لا تتعجّب من فضلك؛ فهذه حقيقة واقعة في حياتنا منذ أن تولّى الإخوان المسلمون حكم مصر؛ فأي شخص كان يتفق معهم في أي موقف -حتى لو كان يختلف معهم في كل المواقف الأخرى- إذن هو إخواني، حتى لو لم يكن يأخذ من الإسلام إلا اسمه، حتى لو كان مظهره ومظهر زوجته وبناته وأسلوب حياته نفسه، يؤكّد -لكل ذي عقل- أنه ليس إخوانيا، بل ليبراليا صرف، تنطق كل حياته بليبراليته التي قد يرفضها ويستهجن منها أي مسلم عادي لا ينتمي لتيار الإخوان، لكن ما دام لم يشتم فيهم ويصفهم ب"الخرفان" حينا وب"الإرهابيين" حينا آخر؛ فهو بالتأكيد إخواني. ولم يعد لقب "الإخواني" له نفس المعنى الذي كان متعارفا عليه منذ عام مضى؛ فلقد أصبح الآن مرادفا للإرهابي الخائن العميل، راعي المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، جاسوس الإسرائيليين. وأنا هنا لا أدافع عن الإخوان، وإن كانت عندي القابلية للتعامل معهم مرة أخرى، بل وأتعامل بالفعل مع بعض من أعرفه منهم، صحيح أختلف معهم في معظم الأمور وصحيح أرفض تكفيرهم لكل مَن ليس معهم، وصحيح أرفض عقلهم الذي أشعر في كثير من الأحيان أنه مغيّب وراء فكرة واحدة يحفظونها ولا يفكّرون في منطقيتها، لكن هذا لا يعني أبدا أني أعتبرهم خونة وجواسيس، وواجب إعدامهم والتخلّص منهم عن بكرة أبيهم، فمَن يدعو لهذا لا أجد له وصفا ولا تعبيرا إلا أنه يهذي. كما أنني لا أرفض الجيش، وإن كنتُ أختلف مع ما حدث من فضّ عنيف للاعتصامين، وكنت أتمنّى أن تكون الخطة الأمنية الموضوعة أكثر إدراكا لطبيعة الأمور في مصر وأكثر حِفظا للأمن وللأمان، لكن أن نترك الجزء الإرهابي من الجماعة يحطّم ويحرق حتى تدمّر صورة الإخوان تماما عند أي متعاطف معهم؛ فهذا أشبه بما نتهمهم نحن به من أنهم يقتلون بعضهم البعض ويتهمون الجيش والشرطة بهذا!! وهكذا ترون أني من الفريق الذي يُعارض هذا وذاك، ويتهمنا الكثيرون الآن بأننا خلايا نائمة أو طابور خامس، وليس الأمر أننا نمسك العصا من المنتصف مثلما كان أبو الفتوح يفعل، فلم يكن له موقف واضح، لكن الأمر أننا نرفض تماما وصف المؤيّدين للجيش بأنهم "عبيد بيادة" حتى لو لم يروا أخطاء الجيش؛ فهذا رأيهم ما لم يسبّوا غيرهم، ونرفض أيضا تماما اتهام كل مَن له علاقة بالتنظيم الإخواني أو متعاطف معهم، وأن نقول عنه إنه إرهابي؛ فهذا ليس حقيقيا على الإطلاق، بل ويُنذر بتهمة جاهزة ستستغلّها أي حكومة قادمة إذا ما عارضها أي معارض؛ فستكون التهمة الأساسية أنه إخواني حتى لو كان ليبراليا أو علمانيا أو حتى بلا دين. ونرفض بالطبع أن يتم اتهامنا مِن قبل الفريقين بأننا خلايا نائمة أو لا نفقه شيئا مثلما كان يحدث أيام ثورة 25 يناير، حينما كان يُقال عن الفريق الذي يقف في المنتصف أنه "حزب الكنبة" وكسول ولا يفقه شيئا، و"بيجيب البلد لورا"، ثمّ اتضح بعد ذلك أن مَن نزلوا وماتوا وأصيبوا هم شباب مغيّب، ينفّذ المشروع الإخواني في مصر مثلما يُشاع الآن. أشعر بجنون مطلق في أحوال بلادنا الآن ربما أكثر مما شعرت به بعد 25 يناير 2011؛ حيث على الأقل كان هناك فريقان واضحان يحتلّون المشهد السياسي؛ فريق الثوّار والمتعاطفون معهم من حزب الكنبة، وفريق الفلول أو مؤيّدو النظام السابق والمتعاطفون معهم بالقلب. لكن الآن.. تتفرّع الفرق وتنتشر وتختلف، والكل يشتم في الكل، والجميع يتهم الجميع، ولا يوجد أحد لديه نظرة شاملة أو رؤية مستقبلية لحال البلد، ولا كيف ستنتهي هذه الفترة، ولا كيف سيتعاون الجميع ويتحدون في الدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام؛ رغم الترويج الشديد لفكرة أن بسقوط الإخوان سينصلح الحال، وتعود الأمور أفضل مما كانت، لكن ما أراه أن حالنا يسود، والأمور تزداد لخبطة وحيرة وظلاما؛ فأنا شخصيا أخشى أن أوافق أي فريق على رأي رآه، حتى لا يظنّ أنني انضممت له؛ فيزيد في تطرّفه، فهو لن يتخيّل أني أتفق معه في هذا الموقف فقط، بل ستسوّل له نفسه أني سأقول "آمين" على كل ما يفعل، وهذا ليس حقيقيا. فلن يتمّ إبادة الإخوان مهما حاولت السلطات، وإلا كان نجح ما فعله بهم مبارك من اضطهاد وحبس حتى كان مَن يصلّي فرضين متتالين في المسجد يُوضع على قوائم الشبهات؛ فإن هذا التصرّف وإن كان قضى على الإرهاب، لكنه ولّد التعاطف الشعبي معهم، واتجه الناس إليهم بعد سقوط نظام مبارك، وأداروا ظهورهم لغيرهم من التيارات المعارضة. صحيح أنه بوصولهم للحكم وفشلهم فيه، فَقَدوا الكثير من مصداقيتهم وتعاطف الشعب معهم، لكن هذا سيكون حال كل حاكم يأتي لمصر في الفترة القادمة، ولنا في البرادعي خير مثال؛ فإن مَن سيأتي ولا يقوم بتحويل حال البلاد مِن حال إلى حال بعصا الساحر، سينقلب الناس ضده، وسيُقارنون بينه وبين الإخوان، وسيُطالبون بإسقاطه؛ فهل سيتمّ اتهامهم في هذه اللحظة أنهم إرهابيون؟!! أعتقد هذا.