وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    يواصل الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 19 مايو 2024    متحدث الحكومة: الدولة بحاجة لحصر شركاتها لتطبيق الحوكمة والدعم    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    أول تعليق رسمي من مصر على اختفاء طائرة الرئيس الإيراني    تعرف على الأندية المتأهلة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2024-2025    بالصور.. حريق يلتهم مخزن خردة ومقهي بعزبه ذكريا في المنيا    تفاصيل المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان دراما رمضان    هيئة الطوارئ التركية: إيران طلبت تزويدها بمروحية ذات رؤية ليلية    «يحالفه الحظ في 3 أيام».. تأثير الحالة الفكلية على برج الجوزاء هذا الأسبوع (التفاصيل)    أسامة كمال: "إسرائيل طول عمرها تعالج أزماتها بالحرب والافتراء على الضعيف"    مستشار الرئيس للصحة يكشف آخر تطورات متحور كورونا الجديد    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    رئيس اللجنة البارالمبية: نشكر لجنة الساق الواحدة لمجهوداتهم في كأس الأمم الأفريقية    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض بيروت للكتاب بعيون ضيوفه العرب
نشر في صوت البلد يوم 17 - 12 - 2017

لا شك في أن معرض بيروت للكتاب يفقد رونقه عاماً تلو آخر. ولعلّ قيمته ما زالت محصورة في رمزيته كمعرضٍ رائدٍ احتضنته العاصمة اللبنانية في خمسينات القرن العشرين ليصير أمثولةً احتذت بها الدول العربية كافةً. زوّار المعرض في دورته الحادية والستين أدركوا أنّ المهرجان الثقافي الأول في بيروت ما عاد «عرساً» للكتاب كما جرت تسميته، فكأنّ «نجوميته» خفتت وبهجته اختفت. ومع ذلك، فإنّ التركيز على مشكلاته حصراً غير جائز، باعتبار أنّ حضوره الثابت في بلد التحولات يظل دليل عافية.
وبوضوح أكثر، ليس من اللياقة أن نهاجم معرضاً للكتاب في بلدٍ لا يمنح سياسيّوه الثقافة اهتماماً ولا يولي مواطنوه إياها اكتراثاً. ولسنا هنا في موضع الدفاع عن منظميه (النادي الثقافي العربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين) المسؤولين عن مراقبة الهنات ومعالجتها، لكنّ «مثاليتنا» في التعاطي مع معرض الكتاب تبدو كاريكاتورية أمام الواقع اللبناني الراهن، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً. فالمعرض لا ينفصل عن حالة البلد ككلّ، هيئته الهزيلة تعكس عجز موازنتنا، وحفلات التوقيع فيه تتماشى واستعراضية مجتمعنا وقلّة الزوّار الحقيقيين جزءاً من تراجع القراءة في عاصمة النشر.
لقد اعتدنا أن نقسو على أنفسنا أكثر من غيرنا، فأخذنا نعيب على المعرض عجزه عن مواكبة العصر بدل البحث عن أسباب هذا العجز، أو ربما العمل على طرح الحلول البديلة عوض مقالات «النقّ» وعبارات التذمّر التي صارت لصيقة به، دورةً تلو أخرى. ولا يأتي هذا الكلام بغية تجميل حقيقةٍ جليّة لا تخفى على أيّ زائر أو ناشر، ولكن تمسكاً بإحدى الظواهر الثقافية القليلة المتبقية في بيروت. لقد حاول المعرض في دورته الحالية «اللعب» على صفة «الدولية» عبر التعاون مع السفارة الأوكرانية وتقديم بعض الأعمال المسرحية والإبداعية المترجمة، لكنّ المحاولة كانت ديبلوماسية و «فولكلورية» أكثر منها أدبية. واشتركت في المعرض أيضاً من 65 دار نشر ومكتبة، فبدا لبنانيّ الطابع مع 160 دار نشر محلية.
لكنّ سؤالنا يبقى عن السبب الحقيقي وراء هذا التراجع والعجز عن اللحاق بوتيرة معارض عربية أخرى جاءت بعده بأعوام إن لم نقل بعقود. هل هي مشكلة تنظيم يتحمل مسؤوليتها النادي؟ الوضع اللبناني الداخلي؟ أم هي أزمة القارئ اللبناني نفسه؟ قد لا يكون الجواب حاضراً عند شخصٍ بعينه، وقد لا تكون هناك أزمة حقيقية وإنما حاجة إلى التجديد فقط. فماذا لو تخيلنا أنّ المعرض البيروتي أطلق جائزة أدبية محلية أو عربية باسمه لكي تُمنح في ختامه (أو انطلاقته) إلى كتاب ما؟ وهل لنا أن نتخيّل الجوّ الذي يولّده وجود روائيين أجانب معروفين ومترجمين إلى العربية في معرضنا؟
استفتاء
ولكي نتأمّل المعرض بعينٍ جديدة، قرّرت «الحياة» استفتاء بعض الكتّاب العرب ممّن زاروه بهدف توقيع أعمالهم أو لقاء الأصدقاء والأحبّة. ومن بينهم الروائي والناقد المغربي أحمد المديني، وهو يقول: «للمرة الثالثة، متوالية، أحضر معرض بيروت للكتاب، أو معرض بيروت الدولي للكتاب، كما يسميه أصحابه، وآخرون في بلدان عربية غير لبنان، ولا تمتلك معارضهم من الدولية إلا الاسم محمولاً عسفاً. في المرتين السابقتين اغتبطت بالحضور، ورأيت دلائل حيوية وانتعاشاً ثقافياً وطباعياً، ظلت بيروت عقوداً سيدته. ولم يفتني جوّ حماسة وحيوية ظاهرتين، لدى الكتاب اللبنانيين، وبعض العرب الوافدين والزوار لهذه المناسبة الثقافية والتجارية، أيضاً، المهمة.
تغاضياً عن كل السلبيات التي تتفنن الصحافة اللبنانية في أحصائها بالدرجة الأولى، أفضل أن اعتبر اجتماع شمل الناشرين والكتاب في بلد عانى الويلات يعد في ذاته مظهراً إيجابياً. وليكن مسموحاً لي بعد هذا تقديم ملاحظات ربما يوفر التجاوب معها إيجابيات مطلوبة. عرفت لبنان وتقلبت في أجوائه الثقافية عن بعد وقرب، وأحب أن احتفي الآن بهذه اللحظة على علاّتها، مدركاً دائماً أن أهل مكة أدرى بشعابها.
ربما أشاطرهم في هذه الزيارة الثالثة بعص همومهم، وأسجّل مآخذ يمكن تجاوزها بجهد قليل، بخاصة من اللبنانيين أنفسهم وهم دينامو معارض الكتاب العربية وسادتها، وبلادهم حتى عهد قريب جداً عاصمة النشر في العالم العربي؛ وها هم في معرضها هذا، عجباً- يقدّمون، أو الجهة المكلفة بالتنظيم والإعداد، صورة متواضعة جداً عن أي معرض للكتاب، يصحّ أن نسميه بالأحرى بازار الكتاب اللبناني، بحكم الحضور شبه المطلق للدور اللبنانية وحدها؛ غياب بلدان الخليج العربي (نعم لأسباب سياسية معلومة، وهذا لا يكفي مبرراً)؛ غياب بلدان المغرب العربي (ما عدا المركز الثقافي العربي، من حسن الحظ، وهو دار نشر زاهرة، لبنانية مغربية)؛ غياب مصر، التي رأى رئيس اتحاد ناشريها أن معرض بيروت هو للناشرين لا للقراء. وأنت لا تملك إلا المصادقة على هذا الرأي، بصرف النظر عن أي نزعة شوفينية محتملة ومبطنة. فماذا يملك إذاً معرض بيروت ليكون عربياً، أولاً، ودولياً ثانياً. بالتأكيد، إنه حافل بالكتب العربية بإصناف، وتجد فيه نماذج متخيرة للثقافة والإبداع العربيين في وضعهما الراهن. وهذا لا يكفي، بل بتاتاً، لأن اصطفاف دور نشر مستقلة أو مندمجة، في هيئة مكتبات عائمة في مساحة العرض، تتجاور وتزدحم في رفوفها وطاولاتها الكتب ومركزها (قلبها النابض) فتيان أو محاسبون لتحصيل المبيع، إنما يصنع شكل «بازار». نادراً ما تجد في جناح دار من يُستقبل أو يعرف أو يبدو معنياً بجد وعارفاً حقاً ببضاعته، أي بفكرة المعرض وروحه، والتي هي اليوم اختصاص دقيق. اللهم لقاءات توقيع لطيفة أشبه بالفرجة، طبعاً ضرورية لترويج الكتاب، وللتعريف بالكاتب.
ولكن، أين هو الكاتب، أين الكتّاب في معرض الكتاب؟ إن دور النشر هي المعنية الأولى بإحضارهم وبتنظيم جلسات لهم؛ والندوات التي تصاحبه قليلة جداً ويفترض أن تكون مركزية لا في الهامش أو كيفما اتفق. وما ضرّ النادي الثقافي، الجهة المسؤولة، لو كان يدعو لمناسبته السنوية، هذه، عدداً من الكتاب العرب والأجانب تسند قيمته وتمنحه فعلاً التسمية الدولية استحقاقاً لا شعاراً أجوف.
ما أحسب الاعتذار بالجانب المالي وما شابه حجة مقبولة، فإخوة لبنان أساتذة في التدبير وتسيير الأعمال، وغيورون على بلدهم، كيف فاتهم أن يضحوا، هم ووسطهم، بقليل من المال ليزيدوا في أبّهة معرضهم، ويقدموا إلى العالم العربي صورة حسنة عن لبنان يتعافى، والثقافة من أنصع وجوهه وانتعاشها دليل عافية له بلا نظير، هكذا كان وينبغي أن يعود، ومعرض الكتاب مناسبة لإعادة الثقة. ولكن، يبدو لي أنا المغربي، بين عرب آخرين، أنّ الوسط الثقافي اللبناني، يشبهه المصري هنا بل يتفوق عليه، مكتف بحاله، مستغن عن غيره، وإذا استثنينا أدباء كسبناهم أصدقاء، ويؤمنون حقاً بحضورهم الفاعل في الساحة العربية، وانتصاراً لقيمهم، فاللبناني غير معني بهذا «العالم»، بالمفردة اللبنانية، ولتكن صلة النشر، أو السوق، وشيء من هذا القبيل. بيروت ليست هكذا، رواد العربية والعروبة والنهضة والتقدم والحداثة امتلكوا فكراً مختلفاً وروحاً مغايرة تماماً عن الانغلاق والتباعد.
وأشهد في هذه المناسبة أن أدباء لبنانيين حداثيين وجادين فعلاً فتحوا لنا الباب والأحضان نحن أبناء المغرب العربي ورعونا ورافقوا تلعثمنا بحدب ومحبة، لا يفوتني أن أذكر منهم الشاعر البليغ المجدد بلا حدود بول شاوول. أخشى إن مرّ بمعرض بيروت هذا العام، بخاصة أمام عدد من الأروقة ودور النشر المزعومة، وتصفح أو رأى بأمّ العين ما تعرضه فرضاً للقارئ اللبناني، العربي، لزاد شيب شعره اشتعالاً، ولولّى فراراً، ومثلي تساءل بهلع: أحقاً أنا في بيروت؟!، أوصحيح أنها البضاعة الثقافية للألفية الثالثة.؟! ماذا جرى- يجري يا عالم؟!».
وإذا تابعنا بعض تعليقات الكتّاب اللبنانيين والعرب على مواقع التواصل الاجتماعي لوجدنا أنّ كثيرين منهم يتفقون مع الكاتب أحمد المديني. مشكلة المعرض أنه صار باهتاً، على غرار بيروت التي فقدت كثيراً من دفئها القديم. الشاعر السوري مروان علي الذي أتى إلى بيروت بعد غياب عنها دام عقدين. لم تهزّه تغيرات المعرض أمام تغيرات بيروت نفسها، فكتب على صفحته الفايسبوكية: «أسير في شوارع بيروت مثل سائح أجنبي... بيروت التي كنت أعرفها جداً. تغيرت الشوارع والأمكنة والجدران والأشجار وحتى البحر... لولا الصديقات والأصدقاء، لكنت غريباً في بيروت».
