ترجمة: عمرو أبو بكر (مقال للكاتب الإسرائيلي "ألوف بن"، نُشر في صحيفة هآرتس 25/ 1/ 2011 تحت عنوان "يوجد شركاء ولا يوجد اتفاق") "وثائق فلسطين" التي كشفتها شبكة الجزيرة وصحيفة الجارديان البريطانية، تمنح المعنيين بالمسيرة السلمية اطّلاعًا غير مسبوق على الشكل الذي دارت فيه المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين.. فلأول مرة تُنشر محاضر كاملة لجلسات المفاوضات التي أدارتها حكومة حزب كاديما الإسرائيلية -التي كان يتزعمها إيهود أولمرت- مع السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس أبو مازن، ليس فقط الاطّلاع على مواقف الجانبين والفوارق بينهما، بل أيضا تبادل الضحكات والاقتراحات والتي لم تكن تستهدف الكشف، ولكن باتت الآن على مرأى أعين الجميع. تفيد الوثائق بأنه خلافًا لصورة اللاشريك التي كانت تبرزها دائمًا إسرائيل، أدار الفلسطينيون مفاوضات جدية على حدود دولتهم المستقبلية، وقدّموا خريطة مفصّلة لتبادل الأراضي في الضفة الغربية، وتقسيم الأحياء الواقعة شرق القدس. كنا -وحتى اليوم- نعلم أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت قدّم للرئيس الفلسطيني محمود عباس اقتراح تسوية مفصلة مع خريطة، وعباس راوغ في الردّ على ذلك الاقتراح. أما الآن فتبين لنا الوثائق أن الفريق الفلسطيني المفاوض برئاسة أحمد قريع (أبو علاء) سبق أولمرت وعرض خطة خاصة به. وتوضّح الخرائط التي قدّمها الجانب الفلسطيني السبب في عدم موافقة الجانب الإسرائيلي عليها، وتوضّح لماذا سيكون من الصعب تحقيق أي اتفاق في المستقبل أيضا.. السبب هو الخلاف على الكتل الاستيطانية، فزعماء إسرائيل يكرّرون للجمهور منذ سنين بأن مستوطنات "معاليه أدوميم - جوش عتسيون - أرئيل - عوطف يروشليم" ستكون جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل في كل تسوية مستقبلة، لكن كان هناك خلاف بين تياري اليمين واليسار في إسرائيل حول مائة وبضع عشرات من المستوطنات خلف الجدار العازل، فحكومة كاديما برئاسة إيهود أولمرت اقترحت إخلاءها، أما حكومة الليكود الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو فتعارض الإخلاء. والمشكلة هي أن اقتراحات أولمرت وليفني هي أيضا كانت بعيدة عن الحدّ الأدنى الذي وافق الفلسطينيون على قبوله في الخريطة الفلسطينية المقدمة، فمستوطنات "معاليه أدوميم، جبعات زئيف، أرئيل وأفرات" يتعين عليها أن تُخلَى. الخريطة الفلسطينية المقدّمة توضح أن معظم الأحياء اليهودية التي بُنيت في شرقي القدس والمستوطنات القريبة من الخط الأخضر، وعلى رأسها المدينتان الأصوليتان "بيتار عيليت، وموديعين عيليت" ستبقى بيد إسرائيل. إذن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي نجح في المهمة التي حددها المبادرون إليه، وعلى رأسهم موشيه ديان، تلك المهمة التي كان مفادها تغيير الحدود التي سبقت حرب الأيام الستة، والتوسع قليلا حول تل أبيب والقدس، وحسب الاقتراح الفلسطيني المقدّم فإن معظم المستوطنين سيعيشون في الجانب الإسرائيلي. المحاضر التي تم تسريبها تكشف نقاشًا مثيرًا للاهتمام في مسألة الحدود، فقد طلب الإسرائيليون حدًا أقصى من السيطرة في محاور الحركة من السهل الساحلي إلى الجبل، والتي دارت عليها المعارك الضروس في حرب 1948، أما الفلسطينيون فطلبوا التمييز بين الترتيبات لضمان الحركة على الطرق، وبين السيطرة والسيادة عليها. وكانت مطالبات إسرائيل بترتيبات أمنية تغلغلية بدت للفلسطينيين كمحاولة لاستمرار الاحتلال من الخارج، ولكن المكتشفات المفاجئة والأكثر حرجا تتعلق بالسكان، وليس بالأراضي. فأبو علاء اقترح أن يبقى المستوطنون في "معاليه أدوميم" في منازلهم تحت الحكم الفلسطيني، وليفني من جانبها اقترحت أن تنقل إلى فلسطين قرى عربية من الطرف الإسرائيلي (التي يقطن بها عرب إسرائيل)، لكن هذه الأفكار توقّفت؛ لأنها تتعارض تعارضا تاما مع المواقف العلنية للطرفين. ونلاحظ أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يظهر في الوثائق المسربة بضمير الغائب، فقط في المحادثات التي يحتجّ فيها الفلسطينيون عليه أمام الأمريكيين. ومن هنا لا بد أن يستمتع نتنياهو بالحرج الذي لحق بخصميه ليفني وعباس. وبعد أن يتبدد الشعور الفلسطيني بالإهانة جراء الوثائق المسربة، فإنهم بعد ذلك سيستخدمون تلك الوثائق لتعزيز ادّعائهم بأن ليس لهم شريك للسلام في إسرائيل، وسيدّعون أن الدليل هو أننا رسمنا خريطة، ووافقنا على تنازل عملي عن حق العودة، ولم نحصل على أي شيء بالمقابل.