أ ش أ تميّز البابا شنودة الثالث -بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذي تُوفّي مساء أمس (السبت) عن عمر يناهز 89 عاما- بحياة حافلة بالعطاء، وقد وُلد البابا، في 3 أغسطس من عام 1923 باسم "نظير جيد روفائيل"، وذلك في قرية سلام بمنفلوط، وهو البابا رقم 117 للكنيسة الأرثوذكسية.
انتقل إلى مدينة دمنهور، ودرس في مدرسة الأقباط الابتدائية، ثم درس بمدرسة الأمريكان ببنها، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة، وسكن حي شبرا؛ حيث درس بمدرسة الإيمان، ونال إعجاب معلميه لتفوقه ودماثة خلقه .
بعد حصوله على الشهادة الثانوية، التحق بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947.
كما التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1948 وكان الأول على دفعته، وكان قبل تخرّجه في كلية الآداب قد التحق بالكلية الإكليركية، وتخرج فيها عام 1949 بتقدير (ممتاز) وكان الأول على دفعته.
والبابا شنودة هو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد يوحنا التاسع عشر (1928 - 1942) ومكاريوس الثالث (1942 - 1944) ويوساب الثاني (1946 - 1956) كما أنه يعد أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا.
وللبابا شنودة الثالث تاريخ حافل بالصعود للمناصب الدينية بالكنيسة، ففور تخرجه خدم بمدارس الأحد في أماكن كثيرة، خاصة بكنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا، وكنيسة القديسة مريم بمسرة، وجمعية النهضة الروحية في حي شبرا، واختير مديرا لتحرير مجلة "مدارس الأحد".
رسم أسقفا لدير السريان عام 1954، وكان عمره وقت رهبنته 31 عاما، ثم رسم قسا عام 1958، ورسم أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك في عام 1962.
انتخب البابا شنودة الثالث للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم 117 في تاريخ البطاركة.
وفي عهده تمّت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، أكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرةوالإسكندرية وكنائس المهجر، وأولى اهتماما خاصا لخدمة المرأة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. والبابا شنودة الثالث هو أول بابا يقيم حفلات إفطار رمضانية لكبار المسئولين بالدولة منذ عام 1986 بالمقر البابوي وتبعته في ذلك معظم الأبرشيات.
وهو أول بابا يحضر حفلات إفطار رمضانية تقيمها وزارة الأوقاف، ويشارك بنفسه في جميع المؤتمرات والأحداث المهمة بالدولة.
كان أول صدام له مع السلطة في سبعينيات القرن الماضي، مع رفضه لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكد البابا ذلك بأن قرر عدم الذهاب مع الرئيس الراحل أنور السادات في زيارته إلى إسرائيل عام 1977.
وعندما قام الرئيس السادات بزيارة إلى أمريكا فيما بعد نظّم الأقباط هناك مظاهرة مناهضة له رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد، وظن السادات أن البابا يتحداه، فكان أن أصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي، الأمر الذي رفضه البابا، ثم قرر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارا بدوره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة، وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة.
بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت كل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت "احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر"، وكانت هذه المرة الوحيدة التي أقرّ فيها البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقا.
وعندما أصدر الرئيس السادات في سبتمبر عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة، لم يكن مصير البابا الاعتقال، وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون.