أعدّه: كريم رمضان في الرابع من نوفمبر عام 1971 أعلن الرئيس السادات نفسه قائدا عاما للقوات المسلحة، وكان الدستور المصري آنذاك يقرّ في مادته رقم 150 على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي وظيفة شرفية يقصد بها توجيه السياسة العليا، أما القائد العام للقوات المسلحة فهو المسئول عن القيادة والمشكلات اليومية للقوات المسلحة، ولا بد أن يكون شخصا متفرغا لهذا العمل وحده. وكانت وظيفة القائد العام للقوات المسلحة وظيفة جديدة خلقتها ثورة يوليو 52 وهي وظيفة غير موجودة على الإطلاق في دول العالم الغربية أو الشرقية؛ حيث يعتبر رئيس الأركان هو قمة الجهاز العسكري، ويتبع وزير الحربية الذي يمثل القيادة السياسية. لكن اختراع هذا النظام في مصر خلق تنازعا على السلطات، وأضاع المسئولية بين القيادة السياسية والعسكرية، فبينما لا يوجد اختلاف حول الطبيعة العسكرية لرئيس الأركان؛ فإن الجدل يحتدم حول شخصيتي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة.. هل هما عسكريان أم مدنيان؟ هل أي خطأ يرتكبه أي منهما خطأ للقيادة السياسية أم لا؟ هل أي قرار يتخذه أي منهما يعتبر هو المسئول عنه كقائد عسكري أم أن مسئوليته تتوقف عند القرار السياسي؟ وكان هذا الخلط أحد الأسباب التي أدت إلى تلقّي مصر هزيمة قاسية في يونيو 67 جراء تدخل الرئيس عبد الناصر في القرارات العسكرية المصيرية؛ بالرغم من أنه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة فقط، ولم يكن قائدا عاما لها، لكن مصر ما بعد النكسة لم تتعلم من هذا الدرس، وقنّن الرئيس السادات وجوده في القوات المسلحة بإعلان نفسه قائدا عاما بالرغم من محدودية خبرته العسكرية. إن الرئيس السادات لم يشارك أو يتدخل في وضع خطة الحرب، وإن كان على علم كامل بها، وفي التوجيه الاستراتيجي الذي وجّهه إلى القائد العام للقوات المسلحة قبل الحرب بيوم واحد فقد كلّف القوات المسلحة بالقيام بعمل عسكري يكون هدفه تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة. وبالرغم من أن ظاهر هذا التوجيه هو أن القرار العسكري متروك للعسكريين وفق تقديراتهم؛ فإن الرئيس السادات لم يلبث أن بدأ بالتدخل في القرار العسكري منذ مساء يوم 11 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار. لقد أدّت القوات المسلحة خلال الأيام الستة الأولى من الحرب مهماتها بشكل لا يصدّق، وكان عليها طبقا للخطة أن تتوقف حتى تتغير الظروف التي دفعتها لذلك، والقصد هو تأمين مظلة دفاع جوي تكفل لها التقدم لتنفيذ الجزء الثاني من الخطة. كانت قرارات السادات العسكرية خاطئة ومتعارضة مع آراء العسكريين، لكنه أصرّ على تنفيذها، ودعمه في ذلك وجود "شخصية ضعيفة" -بحسب رأي الشاذلي في مذكراته- على رأس القوات المسلحة ممثلة في وزير الحربية أحمد إسماعيل. "لقد رفض السادات وقف إطلاق النار عندما كنّا في موقف قوة، وطلب وقف إطلاق النار عندما أصبحنا في موقف ضعف.. إن هذا يدل على أنه لا يستطيع أن يرى أو يتصور المستقبل.. إنه يعيش حاضره وماضيه فقط، وليس هذا من صفات الرجل السياسي المحنك". سعد الشاذلي كانت كل الحلقات السابقة مجرد عرض سريع لأهم ما جاء بمذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي -رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر العظيمة- من منظور أحد صانعي الأحداث، وكل ما جاء أو قيل عبر هذه الحلقات، إنما كان بعبّر عن وجهة نظر خاصة وأصيلة بالفريق الشاذلي، وأردنا بعرض سطوره أن ننير ولو جانبا من الحقيقة المظلمة بفعل تعتيم مقصود أو غير مقصود. رحم الله الفريق.. ورحم كل أبطال حرب أكتوبر العظماء