في خطوة جديدة لكسر الحصار، زار عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، أول أمس (الأحد) غزة في أول زيارة له إلى القطاع، عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.. وخلال جولته التقى "موسى" الفصائل الفلسطينية وشخصيات المجتمع المدني، وزار مستشفى الشفاء ومقر "الأونروا". ولكن ما هي "الأونروا" (UNRWA)؟ "الأونروا" هي وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي منظمة دولية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد الدولي لحوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني، مسجّلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم.
ويأتي تمويل "الأونروا" بالكامل تقريباً من خلال التبرعات التي تُقدّمها الدول الأعضاء في منظّمة الأممالمتحدة، والمدهش -وحسب معلومات "الأونروا"- أن الميزانية السنوية لها تبلغ 560 مليون دولار، تدفع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي 98% منها، والدول العربية مجتمعة تدفع 1.5% فقط؛ باستثناء ميزانية الطوارئ العاجلة التي تحصل عليها من وقت لآخر.
ويقول نائب مدير برنامج التعليم ب"الأونروا" إنهم مع بداية العام الدراسي الحالي قاموا بتثبيت 979 معلماً ومعلمة للعمل في مدارسها، وفتح تسع مدارس جديدة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدن قطاع غزة المختلفة.
ف"الأونروا" تدير المخيمات وتوزع الأطعمة وتوفر فرص العمل وتقيم الأنشطة للصغار، وجدير بالذكر أن المستفيدين من الخدمات التي تقدمها "الأونروا"، نحو 700 ألف مستفيد من أصل مليون ونصف المليون عدد سكان القطاع.
"الأونروا" نصيرة المنسيين بأفلام قصيرة ومقالات على موقعها تحاول "الأونروا" تسليط الضوء على اللاجئين الذين يعيشون على الهامش، فتظهر مدى شجاعتهم وبطولتهم في مواجهة تحديات الحياة اليومية تحت نيران الاحتلال والفقر، ومنها قصة "سالي مسعود" ابنة الأعوام العشرة التي تقول وهي تبتسم: "أرغب بأن أدرس وأصبح طبيبة".
وعائلة "سالي" -لسوء حظها- تعيش في منطقة التماسّ الواقعة في الضفة الغربية بين الخط الأخضر والجدار العازل؛ الأمر الذي يجعل من القيود الشديدة المفروضة على الحركة ضغوطاً متزايدة على تعليمها؛ حيث يتوجب عليها وعلى أشقائها وشقيقاتها الثمانية عبور نقطة تفتيش واحدة على الأقل مرتين يومياً من أجل الوصول إلى المدرسة.
"الأونروا" أماً راعية لنصف سكان قطاع غزة وفي ساعات الصباح من الأيام الاعتيادية، يتم الطلب من كل شخص عند نقطة التفتيش أن يقوم بإبراز هوية والده، ونسخة من شهادة ميلاده، ونسخة من تصريح عمل والده.
وبالرغم من أن أفراد العائلة يحرصون على الاحتفاظ بنسخ كافية؛ إلا أنه في بعض الأحيان -وتبعاً لليوم وللجندي الذي يقوم بحراسة نقطة التفتيش- تكون الوثيقة الأصلية هي الكفيلة بالسماح بالعبور.
ومع ذلك؛ فإن الوالد "خليل" لا يزال مُصّراً على أن يستمر أطفاله في تلقي تعليمهم لكي لا يعانوا في حياتهم مثلما يعاني هو.
واليوم، ومع تداعي صحة خليل وعدم مقدرة عائلته إلى الوصول للخدمات الأساسية ولفرص العمل؛ فإن الحياة في منطقة التماسّ تضفي أعباء لا يمكن احتمالها.
وقبل الامتحانات في العام الماضي، جاهدت "حنين" ابنة الثلاثة عشر ربيعاً في العثور على مكان لها داخل البيت الصغير لتقوم بحل واجباتها المدرسية، وقامت بناء عليه بالدراسة تحت النور الخافت لعمود الإنارة الموجود في الساحة، وحصدت "حنين" ثمار ذلك الجهد بحصولها على معدل 82%. وتجد أختها الصغرى "سالي" نفسها مضطرة لأن تحذو حذو أختها إن أرادت أن تحقق حلمها في أن تصبح طبيبة.
تدرس "سالي" وإخوتها في مدارس "الأونروا"، كما تحصل العائلة على الطرود الغذائية التي توزعها الوكالة، لتصبح "الأونروا" أماً راعية لنصف سكان قطاع غزة والضفة الغربية، وأباً بديلاً في بعض الأحيان لمن سلبتهم الحرب آباءهم.
شاهد فيديو من إنتاج "الأونروا" يحكي قصة "سالي" وعائلتها إضغط لمشاهدة الفيديو: العقبات تملأ طريق "الأونروا" منذ العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة لم تتوقف نداءات الاستغاثة التي وجّهتها "الأونروا" من أنها لن تستطيع الاستمرار في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في ظل العجز الذي تعانيه في ميزانيتها جراء الزيادة الكبيرة في عدد المستفيدين من خدماتها، والأعداد الكبيرة المتزايدة جراء حالة البطالة والفقر المتزايدين، ليس في صفوف اللاجئين الفلسطينيين فقط، بل طالت مليون فلسطيني إضافيين.
تلك الميزانية التي يساهم العرب فيها بنسبة 1.5% فقط، مما يجعل بعض الجهات السياسية في العالم –ومنها "الكونجرس الأمريكي لمساهمة بلاده التي تصل إلى 60% من الميزانية السنوية ل"الأونروا"- تضع العقبات وتمارس ضغوطها على "الأونروا" خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع؛ بحجة أنها تقع تحت تأثير بعض المسئولين والفصائل الفلسطينية والجهات السياسية المعادية للسامية؛ لكنها رغم ذلك مطالبة بعدم الرضوخ للابتزاز السياسي الأمريكي، والبحث عن مصادر تمويل إضافية، وحثّ الحكومات العربية على الالتزام بتعهداتها وعدم السماح بانهيار "الأونروا"، ليس لأنها تمثل كياناً سياسياً للفلسطينيين ولن تكون؛ بل من أجل القيام بدورها من خلال الهدف التي أنشئت من أجله.
"الأونروا" بحاجة إلى مضاعفة جهودها والاستمرار في تنفيذ الهدف الذي أقيمت من أجله، في تقديم خدمات مناسبة ومحترمة للاجئين الفلسطينيين، وتحافظ على كرامة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون الشتات والاحتلال والحصار، ومعالجة القصور في بعض برامجها المقدمة جراء تقليصها تحت ذريعة النقص الحاد والمستمر في الميزانية.
ونحن في حاجة لمعرفة المزيد عنها؛ فربما زادت نسبة المساهمات والتبرعات العربية؛ مما يزيد من قوتها وقدرتها على الصمود أمام العقبات التي تواجهها؛ فمساعداتنا لهم أجدى من التظاهر، وأفضل كثيراً من الدعوة للحرب.