هل ما فعله بعض المتعصّبين من جمهور الأهلي يمتّ للرياضة أو الأخلاق بصلة؟ وهل التعبير عن الحُب يكون بالكراهية؟ هل أعماهم حُبهم لناديهم في يوم يسأل الله عبده لِمَ شتمت هذا؟ لاعب يسبّونه بأمه وأبيه ويعيرونه بلون بشرته.. أليست هذه عنصرية تعود بنا لعصور الظلام وأيام الجاهلية الأولى؟ ألم يكن هذا ما يفعله الجاهليون حين كان يعير أحدهم الآخر بقوله "يا أسود الوجه" أو "يا بن السوداء"؟ طبعا سيخرج مثل هؤلاء المتعصبين ليسبّوا الكاتب ومَن أنجبوه؛ لأنه يتضامن مع شيكابالا، ولن يغضبني هذا بل سيُؤكّد فقط -إِنْ حدث- أن المتعصّبين منّا لا يعرفون الحب، ولا يعرفون أن السبّ والقذف لا يليق بإنسان يعتقد في نفسه أن لديه أخلاقا. العجيب هو أن نطالب اللاعب بأن يكون صبورا وحليما، وأن يقف موقف الأنبياء؛ فيقول للجمهور الله يسامحكم، أو أن يرفع القبعة لمن يشتمون أمّه بدلا من أن يرفع الحذاء في وجوههم. أنا لا أُؤيّد موقف اللاعب حين يفعل ذلك، ولكنني فقط أُحاول أن أُفسّر دوافعه النفسية التي تُؤدّي به أن يفعل ما فعل.. يا إخواني حتى أبو بكر الصديق ضاق صدره بمن يسبّه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يضحك؛ فلما همّ أبو بكر أن يرد عليه؛ غضب النبي، وفسّر النبي غضبه بأن الله قيض من الملائكة مَن يرد عليه، أما وقد همّ أبو بكر بالرد عليه فسيحضر الشيطان.. الشاهد هنا أن أنقى بشرية متمثّلة في الصحابي أبي بكر ضاق بشاتمه؛ فما بالكم بإنسان عادي لم يبلغ من إيمان أبي بكر شيئا يُذْكَر؟ إن ما يحدث مع هذا اللاعب جريمة اغتيال للاعب من أحرف من أنجبتهم مصر!! وفيه من المتعصّبين من سوء تصرّف أبسط ما يقال عنه إنه أبعد ما يكون عن روح الحب والتسامح التي عرف بها المصريون على مدار تاريخهم.. أعرف أن الإعلام سيُركّز على خطأ اللاعب.. وأنك لن تجد من يقف أمام جمهور عريض مثل جمهور الأهلي ليقول كلمة حق خشية غضبهم؛ فالنادي الأهلي هو صاحب أكبر شعبية في مصر، ومتعصّبوه كثيرون، والإعلام أحمر.. والمصيبة التي يفعلها هؤلاء أَسْوَد عند الله وعند أهل القيم من وجه شيكابالا الذي خلقه الله ويعيرونه به.. وفي ذلك قتل للنفس بغير حق.. كفانا تعصّباً وتحيّزا؛ فإن التعصّب والتحيّز كانا وما زالا أسوأ ما في حياتنا جميعا، وإن الكثرة إذا أخطأت لا بد وأن تُعاقب كما يعاقب الفرد.. وعلى اتحاد الكرة لو كان اتحادا -إذا أراد أن يقف ولو مرة بلا تحيّز ولا خوف- أن يُعاقب هذا الجمهور الذي اتخذ من الشتائم وسيلة للانتقام.. ما لا يقل عن عشرة آلاف يسبّون فردا واحدا.. عشرة آلاف اجتمعوا على باطل.. عشرة آلاف صوت لا صوت لهم أمام الغلاء والفساد والضياع الذي هم فيه.. بل ولو جاء مخبر يسب بعضهم بأبيه وأمه ربما خشي أن يرد عليه سبابه.. ولكنهم بجمعهم أقوياء؛ لأنهم يقفون أمام رجل واحد، وهو تصرّف أخشى أن يقال عنه إنه لا يتسم بأي نوع من أنواع الشجاعة.. لن أطيل في حديثي هذا الثقيل على كثير من المتعصبين، غير أني سأؤكّد أن المستحق للعقاب هو هؤلاء المتعصّبون وليس اللاعب.. وأن أي غرامة مالية لن تساوي أن يسبّ أحد أباك أو أمك؟ كلمة كان ولا بد من أن أقولها لهذه الكثرة التي تغترّ بنفسها، وتفرض قهرها وصوتها الجهوري على لاعب واحد.. إن المستحق للعقاب هم هؤلاء المتعصّبون وليس اللاعب.. إنها مجرد كلمة.. ولكنها كلمة حق ضد جمهور جائر.