ملتقى ثقافي للحوار
أما الشاعر العراقي محمد مظلوم فيقول : «أشارك هذا العام في معرض بيروت الدولي من خلال كتاب «الفكاهة والإئتناس في مجون أبي نواس»، الصادر عن دار الجمل، وهو تحقيق في أشعاره المحذوفة من ديوانه. وعلى رغم بعض المآخذ، أعتقد أنّ ما يميّز معرض بيروت أنّه ليس مجرد سوق لبيع الكتب وإنما هو ملتقى ثقافي للحوار وللتعرّف إلى مجمل المشهد الثقافي العربي بتفاصيله. ثمة ندوات يمكن أن تمنح فكرة عن واقع الثقافة بعامة، إضافة إلى اللقاءات الشخصية التي تساهم في تجديد التواصل بين الأجيال الثقافية وكتّاب الأنواع الأدبية المختلفة. أما بالنسبة إلى الكتب، فأجدني مدهوشاً أمام سطوة حفلات التوقيع التي باتت نوعاً من الوجاهة الاجتماعية أكثر من كونها بحثاً عن كتاب محدد. فالقارئ المجهول الذي يبحث عن كتاب معيّن كأنه يختلسه من بين الكتب الأخرى، هو القارئ النوعي بنظري وهو من يجب أن يكون حاضراً أولاً في معارض الكتاب أينما كانت».
أما الكاتب والمترجم المصري محمود حسني فأخبرنا بانطباعه عن المعرض الذي يزوره للمرّة الأولى في حياته قائلاً: «هذه هي المرة الأولى التي أشارك في معرض بيروت للكتاب، أما هدف المشاركة فهو توقيع روايتي الأولى «خرائط يونس» عن دار الساقي، الحائزة منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق). وأوّل ما لفتني في معرض بيروت فترته الزمنية الطويلة، بحيث تظلّ أبوابه مفتوحة على مدار اليوم، من العاشرة صباحاً للعاشرة مساء، ولمدة أسبوعين متتاليين، وهو ما لا نراه في معرض القاهرة مثلاً.
وانتبهت أيضاً إلى المساحات المنظمة والخاصة بحفلات التوقيع أو ببعض الحفلات الموسيقية، وهي أشياء ضرورية على نحو جمالي. لكنني رأيت أنّ ثمة مشكلة حقيقية في مكان إقامة المعرض، ولعله يحتاج إلى تغيير. فالطريق إليه مزدحم جداً في معظم الأوقات، ما يترك لدى الزائر انطباعاً سيئاً قبل الوصول إلى المعرض نفسه. وفي الداخل، تجد الأجنحة في أرجاء كثيرة من المعرض مكدّسة، إضافة إلى مشكلات توزيع الإضاءة التي تمثل عائقاً حقيقياً أثناء التجول بين الكتب. وأعتقد أن هذه الأشياء كلها يمكن التغلب عليها تقنياً من دون صعوبات كبيرة، ويجب العمل على التفاصيل من أجل تقديم المعرض بأجمل صورة وبالمعايير التي ترقى إلى مستوى معرض بيروت للكتاب وتاريخه».
لا شك في أن معرض بيروت للكتاب يفقد رونقه عاماً تلو آخر. ولعلّ قيمته ما زالت محصورة في رمزيته كمعرضٍ رائدٍ احتضنته العاصمة اللبنانية في خمسينات القرن العشرين ليصير أمثولةً احتذت بها الدول العربية كافةً. زوّار المعرض في دورته الحادية والستين أدركوا أنّ المهرجان الثقافي الأول في بيروت ما عاد «عرساً» للكتاب كما جرت تسميته، فكأنّ «نجوميته» خفتت وبهجته اختفت. ومع ذلك، فإنّ التركيز على مشكلاته حصراً غير جائز، باعتبار أنّ حضوره الثابت في بلد التحولات يظل دليل عافية.
وبوضوح أكثر، ليس من اللياقة أن نهاجم معرضاً للكتاب في بلدٍ لا يمنح سياسيّوه الثقافة اهتماماً ولا يولي مواطنوه إياها اكتراثاً. ولسنا هنا في موضع الدفاع عن منظميه (النادي الثقافي العربي بالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين) المسؤولين عن مراقبة الهنات ومعالجتها، لكنّ «مثاليتنا» في التعاطي مع معرض الكتاب تبدو كاريكاتورية أمام الواقع اللبناني الراهن، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً. فالمعرض لا ينفصل عن حالة البلد ككلّ، هيئته الهزيلة تعكس عجز موازنتنا، وحفلات التوقيع فيه تتماشى واستعراضية مجتمعنا وقلّة الزوّار الحقيقيين جزءاً من تراجع القراءة في عاصمة النشر.
