كلما قرأت عن أفلام الرعب الناجحة ذات المذاق الفريد قرأت ضمن الأسماء اسم "رجل الخيزران"، وبالطبع ما كنت لأرى هذا الفيلم لولا الصديق ميشيل حنا الذي حصل عليه عن طريق الإنترنت. يجب أن تلاحظ أننا نتكلّم عن فيلم 1973 الذي لم يره أحد في مصر تقريبًا، ولا نتكلّم عن فيلم نيكولاس كيدج 2006 السخيف الذي عُرض مؤخرًا، ويعكس غريزة إفساد الأعمال الناجحة. لسبب ما يقرر أحدهم ألا يترك عملاً كلاسيًا جميلاً مثل: "صدام العمالقة"، أو "المهمة الإيطالية"، أو "بين الأطلال"، وشأنه، ويصمم على أن لديه رؤيا جديدة. النتيجة كارثية دائمًا. بالفعل "رجل الخيزران" فيلم بريطاني جدًا، له مذاق خاص في كل شيء. السيناريو للأديب الكبير أنطوني شيفر الذي قدّم لنا قصتَي: Sleuth (المخبر)، و Frenzy (الجنون).. الأخيرة صارت فيلمًا شهيرًا لهتشكوك. كتب شيفر هذا السيناريو متأثرًا بشدّة بقراءة كتاب "الغصن الذهبي" لفريزر، كما قرأ كثيرًا عن الجماعات الوثنية في أوروبا، وقد استغرق الفيلم بحثًا علميًا مضنيًا كما أن دقته شديدة، وأخرج الفيلم المخرج روبين هاردي. استغرق الفيلم الذي أخرجه الفيلم المخرج روبين هاردي بحثًا علميًا مضنيًا للفيلم جو بهيج ساحر مع عالم الكرنفالات، والصيف على الأبواب لدرجة أنك توشك على شمّ الحقول المحروثة وبراعم الزهر، دعك من الطبيعة السكوتلندية الساحرة التي لم تقترب منها الكاميرا بهذه الحساسية من قبل، ودعك من الخلفية العتيقة المليئة بالستون هنج وباقي معالم شمال بريطانيا. يصعب عليك أن تصدّق أن هذا فيلم رعب إلا متأخرًا جدًا. تفوّق الفيلم في التصوير وفي الموسيقى.. إن فيه شريط صوت جميلاً، ومجموعة ممتازة من الأغاني نذكر منها: برقة يا جوني، عمود مايو، أغنية الصفصاف.. من ناحية الأداء تفوّق وودوارد وكرستوفر لي طبعًا، لكن ظلّ أهالي القرية مجرد وجوه جميلة في الخلفيات. المفتش الكاثوليكي شديد التديّن "هويي" -الذي قام ببطولته روبرت وودوارد- مكلّف بالتحقيق في قضية اختفاء فتاة في جزيرة اسمها "سامرإيل" قرب الساحل الأسكتلندي. يذهب المفتش للجزيرة بالقارب، ويبدأ السؤال عن الفتاة المختفية التي ينكر الجميع أنهم عرفوها أصلاً، ولكنه لا يبتلع هذا الكلام .. يشبه الأمر مؤامرة الصمت "أومرتا" التي تمارسها عائلات المافيا. شاهد وصوله للجزيرة ومقابلته للأهالي في الحانة إضغط لمشاهدة الفيديو: يتاح له أن يرى طريقة حياة أهل القرية الذين لا يثقون به أصلاً، وينتابه الرعب عندما يُدرك أنهم جميعًا وثنيون يعبدون إله الشمس والبحر ويُقدِّمون القرابين.. إنه المسيحي الوحيد على ظهر هذه الجزيرة اللعينة. الأسوأ أنه يتعرّض لإغراء متواصل من ابنة صاحب الحانة، لكنه يتمسّك بتدينه بإصرار. حاكم الجزيرة الفعلي والعقائدي هو لورد "سومرايل" -كرستوفر لي بطل أفلام دراكيولا الشهير، والذي يعتبر هذا الدور أفضل دور له- وهو ينظم كل شيء في هذا المجتمع