع جزء منه أو مشهد بعينه، ومشاهدته كاملا في ظل الرسالة التي يقدمها، والمعنى الذي يرسخ له، يحسب له ولجميع فريق العمل بالأجر والثواب. • نحن في حاجة لمزيد من هذه النوعية من الأفلام، والتجديد في الموضوعات، والجرأة في التنفيذ.