السلام عليكم.. مش عارفة أبدأ منين.. تقريباً من يوم وفاة والدي -وأنا عندي 3 سنين- وكل اللي حواليّ بيحاولوا يدّوني حنان ويدلّعوني. والدتي تزوجت من عمي لما كان عندي 6 سنين، كما هو متعارف عند الكثير، وأنجبت، وطبعاً حسيت إن كل الاهتمام لإخواتي الصغار، وأنا خلاص راحت عليّ، وكانت تعيش بعيد عني من سن 13 سنة، وماكنتش متضايقة؛ بالعكس أنا اللي شجّعتها وأقنعتها إني كبرت وأقدر اعتمد على نفسي، وفِضِلت مع أخي وأختي الأكبر مني. وبعد زواجهما وكل واحد بقى ليه بيته، بقيت غير مستقرة في مكان واحد؛ شوية عند أخويا، وشوية عند عم لي، شوية عند خالتي، وأيام لوحدي.. لكن أنا تعبانة جداً في التعامل مع من حولي، دائماً أسمع تعليقات سخيفة على مواقف بتحصل معايا، ومشاكل مع زوجة أخي التي أضطر للتواجد معاها في نفس البيت وقت الدراسة، وأوقات من الإجازة. هي طبعاً تعتبر وجودي معها كتمان لحريتها في بيتها اللي هي الملكة بتاعته.. ومعتبرة إنها عاملة جميل فيّ، وشايفة إن كلي أخطاء، ودايماً تديني النصايح؛ وليه ماتبقيش زي أختك فلانة؟ مابتعملش كذا، وبتعمل كذا؟ وكلمة "زي فلان" بتنرفزني، مابحبش أكون زي حد.. أنا شخصية مستقلة، أعمل اللي يناسبني ويناسب حياتي وتفكيري من وجهة نظري.. كل كلامها: إنتِ لازم تتغيّري، مش هتعرفي تعيشي بالطريقة دي. أنا مابحبش النصائح، وبالذات من شخص مش بارتاح له نفسياً.. والمشكلة الأكبر إني لازم أتكلم معاها وأفضفض بالعافية!! طيب ما الفضفضة دي مش مع أي حد، ماليش مزاج أتكلم.. أنا ذنبي إيه إنها بتحب الرغي وأنا على العكس تماماً؛ كلمة وردّ غطاها؟ وأحياناً بتكون المشاكل على أسباب هايفة؛ كل ما أحاول أبعد وأتجنب الكلام وأطنش، تزيد المشاكل لأن كُتر الكلام يزوّد المشاكل.. وأنا ماليش مكان في الدنيا دي. S.S الصديقة العزيزة.. قبل أن ندخل معاً في تفاصيل رسالتك التي أوجعت قلبي، أودّ أن أخبرك أمراً.. أتدرين منذ توفي والدك وأنت في عمر الزهور، من الذي يتولى أمرك ويؤوي قلبك ويسمع نجواك؟ إنه الله.. فحين يغيب رب البيت يكون رب الكون هو من يتولى أمر عباده.. عندما يموت الولي الذي يرعاك؛ فالله هو الولي الحميد الذي عليه اعتمادك، وبين يديه جميع أمرك.. فتذكري دائماً قول الله تعالى لنبيه الكريم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}، واعلمي أن ما صرفه الله لنبيه صرفه لكل خلقه؛ فما مِن يتيم إلا والله هو الذي يؤويه، ومن هنا يا صغيرتي لا بد أن تعلمي أنك لست وحدك في هذه الدنيا؛ بل إن لك ما ليس لغيرك، ويتولاك أعظم ممن يتولون صديقاتك ومن حولك، هن لهنّ آباء، وأنت لك الله.. إذن أنت الرابحة -وربِّ الكعبة- لو كنت تعلمين. وضعي في قلبك ووجدانك أنه لن ينالك سوء ما دام هو الذي يتولاك؛ فسبحانه الذي لا يغفل ولا ينام، وسبحانه القادر المقتدر؛ فتيقّني أن لك ظهراً يحميك، ورُكناً شديداً تأوين إليه. إذا فكرت بهذه الطريقة سيخرج من قلبك كل هذا الغضب الذي أشعر به بين حروف كلماتك، وسيسقط كل اتهام لأمك ومن حولك ممن ينغّص عليك حياتك، وسيتحول شعورك بالنقص والإهمال من أقرب الناس إلى الشعور بأن من معك يكفيك، ومن يتولاك يُغنيك عن العالمين. فالمشكلة الرئيسية ليست في طبع زوجة أخيك أو في وحدتك؛ بل المشكلة الحقيقية في هذا الغضب الذي يسيطر عليك، والشعور بالقهر الذي يملأ قلبك.. وهذا لا دواء له -فيما أعلم- غير التسامح!! نعم سامحي والدتك، وسامحي إخوتك، وسامحي زوجة أخيك، وصالحي نفسك على نفسك. فإن استطعت أن تتسامحي، ستستطيعين أن تخرجي كل المحيطين بك من قفص الاتهام داخل صدرك، وستشعرين حينها بالحرية والامتلاء والاكتفاء. وستجدين منهم محاولة لتعويضك؛ ولكنك حينها لن تكوني في حاجة لتعويض من أحد؛ بل سيكون وجودك في أي مكان محبباً للقلوب، بعد أن تهزمي غضبك، وتُخرجي من عينيك نظرات الاتهام التي تصبّينها على من يحيطون بك. إن الذي وضعك فيما أنت فيه هو الله.. أراد أن يُجرّدك من أهلك ليكون هو أهلك، وأبعد عنك أحبابك ليكون كل أحبابك؛ فطهّري قلبك يا صغيرتي من كل هذه المشاعر السلبية، وحاولي أن تتعاملي بشيء من الحب كي تجدي حباً. واعملي على تغيير هذا الوضع بالعلم والدراسة؛ لتصلي إلى المرحلة التي ستستطيعين فيها الاعتماد على نفسك في كل شيء.. وحينها؛ فحتى وحدتك التي تؤلمك، ستشعرين أنها الحرية التي وهبك الله إياها. ولْتتذكري، ولنتذكر معك أن أول باب تغيير حياتنا للأفضل، هو أن نرضى بما قسمه الله لنا، وأن نغير ما بأنفسنا ليتغير العالم في عيوننا، وبذلك يتغير مَن حولنا. سامحي يا صغيرتي؛ فالكراهية والغضب نار تحرق قلب صاحبها وتحرق سنوات عمره، وإن شاء الله أتمنى أن تصلني منك رسالة يومًا، تخبرني أنك على الطريق الصحيح، وأن قلبك لم يعد غاضباً من أحد، وأن الله قد عوّضك بأكبر وأعظم مما كنت تتمنين لنفسك؛ فأنا أثق في أنك إن سلكت طريق الحب والتسامح، سيكون هذا هو مآلك، وتلك من الله جائزتك. وتابعيني بأخبارك دائماً؛ فنحن أهلك وأحبابك.