المغلق. هنا يربط القوم بين ممارستهم للجنس بحرية صادمة وبين خصوبة الأرض.. إنها فكرة جماعات الخصوبة الدائمة في أوروبا كلها. هنا يتم تدريس كل شيء وبوضوح للأطفال في المدارس، ومهما كان الرجل وقورًا مسنًا فأغانيه فاحشة جدًا.. بالطبع لا يروق أي شيء من هذا للمفتش المتدين. إن القرية تعيش حياة بدائية غريبة، فمثلاً يتم علاج السعال الديكي عن طريق ابتلاع الطفل لضفدع حي. شاهد احتفال الأطفال بأعياد مايو هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: إن عمود مايو الذي يرقص حوله الأطفال عادة تمارس في بقاع عدة من أوروبا، وله جذور وثنية قوية. هكذا يُكوّن المفتش نظريته الخاصة: أهل القرية يحتجزون الفتاة المختفية وسوف يقدّمونها قربانًا لآلهتهم طلبًا لخصوبة الأرض. يُقرّر أن يتنكر في ثياب أبله، ويتسلّل للحفل كي ينقذها.. شاهد تسلله للمهرجان هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: هنا تأتي مفاجأة الفيلم.. لقد اكتشف أنه هو القربان الحقيقي منذ البداية، وما كانت قصة الاختطاف هذه إلا طعمًا لاجتذابه للجزيرة. إنه غير متزوّج وقد جاء الجزيرة بكامل إرادته، ولديه نفوذ ملك إنجلترا. هذا يجعله القربان الأمثل الذي تطلبه الأرض. سوف يحرقونه مع حيوانات أخرى في هيكل عملاق من الخيزران يشبه الإنسان، وسوف يمزجون رماده بالتربة لتزداد خصوبة! شاهد مشهد النهاية الرهيب هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: ينشد سكان الجزيرة أغنيات وثنية حقيقية تعود للقرن الرابع عشر، بينما يُردّد هو مقاطع من الإنجيل، ويدعو الله أن يتقبله شهيدًا، ويصله صوت الخنازير والبط تصرخ وهي تحترق.. لقد ارتفعت النار وهي توشك على أن تبلغه.. وهو ما يحدث فعلاً في النهاية..
إن الفيلم ببساطة يعرض الصراع بين المسيحية والوثنية، ورأيه الخاص هو أن الوثنية تنتصر في أوروبا دائمًا! كان استقبال النقاد للفيلم جيدًا جدًا، وأطلق عليه أحدهم "فيلم المواطن كين الخاص بأفلام الرعب"، واعتبرته مجلة "توتال فيلم" سادس أعظم فيلم بريطاني في تاريخ السينما. لكن الفيلم عانى سلسلة من سوء الحظ؛ حيث بيعت الشركة التي أنتجته إلى شركة أخرى قبل عرضه، وقامت هذه الأخيرة بتقصير طوله من ساعتين إلى 90 دقيقة.. وفقدت كثير من نسخ الفيلم، ولولا أن مخرج الفيلم كان قد أرسل نسخة شبه كاملة للمخرج الأمريكي روجر كورمان، لاستحال أن يستعيدوه. وبالاتصال بكورمان تبيّن أنه لم يضيع نسخته.. هناك لقطات كاملة من الفيلم تم العثور عليها في مرآب مهجور، ومن حين لآخر تظهر نسخ أطول منه. الفيلم الجديد الذي قام نيكولاس كيدج ببطولته رديء جدًا بشهادة الجميع، وعجز تمامًا عن اقتناص كل ما جعل الفيلم الأصلي رائعًا، وقد اقترح أحد رواد النت أن يتم حرق كل العاملين فيه داخل رجل خيزران آخر. يمكنك في هذا الكليب أن ترى ملخصًا سريعًا للفيلم في نحو ثلاث دقائق إضغط لمشاهدة الفيديو: