في خارطة العالم توجد تركيا بين الشرق والغرب، تقع بين العالم الإسلامي -الذي كانت مركزا له أيام الخلافة العثمانية- والعالم الغربي الذي ارتبطت به منذ تأسيس الجمهورية التركية. وسط التحليلات السياسية والمصادر التاريخية -التي تركّز فقط على السلطة- من المفيد أحيانا أن نتعرف على آراء أشخاص عاديين من هذا البلد. ربما لا يعبّرون إلا عن أنفسهم، لكنهم يمثلون دوما جزءا من تيار أكبر يحيط بهم. لهذا كان لنا حوار مع محمد قرة من إزمير، وبحكم كونه طالبا يدرس نظم الحاسبات والمعلومات؛ فضلت أن تكون بداية الأسئلة عن التعليم في تركيا.
- ما هي لغة التعليم في تركيا في المدارس والجامعات؟ وهل تفضّل الدراسة بالتركية أم بالإنجليزية؛ لتكون ملمّا بأحدث التطوّرات في مجال دراستك؟ - تعلّمت كل المواد الدراسية باللغة التركية حتى الجامعة، بعدها تعلّمت باللغة الإنجليزية. في الواقع أنا لا أفضّل اللغة الإنجليزية؛ لأن التعلم بغير لغتك الأمّ يجعل الدراسة تتطلب جهدا أكبر. لكن هذا لا يعني أن تهمل الإنجليزية بالطبع. أما عن الوصول إلى أحدث التطوّرات في مجال الدراسة فهو مجهود شخصي من المرء، لا علاقة له بلغة التعليم في الجامعة، سواء إنجليزية أو تركية.
- هل أنت راضٍ عن نظام التعليم في تركيا؟ - لست راضيا، السبب الأهم في ذلك أن كل المعلومات بالإنجليزية، يجب أن نتخلّص من دور المتلقي، وأن تكون لدينا موادنا العلمية بلغتنا، وأعتقد أن لدينا أساتذة يستطيعون القيام بذلك.
- هل يتم الحفاظ على اللغة التركية سليمة دون تأثّرها بالمفردات الأجنبية، أم إنها تأثرت كغيرها من اللغات بالإنجليزية في ظل العولمة؟ - اللغة التركية مُصانة دائما. لا أعرف لماذا، ربما قواعدها أو أي سبب آخر، لكن ليس بسبب القومية. الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا يتكلمون التركية دائما على الرغم من أن بعضهم يعيش هناك منذ أكثر من 30 سنة! الأمر نفسه في تركيا. لكن لا مانع من سماع كلمات إنجليزية في بعض الأحيان لشعبيتها.
- تركيا عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي الوقت نفسه تسعى إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. إلى أي جانب تشعر بانتماء تركيا؟ أم إنك لا تعتقد أن ثمة تعارضاً بين الجانبين؟ - لا أعتقد أن هناك تعارضا، نحن في الوسط بين الجانبين. أنا أتكلم وأفكر كآسيوي، لكني أعيش وأرتدي كأوروبي. معظم الوقت أعتقد أن أوروبا هي هدف يجب النضال من أجله. على الجانب الآخر آسيا بحاجة إلى زعيم، نحن يمكن أن نكون هذا الزعيم، مثلما كنا في الماضي. نحن أعضاء في منظمات آسيوية وأوروبية. يبدو هذا كأنه تناقض، لكني لا أشعر بذلك.
- حظيت المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية بشعبية كبيرة في الدول العربية، مثل مسلسل "نور"، فإلى أي مدى تعبّر هذه المسلسلات عن الحياة في تركيا؟ - بداية أحب أن أوضّح أن مسلسل "نور" لا يحظى بشعبية كبيرة في تركيا. هناك الكثير من هذه المسلسلات وهي لا تعبّر عن واقع الحياة، على عكس مسلسلات تركية أخرى تعبر عن واقع الناس بصدق أو تنتقده بطريقة كوميدية. الشاب التركي: حزب العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا بل حزب يطالب بأمور منطقية - هل الأفلام والموسيقى التركية تحظى بشعبية أكبر أم الأمريكية؟ - الأفلام التركية تتمتع برواج كبير وتنافس الأفلام الأمريكية. على سبيل المثال تم إنتاج 100 فيلم تركي هذا العام وحده. أما الموسيقى فالناس هنا يفضّلون الموسيقى التركية طبعا، لكن لا يخلو الأمر من وجود بعض المثقفين الذين يفضلون الأغاني الأمريكية.
- يرتبط تأسيس الجمهورية التركية بذكرى مصطفى كمال أتاتورك. هل تعتقد أنه ليس من العدل أن يتم اختزال سيرته في إنهاء الخلافة كما يُنظر إليه في الدول العربية؟ - عندما أفكر في أتاتورك تكون الخلافة آخر شيء يطرأ على بالي؛ لأنه أعظم رجل عرفته في أي وقت مضى. لقد تعلمنا أن كل ما وصلنا إليه حتى الآن بسببه، وعلاوة على ذلك فالأتراك لا يهتمون بالخلافة، على الرغم من أنها تعطينا مكانة متميزة في العالم الإسلامي.
