كان هناك قولاً مأثوراً دائماً ما كان يردده أبي على مسامعي في فترة الصغر: "اختار الرفيق قبل الطريق"، ولكن وبعد مرور سنوات كُثُر كان حرياً بي أن أعترف لك يا أبي العزيز أن المثل كان خاطئاً، ففي أيامنا هذه يجب عليك أن تختار الطريق أولاً؛ لتعرف هل ستتمكن من الوصول أساساً أم ستقع فريسة الكائنات المنتحلة لصفة البشرية في مركبات بعضها فاخر وبعضها "جايب آخر"، يسعون فساداً على ظهر الأسفلت في سيمفونية نشاز تسير على الطريق. وفي حقيقة الأمر كان بودِّي أن أتعرض في حديثي لكل طرق القاهرة، بما أنهم يجمعهم جين واحد وهو "جين الفوضى"، ولكن ترفقاً برجال المرور سوف أكتفي بالحديث فقط عن طريق الأتوستراد بدءاً من منطقة حدائق حلوان (حيث أسكن) وامتداداً بطريق النصر حتى ميدان الساعة بمدينة نصر. بمجرد أن تخرج إلى طريق الأتوستراد سواء في ميعاد خروجي أنا (ال 7 صباحاً) أو في أي ميعاد آخر سوف ينتاب قلبك رعشة كرعشة موتور سيارة 128 لم يتم تسخينها بشكل كافٍ، والسبب أنك ستجد الرصيف مُزيّناً على الصفين بسيارات اليوم، وبالطبع لا علاقة لذلك بطبق اليوم، بل هي السيارات التي انقلبت لتوّها صباح هذا اليوم، المهم ما علينا.. بعد أن أنعشت أساريرك بمشاهد السيارات المكرمشة كعلب الكانز يجب أن تدعو رب العباد حتى تخرج سالما من طريق الأتوستراد، وبما أنني أحد المتعاملين معه منذ سنين فإليك "مانيوال" سريع بعفاريت الأسفلت الخمسة التي من شأنها أن تحوّلك لعلبة كانز (بعد الشر عليك يعني) أو تدمّر جهازك العصبي على أفضل التقديرات.. 1- الطريق نفسه بالطبع الذي يعرف طريق الأتوستراد في الماضي يعرف جيداً أن الحالة التي هو عليها الآن إنما هي أفضل بكثير من سابقتها، وذلك بفضل كاوتش عجل السيارة الخاصة للسيدة سوزان مبارك التي قررت زيارة منطقة "عزبة الوالدة" بحلوان، وعليه لم يكن بالإمكان بمكان أن تمر عليه بحالته الأولى، وإلا لحدثت كارثة ضحاياها سيبدأون من وزير النقل وينتهون بالمحافظ، المهم ورغم تسوية الطريق نوعاً ما إلا أنه يعاني حصبة الأسفلت، فمطبات الهواء تجعل من الوضع مراجيح، وتحوّله لدريم بارك الأتوستراد؛ خاصة مع السرعة العالية التي يستخدمها سائقو السيارات، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى 120 و130 كم/ س -لاحظ أنه ليس طريق سفر. "هتموت يعني هتموت" بالتأكيد هذا ما دار ببال المصمم العبقري لهذا الطريق مخاطبا السائقين.. لا أبالغ؛ فأثناء سيرك على الأتوستراد ستجد فجأة رصيفاً دائرياً أمامك أو ما يسمى "النيو ترن"، والطبيعي في أي ترن في العالم أن يحتل حارة ضيقة من الناحية اليسرى للطريق، لفصل المستمرين في طريقهم عن العائدين في الاتجاه الآخر، لكن هنا الحارة ربما تمتد لمنتصف الطريق. الباحث عن الإضاءة على طريق الأتوستراد أشبه بالباحث عن الماء وسط الصحراء، كشاف سيارتك هو المسئول الوحيد عن حياتك، وهنا تظهر أزمة أكبر، ماذا ستفعل مع الكشافات المواجهة على الطريق الآخر والتي تساوي لديك الرصيف بالأسفلت، وتجعلك عرضة لأن "تلبس" في أي وقت. 2- المقطورات وحوش آلية تسير على الطريق، هذا هو المسمى الحقيقي لهذه المدعوّة "المقطورات"، تمر بجوارك وكأن العالم ينهار من حولك، تنفحك من ريحها من أتربة وزلط، آلة التنبيه الخاصة بها يمكن أن تحوّل اتجاهك لفوق الرصيف من هول الخضة، هي القاسم المشترك في كل حوادث طريق الأتوستراد، فتجدها واقفة على أحد جانبي الطريق مرتاحة الضمير بعد أن دهست إحدى السيارات الملاكي، وحوّلتها لمطب صناعي على الطريق، فهي كتلة حديد فوق عجل، فتخيل ما يمكن أن تفعله، وأقسم أنني في إحدى المرات وأنا في طريقي للعودة إلى المنزل مساء وجدت أحدهم يسير يميناً ويساراً (بيعمل غرز يعني) متخيلاً نفسه يقود سيارة كوبيه، حتى أن إحدى عرباته كادت تدهسني. 3- السيدات هناك مثل قاله لي صديقي الأقدم مني في القيادة: امشي ورا أتوبيس عام وما تمشيش ورا مدام، في البداية كنت أعتقد في المقولة شيئا من المبالغة، ولكني عندما التحمت مع أسفل الأتوستراد آمنت بهذه المقولة؛ فالسيدات لسبب مجهول لديهم مشكلة في النظر في المرآة، فتجدهنّ يأخذن القرار بالاتجاه يميناً أو يساراً هكذا دون سابق إنذار، والإشارة تكون للعلم بالشيء، ولا يهم إذا كانت السيارة المجاورة لديها المساحة الكافية لتفاديها أم لا، فضلاً عن أنهن يتمتعن بأخلاق غير عادية، حتى أنهن لا يمانعن من التوقف فجأة من على سرعة 80 كم على طريق صلاح سالم كي يعبر الطريق شخصان! 4- الميكروباصات: أغلب مشكلات سائقي الميكروباصات أنهم غير مدركين أن حجم الشيء الذي يقودونه هو أكبر من حجم الأشياء الأخرى التي تسير بجوارهم، أو على الأقل هي ليست موتوسيكلاً حتى يأخذ في صنع الغرز الواحدة تلو الأخرى، فضلاً عن أنها لديها خضوع غير عادي للراكب، فيتوقف له في أي مكان وزمان، وتحت أي وضع حتى لو فوق العربية نفسها. 5- كبار السن: مع كامل احترامي للقيمة الكبيرة التي يحملها لنا هؤلاء؛ فهم في النهاية آباؤنا وأجدادنا، ولكن أيضاً لا أعرف السبب الذي يجعلهم يسيرون على سرعة 40 كم وسط طريق سريع مثل طريق الأتوستراد، وفي الحارة الوسطى، ولتحترق السيارات التي تسير خلفهم، وبجوارهم؛ علماً بأنه لم ولن ومن المحال أن يستجيب لأي كلكسات أو كشافات أو... أو... أو... طرق مصر هي مسارح مفتوحة للموت، نِسَبُ المخاطرة يومياً تفوق الوصف، واحتمالات التصادم مع السيارات الأخرى لا يمكن تخيلها، وحال الطرق يصعب على السائق، الأتوستراد هو حالة من ضمن آلاف الحالات، وحوادثه نقطة في بحر حوادث الطرق الدولية وطرق الصعيد وغيرها، في الماضي عبرنا القناة، واليوم نفشل في عبور الطريق، فهل نُسدل الستار على مسارح الموت، أم يستمر العرض متواصلاً؟؟!