استمدّوا وقود نشأتهم الأولى من جذوة نار باقية من هبة دكتور "مصدّق" -رئيس حكومة إيران الأسبق- سنة 1952 ضدّ السطوة الأمريكية البريطانية على إيران.. نادوا بالشرعية الدستورية والنظام الاشتراكي الإسلامي، الذي يستقي أفكاره الأولية من ثورة أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- على تكنيز الأغنياء للمال، واستئثارهم بالثروات، كما عانوا قمع نظام الشاه السابق، واليوم يواجهون نظام "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" العتيد، بما فيه من "آيات الله" وحرسهم الثوري.. إنها منظمة مجاهدي خَلق الإيرانية أو "سازمان مجاهدين خلق إيران". النشأة الأولى سنة 1965 نشأت المنظمة على يد محمد حنيف الناشط السياسي، الذي كان ينادي بوأد الخلافات بين أبناء الأمة؛ لصالح القضايا المشتركة. ضمّت المنظمة كثيرا من الأكاديميين والفنانين والمثقّفين والأدباء، ووقفت بضراوة في وجه نظام الشاه محمد رضا القمعي، مطالِبة بإقامة نظام ديمقراطي اشتراكي إسلامي فيه احترام لحقوق المواطنة. قامت المنظمة بتحريك مظاهرات قوية وفعالة ضد النظام الشاهاني، مما استفزّ جهاز أمنه "السافاك" إلى اعتقال كثير من أعضاء "مجاهدي خلق"، وتعريضهم للتعذيب والمحاكمات السريعة والإعدام، وكان منهم القائد الحالي للمنظمة مسعود رجوي، والذي خُفّفت محكوميته بالإعدام إلى السجن المؤبد؛ نظرا لتحريك قضيته دوليا. "مجاهدو خلق" أبدوا صلابة شديدة في مواجهة ضغوط وحصار النظام، وتحالفوا في النهاية مع ثورة الخميني الوليدة، وباقي منظمات المعارضة -إسلامية ويسارية- ووصلوا جميعا للنتيجة سنة 1979، وهي إسقاط نظام الشاه. لم تكن هذه هي النهاية بالنسبة لكفاح "مجاهدي خلق"، بل كانت بداية مرحلة جديدة من صراعهم الطويل مع نظام "آيات الله". صراع حلفاء الأمس بعد نجاح الثورة الإيرانية وتربع الخميني على قمة هرم السلطة بدأ الخلاف الذي كانت نواته اختلاف رؤية الجانبين -الخميني وأتباعه و"مجاهدي خلق"- للنظام الإسلامي للحكم؛ فالخميني كان من عتاة المنادين بولاية الفقيه، بينما كان المجاهدون يرون أن نظام الحكم الإسلامي ينبغي أن يقوم على احترام الديمقراطية، وعدم استئثار فئة من الشعب بالحكم والقرار. بالتالي فقد عبّرت الحركة عن موقفها هذا بالامتناع عن التصويت على الدستور المطروح من نظام الخميني، فما كان منه إلا أن أصدر فتوى بتحريم ترشّح من امتنعوا عن التصويت لمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا ليقطع الطريق على مسعود رجوي -زعيم "مجاهدي خلق"- على الترشح، ثم قام الحرس الثوري سنة 1981 بفتح النار على مظاهرة تابعة للحركة، فكانت هذه بداية انتهاج "مجاهدي خلق" ما اعتبروه "كفاحا مسلحا ضد الطغيان"! بدأت المنظمة باستهداف رموز نظام الخميني بالعبوات الناسفة، فقتلت حسين بهشتي -رئيس المحكمة الدستورية العليا- ومعه 72 من قيادات الدولة في تفجير استهدف مقر الحزب الحاكم، وسنة 1981 اغتالت كلا من رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس وزرائه محمد جواد بهنر، بل وحاولت اغتيال المرشد الحالي علي خامنئي مما أصاب يده اليسرى بشلل دائم. نشأت المنظمة سنة 1965 على يد الناشط "محمد حنيف" ردت السلطات الإيرانية بحملات الاعتقالات والإعدام بحق أعضاء المنظمة، التي أطلق عليها النظام اسم "زمرة المنافقين"، وصنّفها كحركة إرهابية مارقة، تم إعدام عشرات الآلاف من أبناء المنظمة، مما دفع قياداتها للهرب إلى الخارج، وعلى رأسهم مسعود رجوي الذي توجّه إلى باريس، ليقود من هناك تحالفا معارضا بين المنظمات والجهات المعارضة لنظام حكم "آيات الله"، حمل التحالف اسم "المجلس الأعلى للمقاومة الإيرانية"، وضم 5 منظمات وأحزاب وعضوية 550 شخصية إيرانية عامة، إضافة لجيش التحرير الوطني الإيراني، الذي يعتبر الجناح العسكري للمنظمة، والذي يتميز بضمه عددا كبيرا من القيادات النسائية، وسنة 1993 قام التحالف بانتخاب السيدة مريم رجوي -زوجة مسعود رجوي- كرئيسة مؤقتة لإيران من المنفى، بهدف أن تؤمّن عملية نقل سلمية للسلطة للشعب الإيراني بعد إسقاط النظام الحالي. المنظمة والقوى الغربية رغم حساسية العلاقات بين دول الغرب والنظام الإيراني، حاولت الدول الغربية كسب رقعة جديدة لدى النظام، من خلال وضعها "مجاهدي خلق" على قوائم المنظمات الإرهابية، وبالتالي قرّر الاتحاد الأوروبي تجميد أرصدتها لدى بنوك أوروبا، كما وضعتها أمريكا على لائحتها للإرهاب سنة 1997، مما دفع أعضاء المنظمة للهروب إلى العراق، الذي كان تحت حكم صدام حسين -العدو اللدود للنظام الإيراني- والذي رحّب بالحركة في العراق، وفتح لها الباب للوجود والعمل، بالذات خلال الحرب العراقية الإيرانية. واستقرت المنظمة في عدة أماكن أهمها معسكر "أشرف" على بعد 100 كيلومترا من الحدود العراقية الإيرانية، وضم هذا المعسكر بالذات 6000 من عناصر الحركة. بعد سقوط نظام صدام حسين واجهت الحركة خطر الطرد من العراق، رغم سعي أمريكا لحمايتها وتسوية وضعها، وهو الأمر الغريب على أمريكا وهي الدولة التي طالما سادت العداوة علاقاتها بالمنظمة خلال حكم الشاه، حيث كان "مجاهدو خلق" يعتبرونها -أمريكا- القوة الإمبريالية المدمّرة في إيران. وفي الوقت نفسه لوّح النظام الإيراني بورقة العفو عن أعضاء "مجاهدي خلق"، دون قياداتهم، إذا سلّموا أنفسهم وعادوا للبلاد، وتعهّدوا بالتوقف عن النشاط المعارض. وكانت المنظمة قد عرضت من قبل العودة لإيران شريطة تعهّد النظام عدم ملاحقة عناصرها أو قياداتها، وشروطا أخرى حددتها مريم رجوي. سنة 2008 تحقّق نصر قضائي كبير للمنظمة، بأن قضت محكمة العدل الأوروبية برفعها من قائمة المنظمات الإرهابية، ووقف قرار تجميد أرصدتها، وحاليا تدرس واشنطن القيام بإجراء مماثل، بل وانطلقت الحملات في أوروبا نفسها وكندا والبرلمان الأوروبي للدعوة لمساندة تحالف المعارضة الإيرانية في المنفى، ووقف حصار النظام العراقي الحالي لنشاطاتها في "أشرف". وسنة 2009، خرجت شائعات من أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني عن احتمال نقل معسكر "مجاهدي خلق" من العراق إلى باكستان، أو مصر (!!)، بحجة أن تلك الأخيرة علاقاتها بإيران متدهورة، الأمر الذي نفاه المتحدثون باسم "مجاهدي خلق"، قائلين إنها مجرد شائعات تروّجها السلطات الإيرانية؛ للضغط على النظام العراقي، الذي كان قد صرّح بأنه رغم تجميده نشاط الحركة وتصنيفه إياها كمنظمة إرهابية فإنه لن يسلم أيا من أفرادها لإيران! ختام حركة "مجاهدي خلق" من الحركات السياسية المحيرة للمتابع للساحة، فهي منظمة وطنية خالصة، لكنها -كما يبدو- موضع للمنافسة بين قوى أجنبية؛ لاستغلالها لضرب النظام الإيراني الحالي المغضوب عليه دوليا، مما يجعلها بين نار النظام الإيراني الغاضب عليها، ونار القوى الراغبة في استغلالها لأجندات يعلم الله محتواها.