ورد من قرّاء "بص وطل" سؤال يقول: كل سنة وإنتم طيبين موسم الحج قرّب خلاص.. أنا بس كنت عايزة أسأل عن حكم سفر المرأة للحج دون محرم؛ حيث إن عمري الآن تجاوز 52 سنة؛ فهل يحقّ لي الذهاب إلى الحج دون محرم؟ وكان ردّ دار الإفتاء كالتالي: "يجوز للمرأة أن تُسافر دون مَحرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفسها وعرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرّضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دينها؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري وغيره عن عَدِيّ بن حاتم رضي الله عنه أنه قال له: "فإن طالَت بك حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ -أي المسافرة- تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالكَعبةِ لا تَخافُ أَحَدًا إلاّ اللهَ"، وفي رواية الإمام أحمد: "فو الذي نَفسِي بيَدِه لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى تَخرُجَ الظَّعِينةُ مِن الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالبَيتِ في غَيرِ جِوارِ أَحَدٍ". فمن هذا الحديث برواياته أخذ جماعة من الفقهاء المجتهدين جوازَ سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة، وخصّصوا بهذا الحديث الأحاديث الأخرى التي تُحَرِّم سفر المرأة وحدها بغير مَحرَم؛ فهي محمولة على حالة انعدام الأمن التي كانت من لوازم سفر المرأة وحدها في العصور المتقدّمة. وقد أجاز جمهور الفقهاء للمرأة في حج الفريضة أن تسافر دون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، واستدلّوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحج في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضي الله عنه. قال الإمام أبو الحسن بن بطال المالكي في "شرح البخاري": "قال مالك والأوزاعي والشافعي: تخرج المرأة في حجة الفريضة مع جماعة النساء في رفقة مأمونة، وإن لم يكن معها محرم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحجّ معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى، وقال الحسن: المسلم مَحْرَمٌ، ولعل بعضَ مَن ليس بمَحْرَمٍ أوثقُ مِن المَحْرَم". وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ": "ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا (أي: عدم خروجها في حج التطوع مِن غير محرم) إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير؛ فأمّا القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة؛ فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجّار؛ فإن الأمن يحصل لها دونَ ذي محرم ولا امرأة، وقد رُوِيَ هذا عن الأوزاعي". وقال العلاّمة الحطّاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "قَيّد ذلك الباجي بالعدد القليل، ونصه: "هذا عندي في الانفراد والعدد اليسير؛ فأما في القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوي محارم" انتهى، ونقله عنه في الإكمال وقَبِلَه ولم يذكر خلافه، وذكره الزناتي في شرح الرسالة على أنه المذهب، فيقيد به كلام المصنف وغيره. ونص كلام الزناتي: إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عَدَدٍ وعُدَدٍ أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار: الواجب منها والمندوب والمباح، من قول مالك وغيره إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد. هكذا ذكره القابسي.". ومما يبين أن توفر الأمن هو المعول عليه عند الفقهاء في الإقدام على السفر والامتناع منه: أن الإمام مالكا رضي الله عنه كره سفر المرأة مع المحرم الذي يغلب على الظن قلة حرصه وإشفاقه عليها؛ قال الإمام الباجي في "المنتقى": "كره مالك أن يخرج بها ابنُ زوجها وإن كان ذا محرم منها، قال الإمام أبو الوليد: ووجه ذلك عندي ما ثبت للربائب مِن العداوات وقلة المراعاة في الأغلب؛ فلا يحصل لها منه الإشفاق والستر والحرص على طيب الذِّكْر". والذي عليه الفتوى أن سفر المرأة وحدها عبر وسائل السفر المأمونة وطرقه المأهولة ومنافذه العامرة؛ من موانئ ومطارات ووسائل مواصلات عامّة، جائز شرعا ولا حرج عليها فيه؛ سواء أكان سفرا واجبا أم مندوبا أم مباحا، وأنّ الأحاديث التي تنهى المرأة عن السفر من غير محرم محمولة على حالة انعدام الأمن، فإذا توفّر الأمن لم يشملها النهي عن السفر أصلا. وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال؛ فيجوز للمرأة أن تسافر لأداء الحج مع صحبة آمنة مِن غير أن يكون معها محرم".