السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أولاً باشكر موقع "بص وطل" جداً جداً على المجهودات اللي بتعملوها، والإدارة المتميزة والآراء المتخصصة الواعية والسليمة في الردود على قسم الفضفضة والمشكلات.. ونظراً لأني باثق في الآراء دي جداً، ومتابع الموقع من زمان؛ فحبيت أرسل مشكلتي. أنا شاب لسه متخرج، معايا ليسانس آداب قسم لغة إنجليزية، عندي 21 سنة.. عندي عيب قاتل، وهو إني جَدّ جداً في كلامي معظم الوقت، وباحس إن دمي تقيل أوي؛ لأن فيه ناس بتحاول تفتح مواضيع معايا وتهزّر وتضحك، وأنا رخم! باحاول أتجنب أي موضوع فيه ضحك؛ لأني باختصار مش أي حاجة بتضحكني، أو بمعنى أصحّ مش من السهل أضحك أو حتى أبتسم، ودي حاجة لا إرادية.. حتى البنت اللي بحبها بتقول لي: إنت ليه مابتضحكش؟؟ مع إن مافيش سبب والله، أنا بس تركيبتي كده. وفيه ناس كتير بتتخنق مني، ويبعدوا عني عشان الموضوع ده.. حاولت أضحك مجاملة؛ بس بتطلع ضحكة صفرا، وعدم وجودها أحسن. حاسس إني كِشَري ودمي تقيل، والناس بتتجنبني بسبب ده؛ لأن المجتمع عايز اللي دمه خفيف ويهزّر ويضحك وكده.. يا ترى فيه حل؟ وشكراً. M.F
صديق "بص وطل" العزيز.. لا تزال في الحادية والعشرين من عمرك، وتسجِن نفسك داخل هذا الإطار الصلب من الجدّية والقناع الأغلظ من التجَهُم؟! فكيف بك إذا أصبحتَ في الخمسين مثلاً؟؟ تعلمُ -بالتأكيد- أيها الصديق بأن الشيء النافع إذا استُخدم في غير موضعه الصحيح؛ فإن العواقب ستكون سيئة.. ووفقا للقاعدة نفسها؛ فالجدية "أسلوب" حميد؛ وأؤكد لك أنه أسلوب لكي تعرف أنه ليس طبعاً مثلما تعتقد أنت أن "تركيبتك كده". الجِد والهزل كل منهما أسلوب لمعالجة الأمور؛ فإما أن يُوظّفه الإنسان في محله، وإما أن يخلط الأوراق جميعاً، ولا ينتبه للسلوك المناسب لمعالجة كل موقف؛ فينتج عن ذلك شخصية جِدّيّة على طول الخط؛ حتى تصل إلى التجهُم و"الرخامة" -مثلما تصفُها- لا تشعر بروح الدعابة أو المرح في المواقف التي تفوح بالفكاهة، أو شخصية هزلية على طول الخط، لا تُقدّر الأمور التي تستدعي الجدية؛ فتعالجها بالهزل والفكاهة؛ حتى تصل إلى التفاهة في نظر الناس. وبما أنكَ تشعر بالمشكلة، وتريد التغلّب عليها؛ فقد قطعت نصف مشوار الحل تقريباً؛ لذا سأهنئك أولاً على ما قطعت من الطريق، وسأحاول أن أُرشدك كيف تُكمله، ولا تتوقع مني أن أعطيك حلاً سحرياً، يجعلك تضحك فوراً؛ وإنما هي علامات على الطريق؛ فأرجو أن توصلك إلى التوازن.. وسنبدأ بالتدريج؛ أي من الابتسام: - عِش الحياة ببساطة، ولا تُعطِ الأمور السلبية أكبر من حجمها، حتى لا تغتال ابتسامتك على الدوام مثلما تعاني الآن.. وبدلاً من تأمّل الأمور السلبية؛ ركّز على تأمّل الأشياء الجميلة من حولك، وتأمّل نِعَم الله عليك؛ مهما كانت بسيطة أو صغيرة، إذا استشعرت فضل الله عليك بوجود كل هؤلاء الأشخاص الذين يحبونك من حولك، وهذه الأشياء البسيطة التي تسهّل لك المعيشة؛ ستشعر بالرضا وتبتسم ابتسامة اطمئنان وغِنى؛ كَمَن تناوَل طعاماً يحبه، أتاه على جوع؛ فلما شَبِع ابتسم في رضا، وقال "الحمد لله". - في أثناء تفكيرك العميق بينك وبين نفسك في أية مشكلة -ولا شك أنك تفكّر كثيراً- حاول أن تتصور أسوأ ما يمكن أن يحدث جراء تلك المشكلة، وأثره عليك أو على أطرافها؛ ولكن في تصوّر ساخر عابث.. لا تعبأ هنا بمنزلة نفسك الجدية، أو بأطراف المشكلة مهما كانوا، أنت فقط تحاول معالجة نفسك هنا؛ لذا ركّز على تصوّر ردّ فعلك وأفعالهم، وحاول أن تجِد لذلك حلولاً حمقاء ساخرة، غير واقعية.. وقتها ستضبط نفسك متلبساً بالابتسام! - ابحث عن الأطفال من حولك وجالسهم، العب معهم أحياناً ولا تستحِ من تحطّم صورتك الجدية التي ألزمت بها نفسك من غير ضرورة؛ وإنما اترك نفسك على سجيّتها تماماً.. وإن كنت تخجل أن يراك أحد الكبار الذين عهدوك متجهماً دوماً؛ فاعرض مثلاً على أصدقائك أو أقاربك أن تصحب أطفالهم في نزهة إلى بعض الحدائق العامة، وانطلق معهم في الركض واللعب.. إذا فعلت ذلك على سجيّتك فعلاً؛ فستسمع قهقهات عالية بأذنيك؛ لتكتشف أنها صادرة عنك! - فكّر في الناس، استوعب ضعفهم الذي أنت لست عنه ببعيد، واستوعب حاجاتهم الصغيرة، التي قد تبدو تافهة في نظرك، مثلما تبدو حاجاتك أنت تافهة في أنظارهم أحياناً.. إذا استوعبت حقيقة ضعف النفس الإنسانية وحاجتها لبعض الأمور الصغيرة -ومن بينها الحاجة إلى الترفيه والضحك- فستجد في صدرك متسعاً لأن تبادلهم الابتسام على دعاباتهم التي يطلقونها أمامك؛ بدلاً من التجهّم ومقابلتها بوجه صلب! وبالتدريج، ستجد نفسك تندمج معهم وتترجم دعاباتهم إلى صور ذهنية، تحملك فكاهتها على مبادلتهم الضحك.. وبالتدريج ستجد نفسك أصبحت تُطلق الدعابات بنفسك.. ربما تكون غير مضحكة في البداية؛ لكن لا بُدّ للترس المتوقف أن يلين قليلاً في البداية يا صديقي، ثم ستجد دعاباتك أصبحت تحمل الناس على الضحك، ومن ثم تصبح لك شعبية، وتصبح من الشخصيات المحبوبة. - تذكّر أن "تبسّمك في وجه أخيك صدقة"؛ كما قال الحديث الشريف؛ أي لنا في الابتسامة أجر من الله تعالى.. فكم أجراً تنوي أن تحصد منذ الآن؟ أخيراً، أشكر لك ثقتك في موقعنا، ونرجو أن نكون عوناً لكل قُرّائنا على اجتياز أية عوائق تعترض طريق سعادتهم.. وعساك أن تكتب لنا قريباً رسالة تبشرنا فيها بالنتائج.