الكثير من الكلام واللغط يدور حول إيران كل يوم.. هناك من يهاجم إيران وهناك من يناصر مواقفها، كل هذا يدور حول مواقف سياسية ورؤى وأحداث سياسية؛ ولكن ماذا عن إيران من الداخل؟! اليوم نتوغل قليلاً في قلب المجتمع الإيراني، ومن بوابة بناء الحياة الجديدة ندخل لنكتشف ما هو عيد النوروز وما هي الطقوس المتّبعة فيه. يرمز "النوروز" إلى اليوم الجديد وهو عيد مميّز يحتفل به الأكراد والفرس وسُكّان آسيا الوسطى؛ حيث يشكّل بداية السنة الجديدة، ويُعدّ عيد النوروز هو بداية العام الإيراني، والذي يحلّ مع بداية الربيع يوم 21 مارس من كل عام، وكلمة "نوروز" مركبة من (نو: بمعنى جديد، وروز: بمعنى يوم)، وعن أصل الكلمة فالنيروز هو عيد الربيع وأول السنة الشمسية لدى الفرس وبداية العام الإيراني عند الإيرانيين، ونطقه الأصلي بالواو "نوروز" ولكن العرب قد عرّبوا اللفظ وأطلقوا عليه "نيروز". الإيرانيون يعتبرونه مناسبة ل"حرق الذنوب" مظاهر الاحتفال به ويقيم فيه الإيرانيون والأفغان والأكراد احتفالات؛ فالإيرانيون يعتبرونه بداية السنة الفارسية ومناسبة ل"حرق الذنوب"، والأفغان يعتبرونه بداية الربيع، والأكراد يعتبرونه "خلاصاً للإنسانية من العبودية". من أهم مظاهر الاحتفال بعيد النوروز، تنظيف الإيرانيين لمنازلهم، وشراء ملابس جديدة كعلامة على بداية جديدة، ويتبادل الناس الزيارات. تبدأ طقوس العيد بحملة تجديد المنزل التي تُسمّى بالفارسية "خانه تكاني" تنظيف ال"خانه تكاني" تعود تقاليد الإيرانيين في الاحتفال بقدوم فصل الربيع إلى العصر الساساني الذي بدأ فيه التأريخ للسنة الفارسية، في اللحظة التي يتساوى فيها الليل والنهار يوم 21 مارس من كل عام، ومنذ ذلك العصر اعتاد الإيرانيون استقبال الربيع بعدّة طقوس.. تبدأ بحملة تجديد المنزل الذي يُسمّى بالفارسية ال"خانه تكاني"، وتقوم الأسر في هذه الحملة بإعادة ترتيب وتأثيث محل السكن والعمل على تنظيفه، والاستغناء عن الأشياء البالية، وغسل السجاد والستائر أو استبدالها، مع طلاء الجدران بألوان جديدة، وفي الغالب يتم اختيار مشتقات اللون الأخضر تناغماً مع اخضرار الأرض في الربيع. وتمتدّ الحملة إلى تنظيف الأزقّة والحارات بصورة جماعية، وتترافق معها حركة تسوّق كبرى في ليلة العيد، وتُبدي المرأة الإيرانية حماساً أكثر من الرجل لإحياء هذا العُرف المتوارث؛ حيث تشهد أسواق المدن الإيرانية حركة تسوّق غير مسبوقة للنساء. ويسود الاعتقاد لدى الإيرانيين أن التبضّع في عيد النوروز وغرس الأشجار أو وضع مجموعات الخُضرة والأزهار في المنازل؛ من شأنه أن يوسّع الرزق في العام الجديد، ويبعث التفاؤل في النفوس. وقبل حلول فجر أول أيام السنة الفارسية الجديدة، يحرص كل إيراني على أن يكون متواجداً ضمن أسرته لاستقبال النوروز؛ حيث ترسّخت على مر العصور قناعة؛ مفادها أن الذي لا يحضر طقوس النوروز في أول أيام السنة الجديدة مع أفراد الأسرة سيصيبه مكروه يُبعده عنها فيما بعد. تقوم جميع الأسر الإيرانية بشراء أسماك الزينة الملونة بعدد أفراد الأسرة مائدة "هفت سين" ومع بداية العام الجديد.. وهي اللحظة التي تتخطى فيها الشمس خط الاستواء ويبدأ الربيع رسمياً في نصف الكرة الأرضية الشمالي.. تجتمع العائلة الإيرانية حول مائدة خاصة تسمى بمائدة "هفت سين" (أي السينات السبع)، وتضم 7 مواد يبدأ اسمها بحرف "السين"، وهي: "سبزي (خضروات)، سيب (تفاح)، سنجد (تمر)، سير (ثوم)، سكة (قطعة نقد معدنية)، سركه (خلّ)، وسمنو (بعض الحبوب مثل الذرة والقمح والأرز)". وتتوسط السفرة نسخة من المصحف الشريف طلباً للبركة وسعة الرزق، وإلى جانبها أيضاً ديوان أشعار "حافظ الشيرازي" للتفاؤل بقصائده، ويقوم كل فرد في الأسرة بالاستخارة عبر فتح الديوان؛ ليرى -حسب اعتقادهم- من خلال أبيات حافظ ماذا ستخبّئ له السنة الجديدة. كما تقوم جميع الأسر الإيرانية بشراء أسماك الزينة الملونة بعدد أفراد الأسرة، وتوضع في آنية زجاجية في شرفات المنازل أو قرب النوافذ، إلى جانب باقة الأزهار، ويتم الاعتناء بهذه الأسماك حتى يمرّ يوم الثالث عشر من أول أشهر السنة الجديدة؛ فإن ماتت السمكة قبل هذا الوقت يُعدّ ذلك فألاً سيئًا، وإن بقيت على قيد الحياة واجتازت نحس الرقم "13" ساد التفاؤل بأن الأسرة لن تفقد عزيزًا خلال هذه السنة. ومع اقتراب لحظات دخول العام الجديد يقرأ أفراد الأسرة بصورة جماعية دعاء "يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال.. حوّل حالنا إلى أحسن حال"، كما يقومون بمزج قطع من النقود المعدنية (سكة) مع حبات السمنو (الذرة أو الأرز أو القمح)، ونقلها من يد إلى يد طلباً للرزق. وفي اليوم الثالث عشر لعيد النوروز (2 إبريل) المسمى بالفارسية "سيزده بدر" تخلو غالبية البيوت الإيرانية من ساكنيها، لاعتقاد سائد لديهم بأن اليوم الثالث عشر من العام الإيراني الجديد يجلب النحس، ومن يبقى في المنزل خلال هذا اليوم ستحلّ عليه مصيبة أو كارثة ما خلال السنة، وجرت العادة منذ القدم أن يغادر جميع أفراد الأسرة المنزل في هذا اليوم، وتمضية الوقت خارجه في المتنزهات والحدائق العامة حتى حلول المساء؛ الأمر الذي يؤدي إلى حالة ازدحام شديد لا تعرف المدن الإيرانية نظيراً لها في بقية أيام السنة. لا بد من ارتداء الملابس الجديدة التي لم تُغسل من قبل في هذا العيد الوصايا الخمس وبالإضافة لهذه الطقوس التي يتمسك بها الإيرانيون وردت في التراث الشعبي جملة من التعاليم المتّصلة باستقبال السنة الفارسية يحفظها كل إيراني عن ظهر قلب وإن لم يعتقد بها، وهي: 1- عدم غسل الملابس في الأيام الخمسة الأولى من عيد النوروز؛ لأن الهواء والماء في هذه الأيام يساعد على تمزيقها بسرعة، ولا بد من ارتداء الملابس الجديدة التي لم تُغسل من قبل. 2- عدم إظهار أية عصبية أو مشاعر غضب في العيد؛ حرصاً على أن تكون السنة الجديدة خالية من أي توتّر عصبي. 3- أن تحاول ربة المنزل في ليلة العيد ألا تكسر أي شيء زجاجي في البيت، وإن حدث ذلك؛ فلا بد من رمي الزجاج المهشم سريعاً خارج المنزل؛ لأنه يجلب الفأل السيئ. 4- عدم ارتداء الملابس القديمة في أيام العيد؛ لأن ذلك يجلب الفقر والحظ السيئ لهم. 5- قبل حلول النوروز يجب رمي الأدوية الموجودة في البيت بعيداً؛ لأن وجودها يجلب المرض في السنة الجديدة. ومنذ ثورة الإسلامية 1979، تبنّى المسئولون الإيرانيون موقفين متباينين من احتفالات عيد النوروز؛ فمنهم من رفضها ومنهم من قام احتوائها. ودأب رجال الدين المحافظون على احتقار وإنكار الاحتفالات التي تستمرّ لأسبوعين، واعتبروها رجوعاً إلى التقاليد الفارسية التي سبقت الإسلام. وقد حاول المرشد الأعلى الحالي "آية الله علي خامنئي" والرئيس "محمود أحمدي نجاد" تخفيض عدد أيام الاحتفال الحالية بالنوروز والتي تستمر لأسبوعين؛ إلا أن هذه الرغبة وُوجهت بمعارضة شعبية عامة. وفي النهاية، فالهدف من تعريفنا بعيد النوروز في إيران وأهم الطقوس والعادات التي يتبّعها الإيرانيون في هذا العيد، هو التعرف على الآخر وعدم الانغلاق على أنفسنا.