على الرغم من ابتعاد أفغانستان عن إسرائيل آلاف الأميال، فإن الوضع المتدهور فيها ينال قسطا وفيرا من التحليلات والاهتمامات الإسرائيلية وبشكل مستمر ومُلح، ليس لوجود برنامج نووي باكستاني على مقربة عشرات الكيلومترات فقط من الحدود الأفغانية، وإنما لتراجع الأمريكان عسكريا في المنطقة بوجه عام. سقوط القتلى والجرحى من الجيش الأمريكي والقوات الأجنبية في أفغانستان يوما تلو الآخر، بات مشهدا متكررا على شاشات الفضائيات، وعودة النعوش الطائرة من أفغانستان أضحى ملفا يقلق الإسرائيليين قبل الشعب الأمريكي نفسه، ما يجعل إسرائيل في حالة من القلق والتوتر وينتابها شعور غريب بأن القوات الأمريكية أصبحت في مستنقع كبير كما وقعت فيه من قبل في فيتنام، والعراق من بعدها، وهو حصيلة نتائج تقارير ودراسات إسرائيلية صادرة عن كبرى المراكز البحثية، خاصة من مركز دراسات الأمن القومي، الذي أصدر الشهر الماضي تقريره السنوي للتقييم الإسرائيلي للعام الجاري، جاء فيه أن ثمة تورطا أمريكيا في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان المستنقع الأفغاني هو الأبرز في الوقت الراهن، حيث ذكرت دراسة منفصلة بعنوان "التورط الدولي في الشرق الأوسط" للكاتبين روني بيرت وليمور سمحوني، أن القوات الأمريكية باتت في وضع عسكري تُحسد عليه، نتيجة لعودة قوات القاعدة وحركة طالبان بقوة وتقديم البعض لهم من الدعم والمساعدات ما مكّنهم من القيام بعمليات مقاومة كبيرة خلال الأشهر الماضية. الغريب أن الدراسة الإسرائيلية حذّرت من وقوع القوات الأمريكية في مستنقع أو فخ آخر كما جرى لها في فيتنام والعراق، حتى أنها تشير إلى أن الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لا يريد أن تكون أفغانستان بمثابة فيتنام 2، لذلك فهو يحاول البحث عن حلول ناجعة وفورية للخروج من المأزق الأفغاني. تزامن صدور هذه الدراسة مع تحليل مفصل ل"رون بن يشاي" للمعلق العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الذي قال في حوار خاص للقناة السابعة الإسرائيلية السبت الماضي على موقعها الإلكتروني -وأرفقت لقطات مصورة ومطولة من التقرير على الموقع- إن أوباما يحاول الخروج من أفغانستان بصورة مشرّفة بعد توغل وانتشار حركة طالبان وتنظيم القاعدة في باكستانوأفغانستان، واحتلالهما لأجزاء كبيرة من الشمال الباكستاني والمناطق القريبة منها في الأراضي الأفغانية، حيث أشار تعليقا على قرار إرسال أوباما 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان وزيادة القوات الأمريكية والأوروبية فيها بأنه قرار لم يأتِ لتدعيم أركان الرئيس الأفغاني حامد قرضاي وتثبيت حكمه، وإنما في محاولة للبحث عن مخرج جيد ومشرف من المستنقع الأفغاني بعد ما تكبد الأمريكيون خسائر جسدية ومادية كبيرة وضخمة مؤخرا، ولم يبحث عن محاربة الإرهاب كما تدعى الإدارة الأمريكية الحالية، ولكن الخروج المشرف من أفغانستان فحسب هو الهدف الأسمى في الأسابيع الماضية والقادمة أيضا، وذلك بعد تخوف واشنطن من إعادة انتشار تنظيم القاعدة في أفغانستان بمساعدة حركة طالبان، وإن كان قرار إنهاء الحرب والعودة المشرفة قد اتخذ بالفعل قبل أربعة أشهر. أكد بن يشاي أن الأمريكيين يدركون جيدا أن ثمة مستنقعا أفغانيا للقوات الأمريكية والأجنبية في الأراضي الأفغانية، وأن العالم من ورائهم يدركون أن ثمة موطنا للإرهاب في أفغانستان يجب القضاء عليه، لكن أوباما يحاول التأكيد بأن القضاء على الإرهاب لن يكون على حساب الجنود الأمريكيين، والرئيس الأمريكي بدوره والذي رفع شعار التغيير، لا يريد أن تكون أفغانستان هي فيتنام 2، كما أن ثمة جبهات أخرى للإرهاب نبتت وستكون بؤرا أخرى للإرهاب في العالم وتحتاج إلى الاهتمام من الجانب الأمريكي، مثل الجهاد العالمي أو الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط، زاعما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن والمملكة السعودية مستعدان لمحاربة الإرهاب العالمي بجانب القوات الأمريكية في المنطقة -على حد قول بن يشاي. وأوضح الكاتب الإسرائيلي أن ثمة تعاونا أمريكيا إيرانيا تجاه الوضع في أفغانستان نتيجة لارتباط إيران بحدود طويلة مع أفغانستان وبعلاقات من صنوف مختلفة ومتباينة مع القبائل والعشائر الأفغانية، وأن هذا الملف ربما يجبر الإدارة الأمريكية على التعاطي مع طهران دبلوماسيا نتيجة الوضع المتأزم في أفغانستان، وحتى لا يسقط البرنامج النووي الباكستاني في أيدي تنظيم القاعدة. فهل تجبر إيرانالولاياتالمتحدة على التعاطي مع ملفه النووي دبلوماسيا؟