الأمور كلها في حياتنا أصبحت تحتاج إلى وقفة.... وقفة نعيد فيها التفكير في كل ما يدور حولنا.... وكل ما يدور فينا... في حياتنا.... وأحوالنا..... وحتى في عقولنا.... وهذا ليس بالأمر السهل.....
ليس لأن الوقفة تحتاج إلى عبقرية، أو ألمعية، أو حتى عقلانية.... بل، لأنها تحتاج إلى حيادية.... إلى أن نقفها دون تعصب أو تشنج أو انفعال أو غضب.... فقط بعقل.... ومنطق.... ووعي....
لو فعلنا، سنكتشف أن كثيراً مما يدور من حولنا زائف.... آلاف الأمور، رددناها، وسمعناها، وصدقناها، وتعصبنا لها، دون أي سند، من أي شيء.... مئات الأمور نتناولها بانفعال.... وغضب.... وحدّة.... وعدوانية....
أصبح ما نسمعه هو الصواب، كل الصواب.... ومن يخالفه هو الخطأ.... كل الخطأ.... ولم نطرح على أنفسنا أبداً سؤالاً بسيطاً.....
ماذا لو أنه ليس كذلك؟!... ماذا لو أن ما نصدّقه ليس هو الصواب؟!.... وماذا لو أن ما يصدّقه الآخرون، ليس هو الخطأ؟!.... ماذا لو لم يكن صوابنا مائة في المائة؟!... وماذا لو لم يكن خطؤهم مائة في المائة؟!.... ماذا؟!...
لو أننا على صواب لا يحتمل فكرة الخطأ، فنحن آلهة..... ولو أنهم على خطأ لا يحتمل فكرة الصواب، فهم شياطين.... ولا نحن آلهة.... ولا هم شياطين... كلانا بشر.... ربما كنا بشرا غاضبين.... مقهورين.... معذبين.... طامحين إلى الثورة والانتقام..... وربما كنا نبحث عمن نفرغ فيه غضبنا....
عن فكرة.... أو رأي.... أو اتجاه.... أو شخص.... أو أشخاص... ربما....
ولكننا كلنا في النهاية.... مجرَّد بشر.... بشر خطاءون... وأفضلنا التوَّابون.... لو آمنا بهذه الحقيقة المجرَّدة، لاختلفت في حياتنا أمور كثيرة.... لو....
ولكن هناك من يغذينا دوماً بالعكس..... هناك من يلهبنا.... ويثيرنا.... ويشعل غضبنا.... وثورتنا....
هناك من يسعى لإقناعنا بأن الصواب كل الصواب، يكمن في الغضب، والغيرة، والكراهية، والمقت..... هناك من يريدنا ألا نؤمن بأن كلاً حرّ في أن يعتنق ما يشاء، وأن الخالق سبحانه وتعالى وحده يحاسبه... هناك من يرى الأمور بمنظار شديد السواد.... ويريدنا أن نراها مثله....
هناك من يمتلئ قلبه بالكراهية والمقت، ويريد سكبها في قلوبنا نحن، حتى نتساوى في البغضاء... هناك من لا يرى في الله عزَّ وجلَّ محبة... ورحمة.... ورفقاً..... وغفراناً.....
هناك من لا يرى منه جلَّ جلاله، سوى الانتقام والشدة، والغضب والبأس... ويريدنا أن نراه كما يراه.... وأن نلغي عقولنا.... وسمعنا.... وأبصارنا.....
بل أن نلقي ستاراً على أفئدتنا.... ونتبعه..... كالعميان... فقط كالعميان.... لا يريد أن نفكَّر... أو نعقل.... أو نتدبر....
يرفض، وبشراسة، أن نكون من أولي الألباب..... أو قوم يتفكرون.... أو يعقلون....
يرفض أن نكون ممن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى من عباده، ليوجّه إليهم أسمى آياته.... لأننا لو فكرنا، قد لا نتّبعه.... ولو تدبرَّنا، قد ننصرف عنه.... قد لا نتبع غضبه... ومقته... وثورته.... وحقده.... ورغبته في السيطرة على عقولنا.... ومقاديرنا.... ومصائرنا....
لكل هذا، لابد لنا من وقفة... وقفة، نقفها، ونحن قادرون على هذا، قبل أن يأتي يوم نتمنى فيه أن نقفها؛ فلا نجد أواناً لهذا.... وقفة من أجل نفوسنا.... من أجل حياتنا.... من أجل ديننا.... من أجل فكرنا.... من أجل مستقبلنا.... وقفة.... من أجل الأمل... من أجلنا.