عندما تنظرين إلى هذه الصورة، سترين تلك المرأة العجوز -التي تبلغ من العمر أرذله- تمسك بصورة لنفسها وهي في شبابها؛ فعندما كانت هذه المرأة في مرحلة الشباب كانت لديها آمال وأحلام وطموحات خاصة بمستقبلها، وتذكّرَتْ قصة حياتها كما حدثت أمامها، وتذكّرتْ أنها كانت سعيدة ومحبوبة، ومرتاحة في يوم من الأيام. أنا واثقة أنه من الصعب عليكِ أن تتخيّلي ذلك في هذه المرحلة من حياتكِ الآن؛ ولكنك ستكونين مثل تلك السيدة العجوز في يوم من الأيام، وستصلين في النهاية إلى مرحلة العمر المتقدم، بدلاً من مرحلة الشباب. والآن.. ما هي القصة التي تريدين سردها عن حياتك؟ إنكِ تملكين الفرصة لتكتبي قصتكِ الخاصة، مع ذكر الخيارات والقرارات التي قُمتِ بها في حياتك. ومثلها مثل أية قصة جيدة أخرى؛ ستكون مليئة بالمفاجآت والتحوّلات غير المتوقعة؛ على الرغم من التخطيط الجيد، وسيكون هناك وفيات ومواليد، وتغيرات مهمة، وتحركات في مجال العمل، وستكون هناك أوقات صحة وازدهار أحياناً، وأوقات مرض وحزن أحياناً أخرى. تطبيق الكتابة عن حياتك تمنحكِ الصفاء؛ لذا امنحي نفسك 10 دقائق للتحدث عن نفسك؛ ولكن اكتبي كما لو أنكِ تتحدثين عن شخصية تعرفينها جيداً؛ فعلى سبيل المثال اكتبي: "أنا أعرف هذه الفتاة المذهلة واسمها (اكتبي اسمكِ هنا)؛ فهي.."، وفي هذه النقاط اكتبي لنا بعض الأشياء عن نفسك كما لو كنتِ تتحدثين عن صديق أو حبيب، أو عن أحد أفراد أسرتك؛ فمن شأن هذا أن يُسهّل عليك في بعض الأحيان أن تقولي أشياء إيجابية عن نفسك. بناء الأساس أنا أدعوكِ اليوم إلى التفكير في نفسك، وما أصبحتِ عليه الآن، وما الذي تريدين أن تصبحيه في هذه الرحلة التي تسمى رحلة الحياة. فقصتك لا بد أن يكون أساسها متيناً؛ ولذلك أريد أن أساعدكِ على بنائها، واعلمي أن القيم الخاصة بكِ هي الأساس؛ فيمكنك من هذه اللحظة أن تتخذي قراركِ بأن تعيشي حياتك وأنتِ شخصية صاحبة أخلاق وقيم مرتفعة، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابياً على حياتك، ويجعلك تستمتعين وترضين بها. كما أن هذا الأساس المبني على القيم هو الذي سيوفّر لكِ الدعم في كل من أوقات السعادة والبؤس في حياتك. وستسمح لك تلك الأساسات أيضاً أن تنظري إلى الوراء، وتشعري بالارتياح للخيارات والقرارات التي قُمتِ بها، والنتائج المترتبة عليها. واعلمي أن الله لديه خطط لأجلك، وهي بالتأكيد أفضل الخيارات لحياتك، وصحتك الجسدية والعاطفية والروحية، ومن الرائع أن تحاذي خطتكِ الخطة الربانية، وحتى تنجحي حقاً في اكتشاف نفسك؛ يجب أن تسيري بمحاذاة قَدَرك، وهذا يعني أن تعيشي حياتك بطريقة تخدم الهدف من روحك، والرحلة إلى روحك تبدأ في قلبك. استشعري خياراتك بقلبك لقد تعلّمنا في الإسلام أن الحياة البشرية كانت في بدايتها روحاً جاءت من الله، وسترجع مرة أخرى إليه، وتعتبر هذه المدة الزمنية، بين بث الروح وعودتها إلى الخالق مرة أخرى، محاولات نبذل فيها الجهد للعثور على المسار الصحيح الذي يريد الله منا أن نسلكه، وقد جاء في الأربعين حديثاً النووية، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يُجمع خلقُهُ في بطن أمه أربعين يوماً نُطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل إليه الملك، فينفُخُ فيه الروحَ، ويُؤمر بأربع كلمات: بكتْبِ رزقِهِ، وأجَلِه، وعملِه، وشقيٌ أم سعيد". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي. والآن ما رأيكِ بهذا؟ وكيف سيؤثر عليكِ هذا الحديث في التصرف بحياتك؟ من الممكن أن يشعر البعض منكن بعد قراءة هذا الحديث بخيبة الأمل، وقد تقول إحداكن لنفسها: لقد تمّ تقرير كل شيء مسبقاً؛ فلماذا أزعج نفسي إذن؟ وأعتقد أننا نواجه في حياتنا -يومياً- العديد من التحدّيات التي تجعلنا نرتقي ونستفيد من مصيرنا أقصى استفادة، وأعتقد أنها مسألة تتعلق باعتقادنا الداخلي؛ لأن معظمنا يظنّ أننا نعيش فقط الحياة التي قد تمّ اختيارُها لنا وليست التي نريد؛ ولكن ما أودّ قوله هو أن لدينا مقداراً متوازناً من الإرادة الحرة التي تمكّننا من الاختيار، ومقداراً يساويه من الأمور التي قد كُتبت لنا بالفعل، وإذا قمنا بتدريب أنفسنا على استخدام إرادتنا الحرة بشكل صحيح؛ فيمكننا أن نتوقع أقصى استفادة من مصائرنا وأقدارنا. إذن، ماذا يعني كل ما قيل بالنسبة لحياتكِ اليومية؟ وكيف ستتمكنين من كتابة قصتك وهي -حسب اعتقادك- قد تمّ كتابتها بالفعل؟ إن بإمكانك أن تستفيدي من أقدارك كلها، عن طريق استشعار الخيارات الصحيحة بقلبك، والتي تكون في بعض الأحيان غائبة عن نظرك. ووفقاً لتعاليم الإمام الغزالي؛ فإن الشخصية الجيدة تقوم على أربع فضائل أساسية، هي: الحكمة والشجاعة، والاعتدال، والعدل. وفي الأسابيع القادمة سنذهب سوياً في جولة لاكتشاف تلك الفضائل، التي يمكنكِ الاستفادة منها وتنميتها بشخصيتك؛ لتصبحي ذات شخصية ناجحة تمكّنك من الاستفادة من الحياة والاستمتاع بها.
للاطلاع على المقال باللغة الإنجليزية: اضغط هنا
اقرأ أيضاً: اكتشفي نفسك وطاقاتك مع "وندي" اكتشفي نفسك وطاقاتك مع "وندي": درس من أرض العجائب