ثمة ثورة في إيران؛ ولكنها هذه المرة لا تتعلق بالسياسة أو الدين أو سباق التسلح النووي؛ وإنما ترتبط في الواقع بإرضاء غرور النفس، ترتبط بالجمال أكثر من أي شيء آخر، وقد ازداد عدد الإيرانيين -من الرجال والنساء- الساعين لتغيير ملامحهم بتدخّل من المِشرط الجراحي زيادة مطردة على مرّ السنين؛ ربما يُعزى هذا إلى القنوات الفضائية والإنترنت، التي تمطر الإيرانيين بوابل من صور وأيقونات الجمال الغربية على مدار الساعة؛ مما يوضّح تأثير الغرب على الثقافة الإيرانية بصورة جلية لا يمكن إنكارها تتضح في تصميمات الملابس، والإسراف في الماكياج، والكثير من المجوهرات المبهرجة. أصبحت جراحات التجميل تمثل أحد أكبر اتجاهات الجمال في إيران؛ حيث العشرات من جراحات التجميل متاحة للنخبة الإيرانية؛ بدءا من جراحات شدّ الوجه، والماكياج بالوشم؛ وحتى زراعة الماسات الصناعية المتلألئة في اللثة جراحياً؛ ولكن الجراحة الأكثر شعبية وطلبا رغم ذلك هي جراحة تجميل الأنف؛ حتى أن إيران قد أصبحت عاصمة جراحات الأنف في العالم. وهناك مثل شعبي إيراني قديم يقول "اقتلني واجعلني أجمل"، وقد عاد للشيوع من جديد؛ بسبب رواج عمليات التجميل بين الإيرانيين، وربما جاز تعديل هذا المثل ليصبح "اقتلني واجعل أنفي أجمل"؛ حيث تحتلّ إيران المرتبة الأولى عالميا في إجراء هذا النوع من الجراحات التجميلية. الأنف الجميل علامة المستوى الاجتماعي الرفيع لم يعد غريبا أن تشاهد الأنوف المحاطة بضمادات طبية من البلاستك، وأنت تتجوّل في شوارع العاصمة الإيرانية، وليس هذا إجراء احترازيا من التلوث البيئي، الذي تخطّت فيه طهران الأرقام القياسية عالميا؛ لكنها آثار لعمليات تجميل الأنف المألوفة هناك، والتى تستقطب طلاب الجمال؛ لا سيما النساء. عمليات التجميل بشكل عام والأنف بشكل خاصّ تلقى في الآونة الأخيرة إقبالا كبيرا لدى فئة الشباب الإيرانيين؛ بسبب رغبتهم في الظهور أكثر جمالا؛ ونظرا لكفاءة ومهارة الأطباء الإيرانيين في هذا المجال؛ فضلا عن انخفاض الكلفة المالية لمثل هذه العمليات مقارنة بقيمتها في بعض الدول المتقدمة؛ حيث تتراوح تكلفتها ما بين 400 إلى 500 دولار أمريكي، وتتواجد نحو 100 عيادة مرخصة لهذا النوع من العمليات. إيران عاصمة جراحات الأنف في العالم "إصلاح الأنف أسهل من إصلاح الكثير في هذا البلد"، على حد قول "رامين فلاحي"، في حديث ل"الجزيرة نت"، ذكر "فلاحي" البالغ من العمر 22 سنة، والذي يعمل مهندسا للكمبيوتر، أن اثنين من أصدقائه قد أخضعا أنفيهما لعملية تجميل، وأشار إلى أن الأنف المستقيم الجميل بات علامة على مستوى اجتماعي رفيع، مقابل الأنف المدبّب الكبير الذي صار علامة طبقية غير مرغوب فيها. ويرى المتحدّث نفسه أن تجميل الأنف أو "إصلاحه" -كما يحلو له أن يسميه- يجعل الإيرانيين أكثر شبها بالعرق الآري الذي ينتمون إليه. أما صديقه "رضا خدا بخشي" فيرى أن الإيرانيين لديهم مشكلة في شكل أنوفهم؛ لأنها في الغالب كبيرة، وأن التجميل يمنح إحساسا بالثقة، ويساعد على النجاح في العمل وبناء العلاقات. وكان الرحّالة "ويلز" -الذي زار إيران في فترة "ناصر الدين شاه القاجارية"- قد سجّل في مذكراته اهتمام نساء الطبقة العليا في إيران بجمال وجوههن، وسعيهن لجعلها مختلفة عن نساء الطبقة الوسطى. جراحات التجميل أسلوب للاحتجاج وإثبات الذات إقبال النساء في إيران على جراحات تجميل الوجه بات ظاهرة لافتة للانتباه، حتى أصبحت عبارة "أنوف صغيرة متشابهة" جواب نكتة دارجة تسأل عن القاسم المشترك بين نساء طهران. وفي المنطقة المحيطة بميدان "ونك"؛ حيث تنتشر الكثير من العيادات التجميلية تقابل الكثير من الفتيات، وهنّ خارجات للتو ولا تزال عليهن آثار مبضع الجرّاح. في إحدى العيادات تقول "فرشته بيروستامي" وهي تتأوه والزرقة على وجنتيها "أنفي لم يكن يحتمل، كان قبيحا، وكان الشبان في الشارع يُسمعونني كلاما قاسيا"، وتواسيها "ندا نصيري" التي أصلحت أنفها أيضا بالقول: "لا غنيمة بدون ألم، فيما بعد ستشعرين بالفرق والسعادة". وحسب الباحثة "باران شجاعي" المتخصصة في علم الاجتماع فإن إقبال الإيرانيات على التجميل له أسباب؛ من أبرزها فرض الحجاب؛ حيث "أصبح الوجه مجال المرأة الوحيد لإبراز مفاتنها، وهو ما يفسّر الإفراط في استخدام مساحيق التجميل حتى بين الطالبات والفتيات المراهقات". وتضيف "شجاعي" أن هذه المظاهر في بعض جوانبها "أسلوب للاحتجاج على فقدان الفرص التي تمكّن المرأة من إثبات ذاتها". أعداد كبيرة من الإيرانيات تخضع للمشرط من أجل عمليات تجميل الأنف 50 ألف عملية تجميلية للأنف.. وحالتا وفاة يوميا وتشير نتائج دراسة أجراها الدكتور "عبد الرضا كردي" -الأستاذ بجامعة طهران- أن إيران تشهد يوميا وفاة امرأتين أثناء إجراء عملية تجميلية؛ وحسب ما أفادت به "نقابة جرّاحي التجميل الإيرانية" يوجد في إيران 3000 طبيب يجرون هذه الجراحات، 125 منهم فقط هم من لديهم الإذن القانوني بذلك، وقد حذّرت "رابطة الجراحين الإيرانيين" من خلال موقعها على الإنترنت المواطنين من وجود الكثير من الأطباء غير المتخصصين، ويقول إحصاء رسمي للرابطة إن إيران تجري سنويا 50 ألف عملية تجميلية للأنف، نصيب الرجال منها 15 ألفا. وفي حديث لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) حول هذا الموضوع قال د. "حميد عارف" -أخصائي الجراحة التجميلية وعضو نقابة جراحي التجميل الإيرانية- إن عمليات الجراحة التجميلية للأنف عدة أنواع؛ منها جراحة لتصحيح انحراف الأنف، بحيث يتم تعديل الاعوجاج في شكل الأنف، ليصبح أكثر تناسقا وجمالا، ومنها ما هو جراحة ترميمية لإصلاح شكل الأنف، الذي يصاب غالبا ببعض الكسور نتيجة حوادث السير أو غيرها. وأرجع الدكتور "عارف" تاريخ عمليات الجراحة التجميلية للأنف إلى ما قبل 600 عام قبل الميلاد، موضحا أن أول من بدأ إجراء هذه العمليات هم الفراعنة المصريون، ومن بعدهم الهنود؛ حيث كانت هذه العمليات في الغالبية تجرى للأشخاص الذين يتمّ عقابهم بقطع أنوفهم، أو الذين يصابون بالجرب أو الذين يُعانون مشكلات في الجيوب الأنفية. وفي المقابل هناك أعداد متزايدة من النساء الإيرانيات تخضع للمشرط من أجل عمليات تجميل الأنف أو البطن أو الشفاه أو الحواجب أو تكبير الصدر، وانتشرت في العاصمة الإيرانية العشرات من مراكز التجميل، بما فيها المراكز الرياضية وصالونات التجميل من أجل تحسين مظهر المرأة الإيرانية. تقول "سارة"، مديرة أحد مراكز التجميل الذي يستقبل حوالي أربعين زبونة في اليوم: "من بين زبائننا من يرتدين "الشادور"، إنهن يرغبن في أن يظهرن جميلات في الحفلات الخاصة"، وتضيف قائلة: "تدرّ الأعمال المتعلقة بالمظهر النسائي في إيران أموالا كثيرة، ونحن نوفر لهنّ خدمات مختلفة منها التدليك، والتعرّض للأشعة، وتنقية بشرة الوجه". يبدو أنه لا شيء استطاع أن يمنع المرأة الإيرانية من الاهتمام بمظهرها كما هي طبيعة المرأة، حتى وإن كانت في دولة لا يسمح فيها للعزاب من الرجال والنساء بالاختلاط، وحيث يتوجب على المرأة أن تتقيّد بالزيّ الإسلامي أو "الشادور" الذي يُخفي كل معالم الجسم، أو ارتداء الملابس الطويلة حتى القدمين، التي فرض على النساء ارتداؤها في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، وبالرغم من معاقبة من تخالف ذلك بالغرامة أو الجلد أو السجن.