أنا مش عارفة أبدأ منين، بس أنا حاسة إني بضيع! أنا مخنوقة ووحيدة أوي ومش بقيت حاسة بحاجة خالص.. مشكلتي إني من صغرى بابا كان بيتخانق دايماً مع ماما، وكان بيضربها قدام عيني أنا وإخواتي كتير، لدرجة إني أخدت على كده ومش بقيت كمان أعيط لما أشوف حاجة زي دي، كبرنا على كده وهو بدأ يتغير.. بقى أحسن شوية وقعد في البيت نتيجة إنه كان تعبان، وأنا كنت بشتغل فترة كبيرة وأنا بدرس وأكمل، عشان أنا بحب يكون ليّ فلوس خاصة، لأني بتحرج أطلب من حد فلوس.
كمّلت كليتي وفي آخر سنة من حوالى 4 سنين، اتعرفت عليّ زميل ليّ كان بيقول إنه بيحبني. وأنا حبيته عشان حسيت معاه بالأمان والحنان.. كنت خايفة إنه يضيع، جه اتقدم وبابا رفضه عشان ظروفه كانت عادية، بابا كان عايز الحاجات بتاعة الشباب اللي معاهم، وده كان لسه في أول الطريق.كبر في نظري وقررت إني أقف جنبه.
أهله كانوا عارفين، وكانوا بيحبوني أوي وأختي الكبيرة كانت عارفة.. بعد سنة بقى إنسان تاني بعد بابا ما أجل الموضوع لما يكوّن نفسه.. راح كلّم بنات وخانّي وسابني كتير، وكان يرجع وأسامحه، وفضلت جنبه في كل حاجة، مش قصرت في حاجة، بس هو جرحنى كتير، وكمان أصحابي كله بتاع مصلحته، أقدم لهم الخير أجني منهم شر، كل حد بيدور على حياته ونفسه وبس، حتى هو مش بيفكر ولا بيعمل حساب لغير لنفسه..
أنا المرّة دي اللي بعدت عشان مش بقيت مستحملة دور المظلومة، وكل حدّ يقولّي كلمة مالهاش لزمة. ودلوقتي بابا قاعد في البيت، بس أنا جُوايا جرح منه وحاجات مش قادرة أنساها، وهو برضه ماتغيرش كتير، ساعات يقوم متخانق تاني. بقيت أحس إني نفسي أموت لدرجة إني فكرت في إني أنتحر بس عشان أنا بصلي خفت من ربنا، بس تعبت أوي من حياتي..
أنا وحيدة أوي رغم إني حولي ناس كتير، نفسي أعيش سعيدة، أكون حاجة بس مش عارفة.. حاسة إني خلاص انكتَب عليّ دور المظلومة ده.. قولولى أعمل إيه؟ أفرح إزاي.. ولا خلاص أنا مش هشوف الفرحة؟ أنا دلوقتى قاعدة في البيت بفكر، وعايشة وخلاص، مش حاسة بأي حاجة ولا بنفسي، حاسة إني ميتة بس موجودة في الدنيا، وكمان فيه فرق معاملة بينى وبيت أختي اللي بحبها أوي، وقريبة مني شوية بيعاملوها أحسن مني كتير، وكمان عادى إنهم يبينوا ده! أنا مش فارقة معاهم كتير، أنا بحس بكده ومن المواقف اللي بتأكد ده.
m
عزيزتي.. هناك حكمة تقول "الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون". والحكمة بليغة حقاً، فالحصرم هو العنب قبل بدء نضجه، ويكون طعمة لاذعاً وبشعاً، ومعنى المقولة أن الآباء يفعلون ما يريدون، في حين يجني الأبناء الذنب.
دائماً وأبداً ما يجني الأبناء حصاد أخطاء آبائهم، فما كان يفعله والدك مع والدتك لا يمُتّ إلى الإنسانية بِصلة، ولكن ما الحيلة؟ رضينا أم أبينا، فهو أولا وأخيرا أبوكِ، ونحمد الله أنه بدأ يخفف من هذه المعاملة القاسية إلى حد ما..
نأتي إليك أنتِ عزيزتي.. لا أنكر أن الظروف قد جَنت عليكِ، بداية من معاملة أبيك.. إلى ذلك الحبيب الذي خذلكِ ولم يصبر على ظروفك القاسية كما صبرتِ أنتِ عليه، لأنه مهما حدث من إجحاف من أبيك به، فأنتِ نفسك قد ظُلمت، وليس من المعقول أن يزيد الظلم ظلماً، ولا يصح له أن يخونكِ ويتعرف إلى فتيات أخريات، وخيراً فعلتِ أن تركتِه، لأنه لا يصلح لفتاة مثلك، عانت ما عانت، وتريد مَن يخفف من جراحها لا من يزيدها ألماً..
أما عن معاملة الأصدقاء وشعورك بالضيق من والدك، ومعاملة أختك بصورة أفضل مما تتعاملين به، وأخيراً تفكيرك في الانتحار! فتناسَيْ كل هذا يا عزيزتي، أخبري ذاتكِ أنكِ ستبدئين بداية جديدة لن يفسدها هؤلاء. وهناك مقولة جميلة حاولي السير على خطاها، وسوف يوفقك الله لكل خير إن شاء الله.. المقولة هي: "البعد عن الناس غنيمة، والبعد عن الله جريمة"..
لنأخذ الشق الأول من المقولة، تعاملي عزيزتي مع الناس في أضيق الحدود، ولكن دون أن تصبحي انطوائية وكئيبة، بل اجعلي علاقاتك كلها جميلة وودودة، دون انغماس في علاقات متشابكة، أو في قِيل وقال ومشكلات، وغيرها من الأمور.. فلا تنفتحي بشدة فتصبحي نهباً لهم، ولا تنغلقي فتصبحي منبوذة منهم..
واجعلي معظم طاقتك في الشق الثاني من المقولة وهو التقرب من الله، وليس معنى التقرب هنا هو الصلاة والصيام وما إلى ذلك من تلك العبادات الواجبة، فهذه عبادات واجبه نفعلها جميعاً، ولكن هناك عبادات أخرى تعود عليكِ بالسعادة قبل أن تعود على الآخرين، وهي أن تعيشي حياتكِ من أجل الآخرين. والآخرون هنا هم مَن لن ينكروا جميلك أو فضلكِ أبداً، حاولي عزيزتي مساعدة بعض الناس المحتاجين، وأنا هنا لا أقصد المساعدة المادية، بل أقصد بعض المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو كبار السن في دور المسنين، بعض ملاجئ الأيتام.. كل هذه الأشياء إذا تفانيتِ فيها سوف تُنسيكِ كل مشكلاتك، وتشعرك بمدى أهميتك، وكيف أنكِ تفرقين حقاً في حياة أناس آخرين، وجودك لديهم يصنع فرقاً حقيقياً..
ستجدين نفسكِ تدخل في صفاء لن تتخيليه، وتشعري بالسعادة المفقودة التي تبحثين عنها، سعادة لا حدّ لها لمجرد ضحكة ترتسم على وجه طفل يتيم أنتِ أسعدتِه، أو لمسة عرفان من ذي حاجة خاصة بعدما ساعدتِه..
الحياة يا عزيزتي دون الآخرين مريرة، ولكن ليس الآخرين الذين ينكرون الجميل، اذهبي عزيزتي إلى الفئات التي تتأكدين من أنكِ لو فعلتِ بها خيراً فلن ينكروه لكِ أبداً، ولن يضيع الله أجرك فيه، ووقتها لن تشعري بالظلم أبداً، بل سوف ترثين لحال هؤلاء الناس، وتشعرين داخلكِ بأنكِ أفضل منهم بكثير، وأن الله قد حباكِ بأشياء كثيرة قد حُرموا منها..
هؤلاء الأيتام، أو العجائز، أو ذوو الحاجات الخاصة -وما أكثرهم في بلادنا- وحاجتُهم إلى أمثالك، أمثلة لمن شعروا بالظلم وعانوه، وعندما يزيلون أي ضيق عن الآخرين، يمحو الله شعورهم العارم بالظلم والضيق، ووقتها سوف تأخذين ثواباً من عند الله، واسترخاءً وراحة للنفس والبال، لمساعدتك من يستحقون المساعدة..
وفي الوقت ذاته ابحثي عن عمل تحبينه وتجدين فيه ذاتك، عملٍ يؤكد شعورك باستقلالك وعدم حاجتك لأحد، ومع العمل والتعرف إلى الحياة من منظار أقرب؛ ستجدين ذاتك. ولا تتعجلي الحب ولا الزواج، وانتظري حتى يرزقك الله بابن الحلال الذي يعوضك عن هذا كله، وفقكِ الله لما فيه الخير..