أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء في الأسواق (موقع رسمي)    محافظ قنا يستقبل 54 مواطنا بمكتبه لبحث شكواهم    تراجع أسعار الذهب بانتظار قرار الفيدرالي وبيانات التضخم الأميركية    وزير النقل: خطة شاملة لتطوير ورش السكة الحديد بالتعاون مع الشركات العالمية    نائب وزير السياحة والآثار يكشف أهمية الترويج لبرنامج العمرة بلس وأهدافه    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي لوقف دائم لإطلاق النار في غزة    سول: جنود كوريون شماليون عبروا الحدود لفترة وجيزة مطلع الأسبوع    مواعيد مباريات اليوم: المغرب ضد الكونغو بتصفيات كأس العالم.. البرتغال ضد أيرلندا وديًا    حقيقة توقيع محمد عواد للأهلي    قضايا الدولة تحصل على حكم نهائي بمبلغ نصف مليون دولار    لا تضع مستقبلك في لحظات.. عقوبة الغش بامتحانات الثانوية    نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق : الدعاء يرفع البلاء وسلاح للنصر    «المالية»: صرفنا 5 مليارات جنيه من «دعم المصدرين» ل360 شركة بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    الريال بكام.. تابع أسعار العملات اليوم الثلاثاء 11-6-2024    طلبة: تعادل بوركينا فاسو مع سيراليون في صالح منتخب مصر    موعد مباراة فلسطين وأستراليا في تصفيات آسيا والقنوات الناقلة    رسميا.. غياب دي يونج عن منتخب هولندا في يورو 2024    تشكيل لجنة مشتركة بين مصلحة الضرائب ووزارة المالية لوضع قانون ضريبي جديد    الخارجية الروسية: مشاكل إيرانية وراء تعليق اتفاق التعاون الشامل    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    50 صورة لنجوم الفن في العرض الخاص لفيلم "أهل الكهف" عن رائعة توفيق الحكيم    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    روسيا: تحطم مقاتلة من طراز سو-34 ومصرع طاقمها بالقوقاز    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    للحجاج، نصائح مهمة تحمي من التعب والإجهاد أثناء أداء المناسك    موعد مباراة منتخب مصر القادمة في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    عصام السيد: تغيير الهوية سبب ثورة المصريين في 30 يونيو    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    عالم أزهري: دعاء «أهل الكهف» مفتاح الفرج والتوفيق من الله.. ويحقق المعجزات    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    أحدهم مجهول الهوية.. مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 آخرين في حادث سيارتين بأسيوط    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    ضياء السيد: تصريحات حسام حسن أثارت حالة من الجدل.. وأمامه وقتًا طويلًا للاستعداد للمرحلة المقبلة    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    آبل تطلق نظارات الكمبيوتر فيجن برو في السوق الألمانية    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي لوقف دائم لإطلاق النار في غزة    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    حازم خميس يكشف كواليس التحقيق مع رمضان صبحي في منظمة مكافحة المنشطات    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة بو عزيزي الأخيرة للحكّام وللشعوب الأسيرة
نشر في بص وطل يوم 15 - 12 - 2011

مضى عام على قيامي بإحراق نفسي؛ احتجاجا على الظلم والفساد والقمع الذي تتنفّسه كل بلادنا العربية، وكنت أعرف جيدا أننا في الهمّ جميعا، وأننا نتجرّع أبشع ألوان القهر.. وهل يوجد قهر أقسى وأشدّ فُجرا من سرقة الأعمار، واغتيال الأحلام المشروعة لكل الأجيال.

فالشاب يحلم بحقوقه المشروعة ليفوز بعمل يُشعره بسعادة الإنجاز وبالرضا عن الذات بالتفوق والتميز، وليطلق العنان لطاقات الإبداع بداخله لتنطلق، ويحقق النجاحات تلو النجاحات، فيشعر بالتحقق كإنسان، ولا يضطرّ لإلقاء نفسه على المقاهي، أو لدفن روحه أمام الفضائيات، أو امتهان نفسه بحياة لا يحبّها ولا يرضى عنها؛ فالعمل ليس وسيلة لكسب العيش فقط؛ فنحن لا نعمل لنأكل ونسكن فقط؛ لأننا أرقى من ذلك.

العمل يحتضن الحيوية بداخلنا ويدفعنا لاحترام النفس؛ لأننا نقدّم للحياة ما يضيف إليها، ونأخذ بأيدي أوطاننا لتحتل المكان والمكانة التي تستحقها، ونقوم بردم كل المعوقات أمامنا وأمام أوطاننا؛ لنعيش بحق وليُنير الشباب بداخلنا كل الحياة.

ومن حقّ الآباء والأمهات أن ينعموا بثمار أعمارهم التي قدّموا أجزاء غالية منها؛ لينشأ الأبناء أفضل منهم في كل جوانب الحياة.

وتتعارض أحلامهم النظيفة ورغبات أبنائهم المشروعة مع مصالح حفنة من الحكام العرب الذين يحملون الجنسيات العربية، ويتكلمون بالعربية، وتبدو وجوههم مثل وجوهنا؛ ولكن قلوبهم سوداء وعقولهم عمياء ودماءهم تسري بها الخيانات التي توارثوها ممن سبقوهم، وتناقلوها مع بعضهم، وباعوا الأوطان للأعداء في الداخل من اللصوص ولأعداء الخارج؛ فتحوّلنا جميعا إلى شعوب أسيرة وراء القضبان التي تزداد ضيقا يوما بعد يوم، وكلما صبرنا أو ادّعينا الصبر -هربا من المواجهة- ضاعفوا من إحكام القضبان، وبالغوا في الاستهانة بنا؛ لأننا خدعنا أنفسنا، وصدق الخبير العسكري القائل: "كل شبر تتركه لعدوك ينتزع مقابله أميالا"، وهو ما فعله حكام عبر سنوات طالت بأكثر مما ينبغي، وعارٌ علينا ألا نفهم الدرس.

قاوم بن علي طويلا حتى أعلن: "الآن فهمتكم"..

وهو الذي عندما أخبروه بأنني أحرقت نفسي سخر مني، ثم اضطرّ أن يزورني وهو مجبر ومرغم، ولسان حاله يسبّني ويلعنني؛ لأنني أنزلته من عليائه التي اصطنعها وتوهمها.

وقال مبارك: "مصر ليست تونس"، وسخر القذافي من التوانسة قائلا: "تراجعوا فورا، كيف تتهمون بن علي بسرقتكم"، وأضاف: "ماذا لديكم ليسرقكم، هل سيسرق زيت الزيتون؟" ودعانا للتعقّل.

وسار مبارك على دربهما وقام بالمنّ على شعبه؛ لأنه خدمه سنوات طوال.

وانضم عبد الله بن صالح للركب، وتعرض للحرق، ورضي لنفسه أن يستمر في أداء دوره للنهاية؛ ليظهر بضع دقائق من آن لآخر على الفضائيات؛ ليواصل سرقة شعبه، وتسليمه لأعداء الداخل والخارج، وليقوم بدوره اللعين في إجهاض ثورة اليمن النظيفة والسلمية؛ برغم توافر السلاح بغزارة لدى اليمنيين، وليؤكد أن الحكام الفاسدين لا يتعظون حتى لو تعرضوا للحرق، وأنهم يُطبّقون المثل الإنجليزي: "كرسي الشيطان بجوار كرسي السلطان".

ولتكون السلطة لعنة عليهم في الحياة قبل أن تكون كذلك في الآخرة بمشيئة الرحمن.

كما أن الشعوب التي ترتضي بالعيش أسيرة لحكامها تلحق بها اللعنة في الدار الأولى والثانية؛ ففي الأولى تعيش بأقل ما يمكن، وتحيا حياة منقوصة؛ فكل ما يشغلها أن يمر اليوم بسلام، وأن يأكل الصغار ويجدون الدواء والمأوى، ولا يتم انتهاك آدميتهم باعتقالات أو انتهاكات بوليسية.

ويتناسون أن عدم تحقيق الفرص المشروعة في العمل هو انتهاك للآدمية، وأن سيادة الفساد والمحسوبية والوساطات وتولية الأسوأ معظم القيادات هو اعتقال للأرواح وللنفوس وللقلوب وللعقول، وتحويلها إلى أشياء تأكل وتشرب وتتناسل وتدّعي الفرح، وتزعم الحزن وتعيش حياة باهتة بلا طعم ولا مذاق حقيقي.

