إبراهيم عيسى: مصر تتعرض لهجوم واستفزاز.. وتقرير CNN "بلاهة ووقاحة"    لبيب: الفوز بالكونفدرالية يمنح إنبي 100 ألف دولار.. وتحقيق داخلي بسبب أحداث النهائي    تقديم رياض الأطفال بالمدارس الحكومية 2024 /2025.. تعرف على الضوابط والمستندات    عامر حسين: نرحب بالأندية الموافقة على خوض كأس مصر بدون الدوليين.. وإلغاء المسابقة شائعات    استمرار التطوير وإزالة المخالفات بجنوب الغردقة    تعرف علي امنية أسماء جلال في عيد ميلادها    مخرج فيلم بنقدر ظروفك: أحمد الفيشاوي ملتزم وبييجي قبل ميعاد تصويره بساعة    القاهرة الإخبارية: مظاهرة في القدس المحتلة للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى والمحتجزين    إلهام شاهين بختام إيزيس : أتمنى أن تقام الدورة القادمة فى فلسطين الحبيبة    مساعد رئيس هيئة الدواء: صادراتنا من المستحضرات الدوائية تجاوزت 1.5 مليار دولار    "جوزي بيحب واحدة متجوزة".. رسالة من سيدة ورد حاسم من أمين الفتوى    صندوق النقد الدولي يبدأ المراجعة الثالثة على برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري    بروتوكول تعاون بين "الجلالة" و"سيمينز" لتعزيز التعليم في التصوير الطبي    "شوف هتعيد امتى".. هيئة الأوقاف تُعلن موعد عيد الأضحى 2024 في السعودية    تسيير حركة المرور بالطريق الصحراوي الغربي عقب توقفه لأكثر من ساعة    ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي «وهمي» في الإسكندرية    وزير الخارجية البحريني يؤكد أهمية زيارة الملك حمد بن عيسى إلى روسيا    نائب جامعة الأزهر: سيكون لنا نصيب كبير فى التصنيفات العالمية للجامعات (فيديو)    الوفد: حريصون على توعية العمال بدور الدولة في الحفاظ على حقوقهم    سهير جودة تنتقد الهجوم على صلاح: البعض يرغب في اغتياله معنويًا    الأحد المقبل.. برنامج العودة إلى الجذور يكرم أبو الحسن سلام بالإسكندرية    جريزمان يحسم موقفه من الرحيل للدوري السعودي    هل يجوز بيع جلد الأضحية؟.. الإفتاء توضح    أمين صندوق الاتحاد الإفريقي للساق الواحدة: مباراة مصر والمغرب ذات طابع تاريخي    من برجك- تعرف على اضطراب الشخصية الذي تعاني منه    التحريات تكشف ملابسات واقعة اختطاف شاب وإجباره على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    سوناك يدعو إلى إجراء انتخابات عامة في 4 يوليو    أتالانتا ضد باير ليفركوزن.. التشكيل الرسمى لقمة نهائى الدورى الأوروبى    لدايت أسهل.. طريقة عمل سلطة الفاصوليا البيضاء    انطلاق فعاليات مبادرة «سلامتك تهمنا» بزراعة المنيا    كلاكيت تاني مرة.. سلوى عثمان أمام دنيا سمير غانم في فيلم روكي الغلابة    ماذا تفعل حال تسجيل مخالفة مرورية غير صحيحة على سيارتك؟    ما سبب وجود رائحة عند تشغيل التكييف؟.. «اتخلصي منها في خطوة»    لينك نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني    مانشستر يونايتد يحدد موعد إقالة إيريك تين هاج ويحدد البدائل    رئيس لجنة الثقافة: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    أمين الفتوى يوضح أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة: هذا اليوم صيامه حرام    بعد انتهاء الانتخابات.. ننشر قائمة مجلس إدارة غرفة المطاعم السياحية    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    توقيع بروتوكول لعلاج 2000من العاملين بشركات القابضة الكيماوية    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    الجارديان: وفاة رئيسي قد تدفع إيران لاتجاه أكثر تشددًا    اتصالات النواب: البريد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني وحقق أرباحا بمليار و486 مليون جنيه    الأهلى يرفع راية التحدى أمام الترجى كولر يحذر من لدغات الخصم المفاجئة.. ويطالب بالحسم المبكر    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر لبدء موسم الحج البري    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبيّض: أول عاصمة سودانية في تاريخ الثورة المهدية
نشر في صوت البلد يوم 07 - 06 - 2017

عروس الرمال هي مدينة الأُبيّض (بضم الهمزة وكسر الياء المشددّة) وتعتبر من أهم المدن السودانية من حيث الموقع الجغرافي المتميز والقيمة التاريخية والتجارية وهي عاصمة ولاية شمال كردفان غربي السودان.
وتحتل الأبيض، التي تبعد 588 كيلمترا جنوب غرب الخرطوم، موقعاً استراتيجياً في وسط السودان بين أقاليمه الجغرافية والمناخية والاقتصادية المختلفة، بين المنطقة الصحراوية وشبه الصحراوية والسافانا الجافة والرطبة، وبين المناطق المدارية الجافة والمناطق المطيرة، وبين غرب البلاد وشرقها وجنوبها.
والأُبيّض تصغير للأبيض واختلفت الروايات كما هو الحال في العديد من المدن السودانية حول أصل التسمية لكن كلها مرتبطة بالماء وتشير إحداها لحمار أبيض اكتشف موردا للمياه وهنالك رواية تقول أن الأبيض هو اسم المجرى المائي في جنوب المدينة الحالية (خور أبيض) وسمي كذلك لصفاء مياهه.
تركيبة سكانية متنوعة وقبر ل «اليهودي المجهول»
وبلغ عدد سكان الأبيض في عام 2010 حوالي 398،993 نسمة وكغيرها من مدن السودان ضمت كل القبائل، إضافة إلى مجموعات أثنية مختلفة ينتمي بعضها إلى أصول أجنبية كالأرمن والأقباط المصريين واليمنيين وغيرهم وتضم التركيبة السكانية أيضاً مجموعة من اليهود، ولهذا توجد في المدينة عدة كنائس إلى جانب المساجد وكان يوجد فيها كنيس لليهود.
ويوثق الصحافي طاهر محمد علي لمدينته الأبيض من خلال زوايا عديدة ويشير إلى قبر «اليهودي المجهول» ويقول:» أخذت سيرته في التداول لزمن طويل وكذا الروايات التي تفيد بأن القبر الموجود عند مدخل حي أمير، لراحل يهودي حار أهل الأبيض في دفنه وفي طبيعة الحال هناك مقابر للمسلمين وأخرى للمسيحيين وبالتالي دفن اليهودي في قبر لوحده شمال مدرسة القيادة وجنوب مقابر النصارى الكائنة أمام سجن الأبيض».
ملتقى طرق القوافل
وتدل الدراسات التاريخية على أن المدينة نشأت في فترة ازدهار تجارة القوافل بين سلطنة سنار ومصر في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حيث كانت تمر عبرها القوافل القادمة من الجنوب (جمهورية جنوب السودان حاليا) ومن سنار. وكانت الأبّيض محطة لتجميع السلع واستراحة للقوافل قبل انطلاقها نحو الشمال إلى أسيوط في مصر وإلى ليبيا عبر الصحراء ومن ثم إلى البندقية في أوروبا وأصبحت أهم ميناء بري صحراوي جنوب الصحراء.
كما كانت تستقبل قوافل الحجيج القادمة من نيجيريا والغرب الأوسط الافريقي في طريقها نحو الأراضي المقدسة في الحجاز وتطورت المدينة في القرن السابع عشر الميلادي إلى سوق مهمة في المنطقة زاخرة بالسلع القادمة من الجنوب والغرب مثل السمسم والدخن والصمغ العربي والفول السوداني والعاج وريش النعام والجلود والأعشاب الطبية وشمع العسل والماشية إلى جانب السلع المستوردة من الخارج كالمسك، والصابون، والتبغ، والسجاد، والخزف والمرجان الحقيقي والصناعي والأساور والفضة، والحرير وورق الكتابة، والزجاج.
ويقول الباحث خالد الشيخ حاج محمود وهو وزير الثقافة والإعلام في ولاية شمال كردفان إن المدينة لعبت أدوارا تاريخية مهمة في السودان، مشيرا إلى أنها كانت أول عاصمة في تاريخ الثورة المهدية وانطلقت منها الشرارة الكبرى التي انتهت بتحرير الخرطوم ومقتل غردون وشهدت معركة فاصلة قتل فيها القائد الإنكليزي هكس باشا وهي معركة شيكان. ويرى خالد الشيخ أن المدينة لها دور كبير في نشأة مدينة أم درمان حيث انطلقت منها ومن المناطق التي حولها المجموعات السكانية التي استقرت في أم درمان وحاصرت جيش غردون.
ويرتبط تاريخ المدينة بتاريخ مملكة المسبعات التي نشأت في منطقة كردفان في الفترة بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر بواسطة مجموعات عربية هاجرت واستقرت في تلك المنطقة، حيث كانت مدينة الأبيض عاصمة لها وقد تعرضت لسلسلة من الحروب والمناوشات من سلطنة الفور وسلطنة سنار المجاورتين بهدف السيطرة عليها وعلى طريق التجارة التي تمر عبرها.
مركز للجيش التركي
ونسبة لموقعها المهم اختارها الأتراك مركزا لجيشهم فبنوا فيها ثكناتهم العسكرية ولذلك استهدفها جيش الأمام المهدي قائد الثورة المهدية. وفي عام 1870 هاجم المهدي مدينة الأبيض، لكنها استعصت عليه فحاصرها لمدة شهر، وأرسل الأتراك حملة عسكرية تتكون من المصريين والأرمن والأرناؤوط بقيادة جنرال بريطاني هو وليام هكس باشا لاستردادها.
واختار المهدي غابة شيكان القريبة منها مكاناً للمعركة التي وصلت إليها قوة هكس باشا منهكة بعد أن تم هجر القرى وردم الآبار التي في طريقها فأبيدت القوة عن بكرة أبيها في تشرين الثاني/نوفمبر 1883. وتعتبر هذه المعركة درسا عسكريا وأضيفت لمناهج بعض الكليات العسكرية لما فيها من فكر وتكتيك حربي لا مثيل له في مقاييس ذلك الزمان.
ولعبت الأبيض دوراً أيضاً في دعم الحركة الوطنية في السودان إبان الحكم الثنائي. عندما تأسس نادي الخريجين في عام 1936 في أم درمان وبدأ نشاطه السياسي بدعوة دولتي الحكم الثنائي مصر وبريطانيا إلى منح حق تقرير المصير للشعب السوداني، وقد اختار الأبيض مقراً للجنته في غرب السودان. كما تم خلال تلك الفترة إنشاء نادي الأعمال الحرة والذي لعب دوراً في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وفي حركة التعليم الأهلي في المدينة.
قلعة للصوفية
ويقول الصحافي طاهر محمد علي إن الأبيض تعد من قلاع الصوفية في السودان واشتهرت بالعديد من المشايخ والطرق الصوفية أبرزهم الشيخ إسماعيل الولي صاحب أول طريقة صوفية سودانية أُسست في القرن التاسع عشر، والشيخ بدوي ود أبوصفية، والسيد محمد المكي، وهو ابن الشيخ إسماعيل الولي وقد ألف عدداً من الكتب حول التصوف كما لعب دوراً بارزاً خلال الثورة المهدية في السودان.
ومن أعلام الصوفية فيها، القاضي أحمد الأزهري، مفتي السودان إبان العهد التركي المصري، وهو ابن الشيخ إسماعيل الولي وجد رئيس السودان الأسبق إسماعيل الأزهري. والشيخ صالح سوار الذهب وهو صاحب مقام وقبره ظاهر يزار وسط سوق الأبيض، عالم وفقيه، خلوته من أقدم الخلاوى في المدينة ومسجده ملحق بالضريح وهو جد المشير عبد الرحمن سوار الذهب قائد ثورة نيسان/أبريل وأول عسكري يسلم الحكم لحكومة مدنية. ومن شيوخ الصوفية في المنطقة، الشريف العربي المكاوي، والشيخ إسماعيل عبد الله الدهمش، والشيخ عبد الرحيم البرعي، والشيخ أحمد صالح الهواري.
ومن أبرز معالم المدينة مبنى المديرية والتي كانت مقرا للانكليز ومدير مديرية كردفان وأركان حربه، ولاتزال المديرية في الأبيض ذات الطابع الانكليزي تحتفظ بسمة المعمار المميز واتخذت الحكومات الولائية مقارها هناك حيث ظلت وزارة المالية قائمة إلى يومنا هذا. ويقول علي، إن اللافت في المديرية هو بيت الضيافة أو بيت كردفان والذي بني خصيصا لدى زيارة الملكة اليزابيث الشهيرة للأبيض وكردفان إبان حكومة عبود.
مشاهير مروا من هنا
والأبيض هي المدينة الثانية التي زارتها ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعد الخرطوم خلال زيارتها للسودان في الفترة من 8 إلى 12 شباط/فبراير 1965. كما زارها زعماء آخرون مثل الرئيس اليوغسلافي السابق جوزيف بروز تيتو، وسميت ساحة باسمه تخليداً لمناسبة زيارته تلك وكذلك استقبلت المدينة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة السابق في شباط/فبراير 1972.
وتتميز المدينة بعدة أسواق أشهرها سوق أبو جهل، وهو من أقدم الأسواق الشعبية التي توجد في السودان. وتوجد في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان ويعتبر من أكبر الأسواق السودانية والعربية في مجال بيع المحاصيل البلدية مثل التبلدي والقضيم والكركديه والشطة وغيرها من المحاصيل ويقع في وسط المدينة ويجاوره أكبر سوق للصمغ العربي وهو سوق محصولات الأبيض الذي يعتبر أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم.
وفي أحد أطراف المدينة يقع «جذر الناقة» وهو سوق متخصص في شواء لحوم الإبل وملحقاتها، وبيع ألبانها والتفاكر في كل ما يتعلق بها، وفي المكان نفسه من الناحية الأخرى- يوجد سوق الإبل التي تبدأ رحلتها الطويلة إلى مصر، وتقول المصادر إن فكرة «سوق الناقة» في أم درمان مأخوذة من ذلك المكان الذي يعود تاريخه إلى عشرات السنين، كما أن غلبة الطابع الكردفاني على السوق الأم درماني يوضح تماماً العلاقة بين «الأصل» و»الصورة».
ومن جذر الناقة تبدأ رحلة هذه الإبل حتى دخولها إلى مصر، ويقود القافلة خبير وتسمى القافلة الواحدة «الرسالة» وتتكون من 120-130 من البعير في رحلة تستغرق 33 يوماً سيراً على الأقدام، حيث لا يمتطي الخبير والرعاة ظهور الإبل أثناء الرحلة.
وتعاني الأبيض من قلة مصادر المياه ويوثق طاهر محمد علي لسوق الأزيار وهي مبردات مياه طبيعية تصنع من الفخار وتمثل استفادة إنسان المنطقة وتطويعه للطبيعة ويوجد السوق جوار قشلاق البوليس الشرقي.
وقدمت المدينة رموزا في مجالات الأدب والثقافة والفنون منهم الفنان خليل إسماعيل، وعبد القادر سالم، وعبد الرحمن عبد الله، والفنانة ام بلينة السنوسي، وثنائي النغم، والروائية ملكة الدار محمد عبد الله، والفنان المسرحي مكي سناده، والموسيقار الماحي إسماعيل وهو أحد مؤسسي المعهد العالي للموسيقى والمسرح وأول عميد له، والشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم والشاعر محمد عثمان الحلاج، والصحافي الفاتح النور صاحب جريدة «كردفان» والتي تعتبر أول صحيفة إقليمية تصدر من خارج العاصمة.
مساجد وكنائس
وتضم الأبيض مجموعة من المساجد والقباب منها مسجد بلدو في سط المدينة وكنيستان (كانت خمس كنائس في السابق) وفيها تسع منتزهات عامة أهمها حديقة 21 أكتوبر وحديقة البلدية وحديقة الخريجين وحديقة حي القبة، إلى جانب ميدان الحرية (ساحة النصر) التي تعتبر أكبر ساحة عامة في المدينة تقام فيها الاحتفالات الرسمية والدينية. ويقع الملعب الرياضي الرئيسي، أستاد الأبيض، في جنوب غرب ساحة النصر وإلى الجنوب الغربي منه يقع متحف شيكان. وتقع في شرق وسط المدينة أندية الجاليات الأجنبية، فيما تنتشر الأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية في الأحياء المختلفة.
ومثلما نالت المدينة شهرة فائقة وأهمية على مدى التاريخ باعتبارها ملتقى طرق مهمة ومركزا تجاريا وزراعيا بارزا، تعد في الوقت الحاضر من أهم المدن السودانية حيث يمر عبرها خط أنابيب النفط الممتد من الجنوب نحو الشرق إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. وقد اتخذتها بعثة الأمم المتحدة في السودان مقراً لقاعدتها اللوجستية.
عروس الرمال هي مدينة الأُبيّض (بضم الهمزة وكسر الياء المشددّة) وتعتبر من أهم المدن السودانية من حيث الموقع الجغرافي المتميز والقيمة التاريخية والتجارية وهي عاصمة ولاية شمال كردفان غربي السودان.
وتحتل الأبيض، التي تبعد 588 كيلمترا جنوب غرب الخرطوم، موقعاً استراتيجياً في وسط السودان بين أقاليمه الجغرافية والمناخية والاقتصادية المختلفة، بين المنطقة الصحراوية وشبه الصحراوية والسافانا الجافة والرطبة، وبين المناطق المدارية الجافة والمناطق المطيرة، وبين غرب البلاد وشرقها وجنوبها.
والأُبيّض تصغير للأبيض واختلفت الروايات كما هو الحال في العديد من المدن السودانية حول أصل التسمية لكن كلها مرتبطة بالماء وتشير إحداها لحمار أبيض اكتشف موردا للمياه وهنالك رواية تقول أن الأبيض هو اسم المجرى المائي في جنوب المدينة الحالية (خور أبيض) وسمي كذلك لصفاء مياهه.
تركيبة سكانية متنوعة وقبر ل «اليهودي المجهول»
وبلغ عدد سكان الأبيض في عام 2010 حوالي 398،993 نسمة وكغيرها من مدن السودان ضمت كل القبائل، إضافة إلى مجموعات أثنية مختلفة ينتمي بعضها إلى أصول أجنبية كالأرمن والأقباط المصريين واليمنيين وغيرهم وتضم التركيبة السكانية أيضاً مجموعة من اليهود، ولهذا توجد في المدينة عدة كنائس إلى جانب المساجد وكان يوجد فيها كنيس لليهود.
ويوثق الصحافي طاهر محمد علي لمدينته الأبيض من خلال زوايا عديدة ويشير إلى قبر «اليهودي المجهول» ويقول:» أخذت سيرته في التداول لزمن طويل وكذا الروايات التي تفيد بأن القبر الموجود عند مدخل حي أمير، لراحل يهودي حار أهل الأبيض في دفنه وفي طبيعة الحال هناك مقابر للمسلمين وأخرى للمسيحيين وبالتالي دفن اليهودي في قبر لوحده شمال مدرسة القيادة وجنوب مقابر النصارى الكائنة أمام سجن الأبيض».
ملتقى طرق القوافل
وتدل الدراسات التاريخية على أن المدينة نشأت في فترة ازدهار تجارة القوافل بين سلطنة سنار ومصر في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حيث كانت تمر عبرها القوافل القادمة من الجنوب (جمهورية جنوب السودان حاليا) ومن سنار. وكانت الأبّيض محطة لتجميع السلع واستراحة للقوافل قبل انطلاقها نحو الشمال إلى أسيوط في مصر وإلى ليبيا عبر الصحراء ومن ثم إلى البندقية في أوروبا وأصبحت أهم ميناء بري صحراوي جنوب الصحراء.
كما كانت تستقبل قوافل الحجيج القادمة من نيجيريا والغرب الأوسط الافريقي في طريقها نحو الأراضي المقدسة في الحجاز وتطورت المدينة في القرن السابع عشر الميلادي إلى سوق مهمة في المنطقة زاخرة بالسلع القادمة من الجنوب والغرب مثل السمسم والدخن والصمغ العربي والفول السوداني والعاج وريش النعام والجلود والأعشاب الطبية وشمع العسل والماشية إلى جانب السلع المستوردة من الخارج كالمسك، والصابون، والتبغ، والسجاد، والخزف والمرجان الحقيقي والصناعي والأساور والفضة، والحرير وورق الكتابة، والزجاج.
ويقول الباحث خالد الشيخ حاج محمود وهو وزير الثقافة والإعلام في ولاية شمال كردفان إن المدينة لعبت أدوارا تاريخية مهمة في السودان، مشيرا إلى أنها كانت أول عاصمة في تاريخ الثورة المهدية وانطلقت منها الشرارة الكبرى التي انتهت بتحرير الخرطوم ومقتل غردون وشهدت معركة فاصلة قتل فيها القائد الإنكليزي هكس باشا وهي معركة شيكان. ويرى خالد الشيخ أن المدينة لها دور كبير في نشأة مدينة أم درمان حيث انطلقت منها ومن المناطق التي حولها المجموعات السكانية التي استقرت في أم درمان وحاصرت جيش غردون.
