أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة.. الحمد لله أعمل معيدة منذ أكتر من سنتين، ولي أخ في الكلية الحربية.. الحياة عندنا جيدة جداً؛ لكن المشكلة أنني أسكن في بيت عائلة فيه كل أعمامي، والمشكلة تبدأ من هنا.. كل أعمامي تعليمهم عالٍ، وكلهم ذوي مراكز مرموقة؛ إلا عم مدمن وأحياناً يبيع للناس المخدر.. هل تتتخيلون مدى صعوبة ذلك؟
أخي دائماً مضطرب وخائف على مستقبله، وكلما يسمع بنزول عمي إلى الشارع يخاف أن يُقبض عليه.. أما أنا فعندما يأتي أحدهم ويطلب يدي، يكتشف الصدمة الكبيرة؛ فيبتعد دون أي سبب.
حتى بنات أعمامي رضوا بأن يتزوجوا من أشخاص من العائلة ليسوا من مستوانا العلمي؛ لمجرد شبح العنوسة والخوف من تكرار مأساتي.
والدي وأعمامي يئسوا منه، وزاد الطين بلة أنه أصبح يأتي بمتعاطين معه إلى البيت، وحُجته أنه يملك شقة خاصة.
إن خوفي على نفسي ليس كخوفي على أخي.. فكرت كثيراً أن أقتله ونستريح كلنا منه؛ لكني أعلم أن القتل حرام.. لكن لو وضعت له السمّ في الأكل؛ فهل هذا حرام بعد كل ما حكيته؟
ماذا أفعل؟ لأني بالفعل في مأساة حقيقية.
sss
هناك قول مأثور للكاتب الإنجليزي "هكسلي" يقول فيه: "لو رأى البشر بعضهم البعض على حقيقتهم لقتل بعضهم بعضاً كالحشرات، أو لشنقوا أنفسهم".
ولعلك تظنّين يا عزيزتي أنك ترين عمّك هذا على حقيقته، وأنه يستحق الموت من أجل أن تعيشوا جميعاً في سعادة ودون خوف من عار سيرته وأثرها عليكم؛ ولكني أؤكد لك أنها ليست الحقيقة؛ بل هو اختلاط الأمور، وأفكار الشيطان ليُيَئِّس بها عباد الله من بلاء أوجده الله.
عمّك الضائع هذا، من المؤكد أن خلفه أسباباً دفعته لهذا، أو لنقُل إنه من النفوس الشقيّة بأفعالها، التي تُشقي من حولها بما تفعل.. كل أعمامك حاولوا منعه مما يغضب الله ويسيء إليكم، فلم يرتدع؛ فماذا أنت فاعلة.. أتقتلينه؟
بأي حق نقتل العاصي أو حتى نقتله لو كفر.. ما عليك من حسابه من شيء فتقتليه فتكوني من الظالمين الهالكين.. هي فكرة يقذف بها الشيطان في رأسك ليُشعرك بأنه السبب في كل مصائب العائلة، والله سبحانه وتعالى هو العدل الذي قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؛ فكيف سيحمّلك الله وزر عمك ويضيّع حياتك أو حياة أخيك بسببه؟
الله ليس بظلّام للعبيد، وما كتبه لك سترينه مهما كان ظنّك وظنّ الميحطين بك؛ فلا تخشي على مستقبلك ولا مستقبل أحد منكم؛ فأمركم بيد الملك العادل.
إن إيماننا بالله وبأنه الآمر الناهي لكل شيء يرفع عن قلوبنا همّ كل ما يحيط بنا؛ فاجعلي من ثقتك في الله دليلاً لك في أمور حياتك يرتاح له قلبك وينشرح له صدرك.
فإن استطعتم الخروج من هذا البيت؛ فافعلوا، وإن لم تكن الظروف تسمح بذلك؛ فهو أمر الله، وعليك الصبر وحُسن الفهم عن الله.
ليفعل عمك ما يفعل، ولينظر الناس كما شاءوا؛ فالمؤمنون الحقيقيون يعلمون ما أقوله لك، وأنه لا ذنب لك أو لأحد من أهلك فيما هو فيه، أما الذين لا ينظرون بعين الحق والعدل؛ فلينظروا ما شاءت لهم أنفسهم أن ينظروا؛ فالحمد لله أن لم يجعل أمر أحدنا في يد الناس؛ بل أمرُنا في يديه سبحانه.
تذكّري يا عزيزتي الحديث الشريف الذي يقول: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رُفعت الأقلام وجفّت الصحف".
واعلمي أن لكل إنسان بلاءه في الدنيا خيراً أو شراً.. وعلى كل منا أن يصبر على بلاء الله؛ فإن صَبَر وشكر عَوّضه الله بخير مما يتمناه لنفسه؛ فاصبري يا عزيزتي، وافصلي أمر حياتك عن هذا الرجل؛ فأمرك في يد الله؛ فإن وثقت في ذلك ارتحت، وإن ظننت أن أمرك في يد الناس بسبب تصرفات عمك؛ فهو بعيد عن الحقيقة.
لقد كان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ الناس جهالة وعداوة للرسول والإسلام، ولطالما عذّب المسلمين؛ فلم يؤثر ذلك على رسول الله ونشر الدعوة، وهو في مكانه الذي لا يضاهيه أحد من أهل الأرض والسماء.
كل شيء يتغير مع الأيام، والله يعطي لكل إنسان ما يستحقه؛ فادعي له بالهداية ولا تستبعديها عليه؛ فكم هدى الله مَن هم أشد منه معصية وصاروا من فرسان الإسلام والدعوة، وكم من إنسان كان ذا خُلق، ثم أوقعه الشيطان فيما هو أسوأ من فعل الجهلاء.. أشفقي عليه؛ فهو ضائع وخاسر، وبدّلي غضبك عطفاً؛ فهو هالك فيما هو فيه.
وثقي أنك ستأخذين من دنياك ما قدّره الله عليك؛ سواء كان هذا الرجل في حياتك أو خارجها؛ فابتعدي عن هذه الكراهية، واجعلي عينيك على مستقبلك وتوجهك لربك.. وعسى الله أن يجعل من بعد عسر يسراً.