هناك سائل يسأل عن: انتشر في الفترة الأخيرة مَن يحمل سلاحا وهناك مَن يتاجر فيه، ونحن نريد أن نعرف ما هو حكم حيازة السلاح دون ترخيص والتجارة فيه؟ وكان ردّ دار الإفتاء كالتالي: "الحفاظ على النفس والأمن الفردي والمجتمعي مقصد مِن المقاصد الشرعية، وهو إحدى الكليات الخمس العليا في الشريعة الإسلامية، ولذلك جعلت الشريعة الأصل في الدماء والفروج هو الحرمة، وسنّت من الأحكام والحدود ما يكفل الحفاظ على نفوس الآدميين، ويحافظ على حماية الأفراد واستقرار المجتمعات، وسدّت من الذرائع ما يمكن أن يمثّل خطرا على ذلك ولو في المآل. ومن هذا المنطلق جاء تعامُل الشريعة الغرّاء مع قضايا السلاح؛ تصنيعا وبيعا وشراءً واستخداما؛ حيث جعلت ذلك منوطا بتحقق المقاصد الشرعية المعتبرة التي تتوخّى توفير الأمن والحماية للفرد والمجتمع؛ بحيث يمنع بيعُ السلاح وشراؤه أو استخدامُه عند قدحه في شيء من هذه المقاصد. ولمّا كان المقصودُ الأساس الذي عليه مدار مشروعية صُنع السلاح واستخدامه هو الدفاع عن الإنسان ضد الاعتداء عليه؛ فردا كان أو جماعة، ولم يكن المقصودُ به الاعتداء، كان استخدامه منوطا بتحقيق ذلك الدفاع، فإذا تحول إلى الاعتداء أو مَظِنّتِه انقلب المشروع ممنوعا، وصار حمله حراما لصيرورته وسيلةً للحرام. فعلى مستوى الجماعة، يأمر الله تعالى بإعداد قوة الردع التي ترهب العدو وتثنيه عن الاعتداء على بلاد المسلمين؛ فيقول سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، فإذا استُخدِمَتْ القوةُ في العدوان على الخلق دخلت في جانب الحظر، وصارت إفسادا في الأرض، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. وعلى مستوى الأفراد، حرصت الشريعة على اتخاذ التدابير الوقائية وسدّ الذرائع للأمن من أذى السلاح، إلى الحد الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر باتخاذ الحيطة والحذر عند مناولة السلاح بين الناس؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا"، أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي وحسّنه، وصححه ابن حبان والحاكم. ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرّد الإشارة بالسلاح، ولو كان ذلك على سبيل المزاح؛ لمَا فيه من مَظِنَّة الأذى؛ فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ" متفق عليه. ومن أجل ضمان الاستخدام المشروع للسلاح وتلافي مَظِنّة الاعتداء به؛ فقد قيّدت الشريعة حملَه واستعمالَه في بعض المواضع؛ فمنعت حملَه في الأماكن الآمنة التي لا يحتاج فيها إليه؛ كالحرم، وفي الأزمنة التي هي مظنة الأمن كيوم العيد؛ لعدم الاحتياج إليه يومئذٍ، وحرَّم الشرع بيع السلاح في الفتنة؛ لأنها حالة لا يؤمَن فيها استخدامه في القتل. وهذا كلُّه يُستَدَلُّ به على أن الشريعة خوّلت لولي الأمر تقييد استعمال السلاح، وأن له أن يقنن قصر استخدامه على الوجه الذي يجعله محققا للمقصود منه، وهو الدفاع وتحقيق الأمن الداخلي أو الخارجي؛ ليحد بذلك مِن مظنة استخدامه في الاعتداء. ولمّا كانت مهمة الدفاع في الماضي موكولة إلى الأفراد ولم تكن لهم مؤسسات أمنية منظمة تقوم بذلك كان حملُهم السلاحَ مبرّرا، فلمّا وُجِدَتْ المؤسسات الأمنية المنظمة في الدولة المدنية الحديثة وأُنِيطَتْ بها مسئوليةُ حماية الدولة والأفراد، وتنوعت هذه المؤسسات بما يحفظ الأمن الداخلي، وكذا مهمةُ الدفاع ضد العدو الخارجي، ارتفعت مُهمَّةُ الدفاع عن كاهل الأفراد، ووُجِدَت الحاجة الداعية إلى تقنين حمل السلاح؛ حتى لا يُتخذ ذريعة لارتكاب الجرائم، ليقتصر ذلك على الحالات التي هي مَظِنّة الحاجة إلى حمله، مع مراعاة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على سلامة الأنفس وأمن المجتمع. وهذا من قَبِيل تقييدِ المباح الذي خوّلت الشريعةُ للحاكم فعلَه، وهو باب من أبواب السياسة الشرعية التي تُتَوَخّى فيها المصالحُ المرعية؛ فللحاكم أن يسنَّ من التنظيمات والتقنينات ما يراه محققا لمصالح العباد؛ حيث إن تصرفه على الرعية منوط بالمصلحة، ووليّ الأمر أعمّ من أن يكون شخصا طبعيّا، بل يدخل فيه دخولا أوليّا: النظامُ العامُّ، والقوانين واللوائح التي تنظم أمورَ المعاش وقد نص القانون على حظر إحراز وحيازة سلاح دون ترخيص. فالضوابط التي وضعها القانون لحمل السلاح واستخدامه إنما تمثّل ضمانات للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وفي ذلك تحقيق للمقصود الشرعي من حمل السلاح، والتزام الأفراد بها يجب أن ينبع مِن كونها وسائلَ لتحقيق هذا المقصود الشرعي قبل أن تكون طاعةً لولي الأمر والتزاما بالقانون، فإذا ضفنا إلى ذلك وجوب الالتزام بطاعة ولي الأمر وعدم الخروج على النظام العام؛ فإن حمل السلاح حينئذ أو استخدامه أو التجارة فيه بيعا وشراءً أو تصنيعه أو إصلاحه دون ترخيص يكون حراما شرعا، ومن استشعر حاجته لحمل السلاح واستخدامه في أي ظرف من الظروف؛ فعليه أن يستخرج به ترخيصا من جهة الإدارة، وعليه الالتزام بتبعات هذا الترخيص والأحوال التي يُصَرَّحُ له فيها بحمل السلاح واستخدامه؛ فإن لم يفعل عُدّ آثمًا شرعا متسبّبا فيما ينتج عنه من تبعات وخيمة؛ حيث استخدم ما ليس له استخدامُه، والله سبحانه وتعالى أعلم".