لقد اعتدنا أن نقسو على أنفسنا أكثر من غيرنا، فأخذنا نعيب على المعرض عجزه عن مواكبة العصر بدل البحث عن أسباب هذا العجز، أو ربما العمل على طرح الحلول البديلة عوض مقالات «النقّ» وعبارات التذمّر التي صارت لصيقة به، دورةً تلو أخرى. ولا يأتي هذا الكلام بغية تجميل حقيقةٍ جليّة لا تخفى على أيّ زائر أو ناشر، ولكن تمسكاً بإحدى الظواهر الثقافية القليلة المتبقية في بيروت. لقد حاول المعرض في دورته الحالية «اللعب» على صفة «الدولية» عبر التعاون مع السفارة الأوكرانية وتقديم بعض الأعمال المسرحية والإبداعية المترجمة، لكنّ المحاولة كانت ديبلوماسية و «فولكلورية» أكثر منها أدبية. واشتركت في المعرض أيضاً من 65 دار نشر ومكتبة، فبدا لبنانيّ الطابع مع 160 دار نشر محلية.
لكنّ سؤالنا يبقى عن السبب الحقيقي وراء هذا التراجع والعجز عن اللحاق بوتيرة معارض عربية أخرى جاءت بعده بأعوام إن لم نقل بعقود. هل هي مشكلة تنظيم يتحمل مسؤوليتها النادي؟ الوضع اللبناني الداخلي؟ أم هي أزمة القارئ اللبناني نفسه؟ قد لا يكون الجواب حاضراً عند شخصٍ بعينه، وقد لا تكون هناك أزمة حقيقية وإنما حاجة إلى التجديد فقط. فماذا لو تخيلنا أنّ المعرض البيروتي أطلق جائزة أدبية محلية أو عربية باسمه لكي تُمنح في ختامه (أو انطلاقته) إلى كتاب ما؟ وهل لنا أن نتخيّل الجوّ الذي يولّده وجود روائيين أجانب معروفين ومترجمين إلى العربية في معرضنا؟
استفتاء
ولكي نتأمّل المعرض بعينٍ جديدة، قرّرت «الحياة» استفتاء بعض الكتّاب العرب ممّن زاروه بهدف توقيع أعمالهم أو لقاء الأصدقاء والأحبّة. ومن بينهم الروائي والناقد المغربي أحمد المديني، وهو يقول: «للمرة الثالثة، متوالية، أحضر معرض بيروت للكتاب، أو معرض بيروت الدولي للكتاب، كما يسميه أصحابه، وآخرون في بلدان عربية غير لبنان، ولا تمتلك معارضهم من الدولية إلا الاسم محمولاً عسفاً. في المرتين السابقتين اغتبطت بالحضور، ورأيت دلائل حيوية وانتعاشاً ثقافياً وطباعياً، ظلت بيروت عقوداً سيدته. ولم يفتني جوّ حماسة وحيوية ظاهرتين، لدى الكتاب اللبنانيين، وبعض العرب الوافدين والزوار لهذه المناسبة الثقافية والتجارية، أيضاً، المهمة.
تغاضياً عن كل السلبيات التي تتفنن الصحافة اللبنانية في أحصائها بالدرجة الأولى، أفضل أن اعتبر اجتماع شمل الناشرين والكتاب في بلد عانى الويلات يعد في ذاته مظهراً إيجابياً. وليكن مسموحاً لي بعد هذا تقديم ملاحظات ربما يوفر التجاوب معها إيجابيات مطلوبة. عرفت لبنان وتقلبت في أجوائه الثقافية عن بعد وقرب، وأحب أن احتفي الآن بهذه اللحظة على علاّتها، مدركاً دائماً أن أهل مكة أدرى بشعابها.
ربما أشاطرهم في هذه الزيارة الثالثة بعص همومهم، وأسجّل مآخذ يمكن تجاوزها بجهد قليل، بخاصة من اللبنانيين أنفسهم وهم دينامو معارض الكتاب العربية وسادتها، وبلادهم حتى عهد قريب جداً عاصمة النشر في العالم العربي؛ وها هم في معرضها هذا، عجباً- يقدّمون، أو الجهة المكلفة بالتنظيم والإعداد، صورة متواضعة جداً عن أي معرض للكتاب، يصحّ أن نسميه بالأحرى بازار الكتاب اللبناني، بحكم الحضور شبه المطلق للدور اللبنانية وحدها؛ غياب بلدان الخليج العربي (نعم لأسباب سياسية معلومة، وهذا لا يكفي مبرراً)؛ غياب بلدان المغرب العربي (ما عدا المركز الثقافي العربي، من حسن الحظ، وهو دار نشر زاهرة، لبنانية مغربية)؛ غياب مصر، التي رأى رئيس اتحاد ناشريها أن معرض بيروت هو للناشرين لا للقراء. وأنت لا تملك إلا المصادقة على هذا الرأي، بصرف النظر عن أي نزعة شوفينية محتملة ومبطنة. فماذا يملك إذاً معرض بيروت ليكون عربياً، أولاً، ودولياً ثانياً. بالتأكيد، إنه حافل بالكتب العربية بإصناف، وتجد فيه نماذج متخيرة للثقافة والإبداع العربيين في وضعهما الراهن. وهذا لا يكفي، بل بتاتاً، لأن اصطفاف دور نشر مستقلة أو مندمجة، في هيئة مكتبات عائمة في مساحة العرض، تتجاور وتزدحم في رفوفها وطاولاتها الكتب ومركزها (قلبها النابض) فتيان أو محاسبون لتحصيل المبيع، إنما يصنع شكل «بازار». نادراً ما تجد في جناح دار من يُستقبل أو يعرف أو يبدو معنياً بجد وعارفاً حقاً ببضاعته، أي بفكرة المعرض وروحه، والتي هي اليوم اختصاص دقيق. اللهم لقاءات توقيع لطيفة أشبه بالفرجة، طبعاً ضرورية لترويج الكتاب، وللتعريف بالكاتب.
ولكن، أين هو الكاتب، أين الكتّاب في معرض الكتاب؟ إن دور النشر هي المعنية الأولى بإحضارهم وبتنظيم جلسات لهم؛ والندوات التي تصاحبه قليلة جداً ويفترض أن تكون مركزية لا في الهامش أو كيفما اتفق. وما ضرّ النادي الثقافي، الجهة المسؤولة، لو كان يدعو لمناسبته السنوية، هذه، عدداً من الكتاب العرب والأجانب تسند قيمته وتمنحه فعلاً التسمية الدولية استحقاقاً لا شعاراً أجوف.
ما أحسب الاعتذار بالجانب المالي وما شابه حجة مقبولة، فإخوة لبنان أساتذة في التدبير وتسيير الأعمال، وغيورون على بلدهم، كيف فاتهم أن يضحوا، هم ووسطهم، بقليل من المال ليزيدوا في أبّهة معرضهم، ويقدموا إلى العالم العربي صورة حسنة عن لبنان يتعافى، والثقافة من أنصع وجوهه وانتعاشها دليل عافية له بلا نظير، هكذا كان وينبغي أن يعود، ومعرض الكتاب مناسبة لإعادة الثقة. ولكن، يبدو لي أنا المغربي، بين عرب آخرين، أنّ الوسط الثقافي اللبناني، يشبهه المصري هنا بل يتفوق عليه، مكتف بحاله، مستغن عن غيره، وإذا استثنينا أدباء كسبناهم أصدقاء، ويؤمنون حقاً بحضورهم الفاعل في الساحة العربية، وانتصاراً لقيمهم، فاللبناني غير معني بهذا «العالم»، بالمفردة اللبنانية، ولتكن صلة النشر، أو السوق، وشيء من هذا القبيل. بيروت ليست هكذا، رواد العربية والعروبة والنهضة والتقدم والحداثة امتلكوا فكراً مختلفاً وروحاً مغايرة تماماً عن الانغلاق والتباعد.
وأشهد في هذه المناسبة أن أدباء لبنانيين حداثيين وجادين فعلاً فتحوا لنا الباب والأحضان نحن أبناء المغرب العربي ورعونا ورافقوا تلعثمنا بحدب ومحبة، لا يفوتني أن أذكر منهم الشاعر البليغ المجدد بلا حدود بول شاوول. أخشى إن مرّ بمعرض بيروت هذا العام، بخاصة أمام عدد من الأروقة ودور النشر المزعومة، وتصفح أو رأى بأمّ العين ما تعرضه فرضاً للقارئ اللبناني، العربي، لزاد شيب شعره اشتعالاً، ولولّى فراراً، ومثلي تساءل بهلع: أحقاً أنا في بيروت؟!، أوصحيح أنها البضاعة الثقافية للألفية الثالثة.؟! ماذا جرى- يجري يا عالم؟!».
وإذا تابعنا بعض تعليقات الكتّاب اللبنانيين والعرب على مواقع التواصل الاجتماعي لوجدنا أنّ كثيرين منهم يتفقون مع الكاتب أحمد المديني. مشكلة المعرض أنه صار باهتاً، على غرار بيروت التي فقدت كثيراً من دفئها القديم. الشاعر السوري مروان علي الذي أتى إلى بيروت بعد غياب عنها دام عقدين. لم تهزّه تغيرات المعرض أمام تغيرات بيروت نفسها، فكتب على صفحته الفايسبوكية: «أسير في شوارع بيروت مثل سائح أجنبي... بيروت التي كنت أعرفها جداً. تغيرت الشوارع والأمكنة والجدران والأشجار وحتى البحر... لولا الصديقات والأصدقاء، لكنت غريباً في بيروت».
ملتقى ثقافي للحوار
أما الشاعر العراقي محمد مظلوم فيقول : «أشارك هذا العام في معرض بيروت الدولي من خلال كتاب «الفكاهة والإئتناس في مجون أبي نواس»، الصادر عن دار الجمل، وهو تحقيق في أشعاره المحذوفة من ديوانه. وعلى رغم بعض المآخذ، أعتقد أنّ ما يميّز معرض بيروت أنّه ليس مجرد سوق لبيع الكتب وإنما هو ملتقى ثقافي للحوار وللتعرّف إلى مجمل المشهد الثقافي العربي بتفاصيله. ثمة ندوات يمكن أن تمنح فكرة عن واقع الثقافة بعامة، إضافة إلى اللقاءات الشخصية التي تساهم في تجديد التواصل بين الأجيال الثقافية وكتّاب الأنواع الأدبية المختلفة. أما بالنسبة إلى الكتب، فأجدني مدهوشاً أمام سطوة حفلات التوقيع التي باتت نوعاً من الوجاهة الاجتماعية أكثر من كونها بحثاً عن كتاب محدد. فالقارئ المجهول الذي يبحث عن كتاب معيّن كأنه يختلسه من بين الكتب الأخرى، هو القارئ النوعي بنظري وهو من يجب أن يكون حاضراً أولاً في معارض الكتاب أينما كانت».
أما الكاتب والمترجم المصري محمود حسني فأخبرنا بانطباعه عن المعرض الذي يزوره للمرّة الأولى في حياته قائلاً: «هذه هي المرة الأولى التي أشارك في معرض بيروت للكتاب، أما هدف المشاركة فهو توقيع روايتي الأولى «خرائط يونس» عن دار الساقي، الحائزة منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق). وأوّل ما لفتني في معرض بيروت فترته الزمنية الطويلة، بحيث تظلّ أبوابه مفتوحة على مدار اليوم، من العاشرة صباحاً للعاشرة مساء، ولمدة أسبوعين متتاليين، وهو ما لا نراه في معرض القاهرة مثلاً.
وانتبهت أيضاً إلى المساحات المنظمة والخاصة بحفلات التوقيع أو ببعض الحفلات الموسيقية، وهي أشياء ضرورية على نحو جمالي. لكنني رأيت أنّ ثمة مشكلة حقيقية في مكان إقامة المعرض، ولعله يحتاج إلى تغيير. فالطريق إليه مزدحم جداً في معظم الأوقات، ما يترك لدى الزائر انطباعاً سيئاً قبل الوصول إلى المعرض نفسه. وفي الداخل، تجد الأجنحة في أرجاء كثيرة من المعرض مكدّسة، إضافة إلى مشكلات توزيع الإضاءة التي تمثل عائقاً حقيقياً أثناء التجول بين الكتب. وأعتقد أن هذه الأشياء كلها يمكن التغلب عليها تقنياً من دون صعوبات كبيرة، ويجب العمل على التفاصيل من أجل تقديم المعرض بأجمل صورة وبالمعايير التي ترقى إلى مستوى معرض بيروت للكتاب وتاريخه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.