ثم انتقلنا إلى الحديث عن الدين والمجتمع في تركيا.. - هناك انطباع في العالم العربي بأن الاتجاه العلماني للدولة أثّر على مكانة الدين في المجتمع التركي، فما رأيك؟ - الدين موضوع مهم جدا في المجتمع التركي، خاصة ما يتعلق بالحجاب. لدينا دوما قناعتان عن الدين، في البيت يعلموننا أن الدين أمر جيد، أما في المدرسة فيعلّموننا أننا عانينا بسببه كثيرًا! مثلا نحن نعتقد أن الحجاب شيء جيد. لكننا نؤمن كذلك بأهمية العلمانية الأتاتوركية؛ هكذا تتصادم القناعتان وتنتصر القناعة الثانية دائما فلا ترتدي الفتيات الحجاب. لكن من ناحية أخرى يطرح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مفاهيم جديدة، تجعلنا نرفض بعض تبعات العلمانية، ونجعلها تتصالح مع الدين. أنا أؤيد ذلك؛ لأن الدين أمر جيد إلى أن يتم استغلاله من البعض بطريقة سيئة.
- بما أنك أثرت مشكلة الحجاب فما هو سبب الحظر برأيك، هل هناك اعتقاد في المجتمع بأن الحجاب رمز للقهر، أم إنه نتيجة العلمانية فحسب؟ إلى أي مدى تأثرت دراسة الفتيات بهذا الحظر؟ - سبب الحظر أن البعض اعتبر الحجاب غير مناسب لمجتمع عصري، فقاموا بحظره مستغلّين علمانية أتاتورك، كما أن بعض الفتيات تأثرت دراستهن بالطبع بسبب المنع، ويرِدْن حلاً للخروج من هذه المشكلة، بينما تقول وسائل الإعلام للناس إن الحجاب نوع من التسلّط. في الواقع مجتمعنا ليس مستعداً لذلك الاستقطاب. لهذا حرية ارتداء الحجاب هي الحل، فالناس الآن ناضجون، ويستطيعون تحديد خياراتهم بأنفسهم دون وصاية من أحد.
أخيرا جاء الدور على السياسة وهو أمر لا يمكن إغفاله أبدا عند الحديث عن دولة كتركيا.. - أريد أن أسألك عن مطالب الأكراد السياسية والاجتماعية، والنزاع الدائر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، هل تعتقد أنها قضية سياسية لا تؤثّر على الحياة بين الأكراد والأتراك؟ وما هو الحل الذي تتمناه للخروج من هذا النزاع؟ - أتصور أنها قضية سياسية، لم أر مشكلة في التعاملات اليومية بين الناس، وأسمع عن أعمال حزب العمال الكردستاني من التلفاز مثلك. المشكلة الحقيقية تكمن في القومية التركية؛ فالمتعصبون لها يعتقدون أن تركيا يجب أن تكون نقية العرق بأي ثمن. الأكراد بالطبع لا يوافقون على هذا. الحل من وجهة نظري هو أن نقبل التعددية، نحن والأكراد نتشاطر نفس الأرض والثقافة والدين، إن لهم حقوقا بقدر ما لنا، لكن أؤكد على أن الإرهاب يجعل حلّ المشكلات أصعب.
- هل الأتراك مهتمّون بالسياسة بشكل عام؟ - نعم، الناس مهتمون جدا بالسياسة؛ لأنهم أحفاد الدولة العثمانية التي قادت العالم 600 عام، لكن هذا الاهتمام يقتصر على إبداء الرأي فقط، والقراءة في الصحف دون نشاط سياسي.
- ما هي عوامل نجاح حزب العدالة والتنمية برأيك؟ - أعتقد أن من أهم عوامل نجاحه أنه يمثّل المجتمع التركي ككل، ولديه أشخاص مؤهلون كعلي باباجان وأحمد داود أوغلو. إنه في الوسط بين العلمانية والدين، ولديه الشجاعة في اتخاذ قرارات مستقلة، وأحلام كبيرة يريد تحقيقها. لكنه في الوقت نفسه يعرف جيدا أننا لن نستطيع التقدم إذا اقتصرنا فقط على انتظار تحقّق حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي.
- ظهرت بعض التوصيات للإسلاميين في العالم العربي لتبني نموذج حزب العدالة والتنمية؛ هل تعتقد أن من قبيل المبالغة وصف أعضاء حزب العدالة والتنمية بالإسلاميين، أم إنه مجرد حزب علماني محافظ؟ - حزب العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا، إنه حزب يطالب بأمور منطقية؛ فالحجاب مسألة حرية، لهذا يقول الحزب إنه من السخف حظر الحجاب، إذا أرادت بعض الدول العربية تبني نموذج حزب العدالة والتنمية فلا يجب أن يفكروا فيه كحزب إسلامي؛ لأن السياسة والإسلام مختلفان تماما! الحزب مجموعة من الأشخاص الأذكياء يفعلون ما يعتقدونه حقا، أوروبا تنصح بكذا وأمريكا تقول كذا، لكن الحزب يصدر قراره في النهاية بناء على مصلحة تركيا العليا.
- أخيرا ما رأيك في العلاقة بين تركيا وكل من أمريكا وإسرائيل؟ - رأيي أنها علاقة صداقة جيدة، وستستمر كذلك إلى الأبد؛ لأن كلا من أمريكا وإسرائيل بحاجة لدولة قوية في الشرق الأوسط كتركيا.