فأي مخلوق لا يستمتع بالحياة في الحبس؛ فما بالنا بالأسْر مع الضغط المتواصل من الحرمان من لقمة العيش ورفع الرأس.

كنت مثل ملايين الشباب؛ شابا أحلم بالتخرج لأفوز بعمل جيد أسعد بنجاحي به، وأرتوي باعتزازي بتميّزي؛ فترتفع قامتي وتنتعش معنوياتي، وأتزوج من فتاة أحلامي التي تسعد بزواجها مني، وننجب أبناء يسعدون بوالدهم الناجح، وأكون قدوة لهم، وننير سويا مع رفاقي وأولادهم بلادنا التي تعبت من جبال الظلام التي تراكمت عليها أعواما بعد أعوام.

ورفضت الهجرة غير الشرعية خارج بلدي، عندما أغلقوا أمامي أبواب العمل اللائق بي، وكرهت إهانة نفسي في الغرب أو التعرض للموت غرقا مثلما حدث ويحدث لغيري من الشباب، وقلت لنفسي: أي عمل ولو كان بسيطا أفضل من البطالة، وأكرم من مغادرة البلاد بلا ضمانات ودون كرامة.

وكما يقولون بالأمثال: رضينا بالهم ولم يرضَ بنا.

فتعاون الفساد مع غطرسة القوة وبطش المتجبرين لحرماني من عربة الخضراوات والفواكه التي تمثل سلاحي الوحيد لمواجهة الحياة، والتي توفر لي ولأسرتي الحد الأدنى لنواصل العيش ونقاوم الموت، وإن ظللنا على قيد الحياة.

أصرّت الشرطة على مصادرة رأس مالي بتجبّر زاد من شعوري بالاختناق، وحاولت الدفاع؛ فصفعتني على وجهي وقالت لي: ارحل..!!

وكأنها سكبت البنزين على قلبي وعقلي المشتعلين بنيران الغضب والإحباط ورفض الظلم؛ فأشعلت النيران بنفسي، ورحلت عن الحياة، بعد أن تأكدت أن النيران التي أكلت جسدي وتألمت منها لساعات -قبل استدعائهم الإسعاف وأثناء علاجي- قد اقتربت من الحكام الظالمين، وراحت تلسع وجوههم القاسية، وتقترب من التهامهم الواحد تلو الآخر.

وكانت كلمة "ارحل" هي مفتاح الثورات بمصر وليبيا واليمن وسوريا، وستنتشر بباقي البلدان ما لم يفهم حكامها الدروس بإرادتهم.

وانتعشت بلدي تونس بالحرية، واحتفلت -قبل أيام من مرور عام على إحراقي لنفسي- بانتخابات حرة للبرلمان، وبأول رئيس عربي يختاره شعبه بكامل إرادته بعد كفاح لمدة عشرين عاما ضد الطاغية بن علي، وسعدت بتحالفه -وهو اليساري والحائز حزبه على المركز الثاني بانتخابات البرلمان- مع الإسلاميين أصحاب المركز الأول بالانتخابات، وإجهاض محاولات الغرب للتفريق بينهما، وقد تحالفا سويا؛ لأنهما من الشعب وليسا من الكائنات التي احترفت النضال عبر الفضائيات التي تحتكر لنفسها الفهم وتقاطع الانتخابات الرئاسة لتبدو في أحجامها الحقيقية، ولتظهر للشعب أنها تريد مصالحها الخاصة ولو على أنقاضه؛ فلَفَظَها واستمع للمرزوقي كأول رئيس عربي يقول: "مطلوب منا.."، ويعدد تعهداته للشعب، ولم يقل: "سأتفضّل عليكم".

وبكى بصدق وهو يتحدث عن الشهداء والجرحى، وأدعو أن يتكرر نفس المشهد بكل قُطر عربي، وادْعوا لي بالرحمة والغفران.. وكثّفوا الدعاء بهلاك كل الظالمين، وبأن تلتهمهم النيران في الدنيا والآخرة، وأن تنهض الشعوب العربية بكل الوعي والإرادة لتتحرر وتحطّم القضبان، ولسان حالها يقول: "سنعيش مرة واحدة، ومن العار أن نشوّه حياتنا بالمهانة وبقبول الظلم والفساد، وعلينا طردهما لأبد من حياتنا واقتلاعهما، وعدم السماح بأي نمو لهما مجددا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.