أ ش أ مرت اليوم (السبت) الذكرى ال43 على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، الذي رحل عن مصر بجسده فقط، وبقي كرمز نابض في وجدان المصريين، وما زالت أفكاره وتوجهاته وسياساته الأكبر تأثيرا في العالم العربي، ويصفه المؤرخون باعتباره واحدا من الشخصيات السياسية البارزة في التاريخ الحديث في الشرق الأوسط في القرن العشرين. شعر ناصر بالفقراء لأنه ولد من رحم الفقر، ذلك الضابط الصعيدي جمال عبد الناصر حسين، الذي ولد في 15 يناير 1918 من أسرة فقيرة، وأصبح ثاني رؤساء مصر، حيث تولى السلطة من عام 1956 إلى وفاته عام 1970، وهو أحد الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالملك فاروق، آخر أفراد أسرة محمد علي. ورغم مرور عشرات السنين على رحيل عبد الناصر فإن ثورة 30 يونيو استلهمت روحه كزعيم، فنبضت فيه الحياة كرمز للمصريين استحق بجدارة لقب "الزعيم" الذي وضعه الشعب على صدره، لارتباط صورته بالفريق أول عبد الفتاح السيسي -القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي- الذي استجاب للإرادة الشعبية، ودعم مطالب الشعب بعزل الرئيس السابق محمد مرسي. وتتشابه مواقف عبد الناصر الذي قاد وساند ثورات التحرير الوطني من عبودية الاحتلال واستغلال الاستعمار بمصر والدول العربية والقارة الإفريقية ودول العالم الثالث بأسره، مع السيسي الذي دعم وساند 30 مليون مواطن في التحرر من حكم الإخوان. كانت سياسات عبد الناصر المحايدة خلال الحرب الباردة أدت إلى توتر العلاقات مع القوى الغربية، الذين سحبوا تمويلهم للسد العالي، الذي كان عبد الناصر يخطط لبنائه، ورد عبد الناصر على ذلك بتأميم شركة قناة السويس عام 1956. ولقي قرار تأميم قناة السويس استحسانا داخل مصر والوطن العربي، وبالتالي قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل باحتلال سيناء، لكنهم انسحبوا وسط ضغوط دولية، وقد عزز ذلك مكانة عبد الناصر السياسية بشكل ملحوظ، ومنذ ذلك الحين نمت شعبية عبد الناصر في المنطقة بشكل كبير، وتزايدت الدعوات إلى الوحدة العربية تحت قيادته، وتحقق ذلك بتشكيل الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا (1958-1961(. وفي عام 1962، بدأ عبد الناصر سلسلة من القرارات الاشتراكية والإصلاحات في مصر، بالرغم من النكسات التي تعرضت لها قضيته "القومية العربية" بحلول عام 1963، ووصل أنصار عبد الناصر للسلطة في عدة دول عربية، وقدم ناصر دستورا جديدا في عام 1964، وهو العام نفسه الذي أصبح فيه رئيسا لحركة عدم الانحياز الدولية. بدأ ناصر ولايته الرئاسية الثانية في مارس 1965 بعد انتخابه دون معارضة، وتبع ذلك هزيمة مصر من إسرائيل في حرب الأيام ال6 عام 1967، واستقال من جميع مناصبه السياسية بسبب هذه الهزيمة، ولكنه تراجع عن استقالته بعد تظاهرات حاشدة طالبت بعودته للرئاسة، و بين عامي 1967 و1968 عين عبد الناصر نفسه رئيسا للوزراء، وشن حرب الاستنزاف لاستعادة الأراضي المفقودة في حرب 1967، وبدأ عملية عدم تسييس الجيش، وأصدر مجموعة من الإصلاحات الليبرالية السياسية. وإثر مجهود كبير بذله في القمة العربية عام 1970، تعرض عبد الناصر لنوبة قلبية وتوفي، وشيع جنازته في القاهرة 5 ملايين شخص، و يعتبره مؤيدوه في الوقت الحاضر رمزا للكرامة والوحدة العربية والجهود المناهضة للإمبريالية، بينما يصفه معارضوه بالمستبد، وينتقدون انتهاكات حكومته لحقوق الإنسان. عشق المصريون عبد الناصر الذي رحل وبقيت مبادئه وإنجازاته التي عبرت عن ضمير أمة ومطالب شعب، فخرج جماهير الشعب ترفع صوره في ميادين مصر في 25 يناير و30 يونيو، مطالبين بالعيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي أرسى قواعدها جمال عبد الناصر بعد 45 يوما فقط من قيام ثورة يوليو 1952 وعمل على تأصيلها. الكرامة الوطنية خيط يربط شخصي عبد الناصر والسيسي، فكلاهما لم يتنازل أو يفرط فيها، فقد أدرك ناصر قيمة استقلال القرار الوطني على الجيش، وهو نفس المبدأ الذي يؤمن به السيسي، والعدالة الاجتماعية هي المطلب الذي حرص ناصر على تطبيقه، حيث كان هو ورفاقه من الطبقة المتوسطة في المجتمع، ولم يكن بحاجة إلى الاستيلاء على السلطة لتحقيق مطلب اجتماعي، ولكنه شارك في الثورة من أجل الفقراء. وفور نجاح ثورة يوليو بدأ عبد الناصر في العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، فكانت أول خطوة هي إصدار قانون الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر بعد أقل من شهرين من قيام الثورة. وبوفاة جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 بدأ العد التنازلي لانتهاء سياسات العدالة الاجتماعية، وبدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي استجابة لشروط البنك الدولي والإدارة الأمريكية الذين رفضوا تقديم أي مساعدات للاقتصاد المصري. وكانت التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها الشعب على مدى أكثر من 4 عقود وراء الانفجار الشعبي في 25 يناير تحت شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية"، لتعود مبادئ عبد الناصر إلى الميدان.