زاهي حواس شخصية هذا الأسبوع بلا منازع، والسبب هو معركة اللوفر التي أعاد الانتصارات بها إلى وزارة الثقافة المهزومة ووزيرها الخاسر في معركة اليونسكو.. نصر أتى بمغامرة ولكنها المغامرة المحسوبة بدقة وفي التوقيت السليم.. رغم كل عبارات النفي التي صاحبت تصريحات زاهي حواس -الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار- عن عدم ارتباط المعركة الأخيرة مع اللوفر لاستعادة خمس قطع أثرية مسروقة منذ عام 1980 بخسارة فاروق حسني في انتخابات اليونسكو كرد فعل انتقامي على عدم مساندة فرنسا له وتصويتها ضده؛ معتبراً أن علاقات بلاده بفرنسا بأنها قوية للغاية، ولا تؤثر فيها بعض الأمور العارضة، كانتخابات "اليونسكو"؛ مشيرا لأن موقف المجلس الأعلى للآثار حول رفضه التعاون مع "اللوفر" هو موقف للجنة الدائمة للآثار المصرية، وأنه لا ينطبق فقط على المتحف الفرنسي؛ ولكنه ينسحب على جميع البعثات والمتاحف التي تقتني آثارا مصرية مسروقة.
إلى هنا والكلام واضح جدا ولا يحتمل أكثر من معنى؛ ولكن ما يجعل منه كلاما غير معبر عن حقيقة ما حدث هو تصريحات زاهي حواس في نفس السياق؛ خصوصا عندما صرح أن مخاطبة اللوفر بشأن إعادة القطع المسروقة تم منذ يناير الماضي، بشكل ودي. ونظرا لمماطلة إدارة المتحف في استعادة الآثار المصرية تم اتخاذ عدد من الإجراءات من وقف اللقاءات والمحاضرات التي يتم تنظيمها بالتعاون مع المتحف الفرنسي وتعليق عمل بعثة التنقيب التابعة للوفر والتي تعمل في منطقة سقارة بالجيزة، ولك هذا تحت عنوان عريض: "إن شراء لوحات مسروقة يعني أن بعض المتاحف تشجع تدمير وسرقة الآثار المصرية".
القضية كلها تكمن في مسألة التوقيت؛ فقد كان يكفي زاهي حواس شهر أو شهران بعد طلب استعادة الآثار لكي يتخذ الإجراءات؛ ولكن ذلك كان سيأتي خلال معركة اليونسكو التي لم تكن حسمت بعد، وبالقطع لو أثار زوبعة وقطع العلاقات بهذا الشكل لكان أثّر على موقف فاروق حسني وهو الذي كان بحاجة إلى دعم فرنسا في انتخابات المنظمة.. ولكن الآن بعد انتهاء المعركة لصالح البلغارية إيرينا بوكوفا لم يجد المانع لإثارة هذه الزوبعة وقطع العلاقات بشكل تام إلى أن تعاد القطع الأثرية، وإيصال رسالة أخرى ضمنية إلى الجميع بأن مصر لديها الكارت الذي تضغط به على المؤسسات الثقافية التي تكوّن تقديرا كبيرا للآثار المصرية القديمة..
معنى هذا أن معركة اليونسكو لم تكن غائبة بشكل كامل عن قضيتنا مع متحف اللوفر، وأن إثارتها في هذا التوقيت بعد انتهاء كل شيء سيجعل من المسألة انتقاماً بطريقة غير مباشرة، ودليلا على أن المؤسسة الثقافية في مصر إذا لم تكن قادرة على تقديم الدعم الكامل أو الضغط بشكل مؤثر لتولية الوزير فاروق حسني مقعد اليونسكو؛ فإنها قادرة على الضغط واقتناص الحقوق المسكوت عنها من تلك التي وقفت محايدة ولم تعطِ صوتها لمصر متمثلة في وزير ثقافتها.
وفي المقابل وقفت إدارة متحف اللوفر موقف الراغب حقا في إعادة الآثار؛ فصرح مدير متحف اللوفر هنري لوريت: إن "هذه الآثار ما كان يجب أبدا أن تغادر مكانها الأصلي". وانعقد على الفور اجتماع لإعادة المقتنيات الأسبوع المقبل مع تصريح لطيف من السفير الفرنسي بالقاهرة جون فليكس: إن فرنسا تعاملت بحسن نية منذ أنّ قرر شراءها؛ مشيراً إلى أنّ هناك سوقاً موجودة بالفعل للآثار المصرية، كما أنه لا يعلم إذا كانت عملية البيع قد تمت بشكل علني أم لا؛ ولكنه قال: إن مكتب ماسبيرو لبيع الآثار تقدم بمقترح لمتحف اللوفر والمتحف وافق واشترى الآثار ليستمر العرض ما يقرب من ثلاثين عاماً دون مشكلات.
زاهي حواس يعتبر واحداً من أشهر الأثريين المصريين المعاصرين، ويحظى بتقدير عالمي في مجال علم الأجيبتولوجي "المصرولوجيا"، .. حاصل على عدة أوسمة وجوائز منها وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في القاهرة، كما اختارته مجلة "التايم" كواحد من أهم 100 شخصية مؤثرة في العالم.
درس في قسم الآثار الرومانية واليونانية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، واستكمل تعليمه في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ حيث حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، وهناك بدأ تدريس الحضارة المصرية في جامعة كاليفورنيا ثم الجامعة الأمريكية في القاهرة بعد عودته لمصر.
وقد بدأت شهرة زاهي حواس عندما ظهر في قناة "ديسكفري" في أفلام تسجيلية عن مصر والمصريين القدماء، كما سجل حلقات عرضها التليفزيون الأمريكي في برنامج "البحث عن الحقيقة" والتي ناقش فيها مواضيع تهم المشاهدين مثل المومياوات الفرعونية والأهرامات وتوت عنخ آمون وكليوباترا ورمسيس الثاني.
وفي سنة 1990 اكتشف حواس أهم اكتشافاته الأثرية، وهي مقابر العمال المصريين الذين بنوا الأهرامات، وشهد 2007 اكتشاف حواس لمقبرة حتشبسوت في وادي الملوك في الأقصر وهو الاكتشاف الذي وصف بأنه أهم الاكتشافات الأثرية في قرن كامل..
زاهي حواس ليس فقط رجل هذا الأسبوع بسبب المشهد الثقافي المصري بسبب معركة ناجحة مع هيئة كبيرة مثل متحف اللوفر؛ بل لأنه طبق مبدأً صرح به منذ يناير الماضي بأن " ما سرق منا يجب أن يعاد"، ونجح في صنع استراتيجية وصلت به لاستعادة خمس قطع أثرية نادرة.. وهي خطوة قوية -حتى لو كانت انتخابات اليونسكو هي دافعه- على طريق جمع الآثار المصرية التي تحفل بها أغلب متاحف العالم دون أدنى تصريح بأنها أخذت خلسة بطريقة غير شرعية، وأن مكانها الأصلي هو مصر وليس مدن العالم الجديد.