ظهر الإنسان الحديث بشكله الحالي منذ حوالي مائتي ألف سنة مضت، في ذلك الوقت كانت معظم الوحوش الضارية التي عاشت على هذا الكوكب قد انقرضت منذ وقت طويل. لعل العالم فيما مضى كان أشبه بعوالم أفلام الرعب؛ حيث الوحوش الضخمة ترتع في كل مكان، على الأرض، وفي البحار، وفي السماء، ناشرة الفزع أينما تذهب. في المساحة التالية سنستعرض معاً بعضاً من تلك الكائنات المرعبة التي سادت على الأرض، ولم نعرف عنها إلا من خلال الحفريات التي عثرنا عليها.. إنها وحوش من الماضي.
هذا الديناصور الصغير الذي يبلغ متوسّط وزنه حوالي 50 كيلو جراماً فقط، لديه أكبر مخ -مقارنة بوزن الجسم- بين كل الديناصورات، وهذا يعني أنه أكثرها ذكاءً على الإطلاق، ومَن شاهد فيلم Jurassic Park لا بد أنه يتذكّر كيف استطاعت هذه الديناصورات الذكية فتح الأبواب، والدخول إلى المركز الرئيسي لمطاردة أعضاء الفريق العلمي.
يُشبه الترودون الطيور إلى حد كبير، خاصة بذراعيه الصغيرتين المطويتين، ويبلغ طول جسمه من الرأس إلى الذيل 2.4 مترا في المتوسّط؛ انظر الصورة للمقارنة بين حجمه وحجم الإنسان.
بالطبع لم يحدث أن التقى إنسان من قبل بالترودون؛ فالترودون انقرض منذ حوالي 65 مليون سنة! أما الاسم ترودون فيعني "الأسنان الجارحة"؛ ذلك لأن المخلوق وُصف للمرة الأولى بناء على حفرية لإحدى أسنانه عام 1856، وقد كان هذا قبل العثور على أي عظام أخرى له.
ترودون تشير الدراسات التي أجريت على حفريات الترودون إلى أن الحيوان كان على الأغلب سريع الحركة، وتدل عيناه الكبيرتان على أنه كان يُفضّل الحياة الليلية، وهو حيوان مفترس صياد، تساعده في هذا عيناه القويتان، ووزنه الخفيف، وأرجله الخلفية القوية، وتركيب فكيه وأسنانه؛ ومن المرجح أنه كان يأكل اللحوم والنباتات على السواء.
كان الترودون منتشراً في أماكن كثيرة من أمريكا الشمالية، وحتى ألاسكا شمالاً، ويُعتقد أنه كان يُفضّل الأجواء الباردة، وتُرجح الحفريات الكثيرة التي عُثر عليها لهذا الكائن في مساحات شاسعة، أنه كانت هناك عدة فصائل مختلفة من الترودون عاشت في هذه الأماكن المتباعدة جغرافياً، ولا يزال الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد هذه الفصائل.
يتميز الترودون بأسنان حادة تأخذ شكل المثلث لها حواف جانبية مشرشرة التكاثر اكتشفت حفريات بيض وأعشاش للترودون للمرة الأولى في عام 1983، بواسطة جون هورنور في مونتانا بالولايات المتحدةالأمريكية، وتتخذ بيضة الترودون شكل دمعة مستطيلة، وتشير الدراسات التي أجريت على البيض والأعشاش إلى أن الجهاز التناسلي للترودون هو شكل وسيط ما بين الطيور والزواحف؛ فالبيض المرتب في أزواج يدل على أن للترودون قناتي مبيض نشطتين في نفس الوقت كما التماسيح، لكن حجم البيض لا يتناسب مع حجم بيض الزواحف، وإنما أقرب إلى مواصفات بيض الطيور، كما يشترك الكائن مع بعض الطيور في أن الذَكَر هو من يتولّى رعاية البيض.
أسنان مميزة من أكثر الأشياء إثارة بخصوص الترودون أسنانه التي تكاد تأخذ الشكل المثلث، كما أن حوافها الجانبية مشرشرة، هذا يجعل أسنان الترودون حادة جدا، والأكثر من هذا أن الترودون لديه الكثير من هذه الأسنان؛ حيث يتجاوز عدد الأسنان في فمه المائة سن.
كان أول شيء يُكتشف من الترودون هو إحدى أسنانه في القرن التاسع عشر؛ ذلك قبل أن يتم اكتشاف أي شيء آخر منه، والمشكلة أنه قد تم تصنيف الفصيلة بأكملها بناء على هذه السِن، وقد سبّب هذا الأمر مشكلات جمّة بعد ذلك في تصنيف الديناصورات! لم يعثر على أي أجزاء أخرى -بخلاف الأسنان- من الترودون سوى عام 1932، حين عُثِر على قدم وأجزاء من يد ترودون.
كما وجد أن أسنان الترودون التي اكتشفت في ألاسكا، أكبر بشكل واضح من الأسنان التي اكتشفت في الأماكن الجنوبية، ولهذا يُعتقد أن فصائل الترودون الشمالية كانت أكبر حجماً، وتحتاج إلى أسنان أكبر لتتعامل بها مع الطرائد كبيرة الحجم التي كانت تعيش في الشمال، بينما فصائل الترودون التي تعيش في الجنوب كانت أصغر حجما، وتتعامل مع طرائد صغيرة.
شكل افتراضي للكائن المقترح Dinosauroid الناجي الوحيد! عام 1982 ظهرت نظرية علمية ترجح أن الترودون لم ينقرض مع باقي الديناصورات في الحدث الغامض الذي أدّى إلى انقراضها منذ 65 مليون سنة؛ وإنما استمرّ وتطوّر ليأخذ شكلا شبيها بالشكل البشري، ويتمتع بذكاء مرتفع. صاحب النظرية هو العالم ديل راسيل، وقد أسمى الكائن المقترح Dinosauroid، وبنى راسيل النظرية بناء على ملاحظاته على جماجم السلالات التالية من الترودون؛ حيث لاحظ أن حجم المخ مقارنة بحجم الجسم يزيد باستمرار، كما لاحظ أن السلالة التالية المعروفة ب Troodontid تتمتع بأطراف متطوّرة تستطيع أن تقبض جيداً على الأشياء.
قوبلت النظرية بكثير من الاعتراضات، وإن كانت بعض الاعتراضات قد اقتصرت فقط على مسألة تطوّر الأطراف الأمامية لهذا الكائن إلى أيدٍ بشرية، ورجحت أن تُشبِه أطرافه أطراف الطيور، وتظلّ باقي النظرية بخصوص الكائن الذي يبدو مزيجاً من ديناصور وإنسان محل شدّ وجذب بين العلماء. إضغط لمشاهدة الفيديو: