تحدّث مُحاضر في التنمية البشرية بحماس بالغ عن "حتمية وجود قائد" لكل راغب في النجاح؛ ليكون دليله في رحلته، ويحل مشاكله، ويحدد خطواته ويصبح المرجع الدائم له، وطالب بالبحث عن هذا القائد، وفعل ما يريده مقابل هذه الخدمات التي لا غنى عنها لمن يسعى للنجاح. وأسأل كل قارئ: من يساعدك في الحياة؟ وأتمنى الإجابة قبل مواصلة القراءة.
قبل دفع الثمن! هل يساعد أحد الآخرين طوال الوقت دون أخذ ثمنٍ كبير يدفعه طالب المساعدة؟
ففي العمل توجد المنافسة ومن يساعدك دائماً يفعل ذلك ليشتري ولاءك.
أما في الحياة الشخصية؛ فمن تلجأ إليه دائماً سيتعامل معك؛ على أنك بلا خبرة، وعليك الخضوع لما يراه وتنفيذه؛ وإلا اعتبرك لا تعرف مصلحتك أو شخصاً عنيداً.
وأكاد أسمع اعتراضات: وهل نستطيع العيش دون مساعدة الآخرين؟ ولماذا نحرم أنفسنا منها؟ وكيف نحصل على خبرات إضافية تساعدنا لنجتاز العقبات والمنغّصات التي تحاصرنا جميعاً؟ تطالبيننا "بمناطحة" صخور الحياة الواحدة تلو الأخرى وحدنا؛ أليست هذه قسوة بالغة لا مبرر لها؟
أنت قوة عظمى!! وأردّ بكل الود والاحترام بسؤال: ماذا تقولون عمن يترك سيارته الفاخرة أمام منزله ليحاول الجلوس في جزء صغير من سيارة غيره؟
وهل ترحبّون بدور الدول الصغيرة التي تعيش على فتات ومعونات الآخرين؛ بينما بإمكان كل منا -بعد الاستعانة بالرحمن- أن يكون قوة عظمى؟
ألا تتعرض الأعضاء التي لا تستعمل للضمور؛ فلماذا نحكم على طاقاتنا بالضمور وبالعيش عالة على غيرنا وبالتمادي في الاعتماد على الآخرين؟!
وأتذكر منذ سنوات عندما حدثت أزمة في نقابة الصحفيين، ووجدت زميلة في الأربعينيات تتحدث بهلع مع صحفي في الستينيات وتسأله: كيف تشرح لنا تفاصيل الأزمة، وسرعان ما تقمّص دور الأستاذ، وراح يلقي عليها الدروس، وأثق أنني لن أنسى هذا المشهد؛ فقد كانت الأزمة واضحة للغاية؛ ولكنها قامت بتعطيل قدراتها في قراءة الواقع وقبلت أن تكون.
المطلوب والمرفوض!! وأنبّه لضرورة التفرقة بين "احترام" تفرّدنا الإنساني، وبين "رفض" الاستفادة والتعلّم من كل ما يمكننا من مضاعفة خبراتنا؛ فالأول مطلوب والثاني مرفوض تماماً.
فلنقم بفلترة ما نراه وما نسمعه من الآخرين، ونحسن اختيار من نطلب منه المشورة عند وقوعنا في الأزمات.
وأوصي قبل اللجوء إلى أي إنسان -مهما كان قريباً منا- بالعمل على تهدئة النفس وبكتابة ما يؤلمنا لإخراج شحنات من الضغط النفسي وللخروج من حالة الاستنفار الزائد وللتمكن من الفوز بأي قدر من الهدوء النفسي.
ثم كتابة الحل الذي نراه وكأننا نقوم بإهدائه لأحب صديق إلينا؛ فنحب أنفسنا بصورة إيجابية.
فلنمنع الأذى!! ولنتجنب الانعزال أثناء الأزمات فنكون كمن يعاني من ضيق في التنفس ويسارع بإغلاق النوافذ بدلاً من الاستمتاع بالهواء الطلق.
ولا نندفع للحديث مع الجميع؛ فنكون كمن يعاني من ضيق التنفس ويلقي بنفسه في مكان يمتلئ بالروائح النفّاذة فتؤذيه؛ فخير الأمور الوسط.
فلا إفراط في طلب المساعدة من الجميع، ولا تفريط في اللجوء للمساعدة عند الضرورة، وأن تكون الاستثناء وليس العادة؛ حتى لا نسرق حياتنا وإرادتنا؛ فنكون مثل العرائس التي يحرّكها الآخرون وفقاً لأفكارهم.
وأضرب دائماً مثلاً بالخيوط المتشابكة؛ فإذا عرضنا مشكلتنا على أحد وازدادت تعقيداً؛ فهذا يدلّ على افتقاده للخبرة أو الأمانة أو الاستماع الجيد، وأفضّل الاكتفاء بشكره وعدم تنفيذ نصائحه بالطبع.
احذر التعاطف الزائد!! ويستمع البعض لمشكلة يحرص على مجاملة صاحب المشكلة بالتعاطف الزائد معه؛ حتى لو كان مخطئاً، ولذا يعجبني المثل الشعبي الرائع "يا بختي بمن أبكاني وبكى عليّ، ولا ضحكني وضحك الناس عليّ".
وأتمنى طرد البكاء عند سماع ما نكرَهُ لحل مشاكلنا واستبداله بالفرح به، وتذكّر أن معظم الأدوية لها مذاق مر؛ ولكنها السبيل الوحيد للشفاء، وأن صديقك هو من التزم الصدق معك وليس من قام بتصديقك.
وهناك مثل رائع يقول "الماء البعيد لا يطفئ الحريق القريب"؛ فلنسارع بإطفاء حرائقنا بأيدينا قبل أن تتسع وتزداد الخسائر.
بشجاعة ودون تردد!! ولنستعن بالله ولا نعجز، ولْنزرع بداخلنا الأمان وحسن الظن بالرحمن والتفاؤل بالخير لنجده كما أخبرنا رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ثم نفكر في الحلول الممكنة وجدواها، ونختار أقرب الناس إلينا وأكثرهم صدقاً معنا ومن قمنا بتجربتهم في مواقف سابقة ونعطيهم المعلومات كاملة، ونمتلك الشجاعة الكافية لذلك، ونعترف بأخطائنا دون تردّد لنحصل على الإجابات الشافية؛ فلا يمكن لمريض أن يذهب للطبيب ويكتفي بأخباره ببعض الأعراض حتى لا يلومه، ومن يفعل ذلك يؤذي نفسه، ولن يشفى، وقد يتطور مرضه، وعليه ألا يلوم إلا نفسه.
احذر هذا الفخ!! ومن أهم مصادر تقوية النفس عند الأزمات الحصول على الخبرات المختلفة في الحياة بمتابعة ما يدور حولنا بعين واعية، وبالتعلم الذكي من أخطاء الآخرين وعدم الاكتفاء بأننا أفضل منهم؛ فهذا فخ من إبليس اللعين ليحرمنا من اكتساب الخبرات الدنيوية، ولِنتراجع دينياً أيضاً؛ فالمؤمن لا يحكم على غيره ويترك ذلك للخالق وحده، ويدّخر طاقاته لتحسين كل جوانب حياته ولتقليل عيوبه وأخطائه الدينية والدنيوية، وكلنا لدينا هذه العيوب والأخطاء؛ لأننا بشر ولسنا ملائكة، ومن الذكاء التنبه لذلك.
وفي العمل علينا التفتيش عن أفضل السبل لتنمية مهاراتنا وتشجيع الناجحين في مجالنا ليعطونا خبراتهم بلطف ودون المبالغة، ولا نعتمد عليهم. والقراءة الواعية في مجالنا وعدم التوهّم بأننا لا نحتاجها، وطلب المساعدة من الرحمن دائماً وصلاة ركعتي الحاجة عند كل مشكلة ليختار لنا الرحمن الأفضل لنا، مع زرع الثقة بالنفس عند مواجهة صخور الحياة؛ فالجبل يمكن اختراقه بالذكاء وبالحيلة، وليس بالصراخ أمامه أو مناطحته بعنف.
لا تغتل أحلامك!! ولنقرأ كتب السيرة الذاتية لتلهمنا بأفكار جيدة تضاعف من قدراتنا على التعامل مع الأزمات.
ولنرفض التسرع بقبول أو رفض الأفكار التي يقترحها من لجأنا إليهم لمساعدتنا، ولنتأكد أنها ستفيدنا، وأنها ليست مُسكّناً لتهدئة الألم حالياً؛ بينما المرض ينتشر وينمو بعيداً عن سيطرتنا.
وأخيراً إذا سمحنا لأحد بالسيطرة على كل جوانب حياتنا؛ فإننا سنغتال حلمنا أن نعيش حياة حقيقة، وسنكون مجرد صورة باهتة، وإذا رفضنا طلب المساعدة عند المشاكل؛ فإننا سنحرم أنفسنا من حقنا في حياة أفضل، وإذا اعتمدنا على المساعدات الخارجية سنعطّل نموّنا العاطفي والعقلي، وإن لم نتعلم يومياً ما يفيدنا سنتراجع؛ فالمؤكد أننا إذا لم نزد سننقص.