ويرتبط تاريخ المدينة بتاريخ مملكة المسبعات التي نشأت في منطقة كردفان في الفترة بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر بواسطة مجموعات عربية هاجرت واستقرت في تلك المنطقة، حيث كانت مدينة الأبيض عاصمة لها وقد تعرضت لسلسلة من الحروب والمناوشات من سلطنة الفور وسلطنة سنار المجاورتين بهدف السيطرة عليها وعلى طريق التجارة التي تمر عبرها.
مركز للجيش التركي
ونسبة لموقعها المهم اختارها الأتراك مركزا لجيشهم فبنوا فيها ثكناتهم العسكرية ولذلك استهدفها جيش الأمام المهدي قائد الثورة المهدية. وفي عام 1870 هاجم المهدي مدينة الأبيض، لكنها استعصت عليه فحاصرها لمدة شهر، وأرسل الأتراك حملة عسكرية تتكون من المصريين والأرمن والأرناؤوط بقيادة جنرال بريطاني هو وليام هكس باشا لاستردادها.
واختار المهدي غابة شيكان القريبة منها مكاناً للمعركة التي وصلت إليها قوة هكس باشا منهكة بعد أن تم هجر القرى وردم الآبار التي في طريقها فأبيدت القوة عن بكرة أبيها في تشرين الثاني/نوفمبر 1883. وتعتبر هذه المعركة درسا عسكريا وأضيفت لمناهج بعض الكليات العسكرية لما فيها من فكر وتكتيك حربي لا مثيل له في مقاييس ذلك الزمان.
ولعبت الأبيض دوراً أيضاً في دعم الحركة الوطنية في السودان إبان الحكم الثنائي. عندما تأسس نادي الخريجين في عام 1936 في أم درمان وبدأ نشاطه السياسي بدعوة دولتي الحكم الثنائي مصر وبريطانيا إلى منح حق تقرير المصير للشعب السوداني، وقد اختار الأبيض مقراً للجنته في غرب السودان. كما تم خلال تلك الفترة إنشاء نادي الأعمال الحرة والذي لعب دوراً في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وفي حركة التعليم الأهلي في المدينة.
قلعة للصوفية
ويقول الصحافي طاهر محمد علي إن الأبيض تعد من قلاع الصوفية في السودان واشتهرت بالعديد من المشايخ والطرق الصوفية أبرزهم الشيخ إسماعيل الولي صاحب أول طريقة صوفية سودانية أُسست في القرن التاسع عشر، والشيخ بدوي ود أبوصفية، والسيد محمد المكي، وهو ابن الشيخ إسماعيل الولي وقد ألف عدداً من الكتب حول التصوف كما لعب دوراً بارزاً خلال الثورة المهدية في السودان.
ومن أعلام الصوفية فيها، القاضي أحمد الأزهري، مفتي السودان إبان العهد التركي المصري، وهو ابن الشيخ إسماعيل الولي وجد رئيس السودان الأسبق إسماعيل الأزهري. والشيخ صالح سوار الذهب وهو صاحب مقام وقبره ظاهر يزار وسط سوق الأبيض، عالم وفقيه، خلوته من أقدم الخلاوى في المدينة ومسجده ملحق بالضريح وهو جد المشير عبد الرحمن سوار الذهب قائد ثورة نيسان/أبريل وأول عسكري يسلم الحكم لحكومة مدنية. ومن شيوخ الصوفية في المنطقة، الشريف العربي المكاوي، والشيخ إسماعيل عبد الله الدهمش، والشيخ عبد الرحيم البرعي، والشيخ أحمد صالح الهواري.
ومن أبرز معالم المدينة مبنى المديرية والتي كانت مقرا للانكليز ومدير مديرية كردفان وأركان حربه، ولاتزال المديرية في الأبيض ذات الطابع الانكليزي تحتفظ بسمة المعمار المميز واتخذت الحكومات الولائية مقارها هناك حيث ظلت وزارة المالية قائمة إلى يومنا هذا. ويقول علي، إن اللافت في المديرية هو بيت الضيافة أو بيت كردفان والذي بني خصيصا لدى زيارة الملكة اليزابيث الشهيرة للأبيض وكردفان إبان حكومة عبود.
مشاهير مروا من هنا
والأبيض هي المدينة الثانية التي زارتها ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعد الخرطوم خلال زيارتها للسودان في الفترة من 8 إلى 12 شباط/فبراير 1965. كما زارها زعماء آخرون مثل الرئيس اليوغسلافي السابق جوزيف بروز تيتو، وسميت ساحة باسمه تخليداً لمناسبة زيارته تلك وكذلك استقبلت المدينة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة السابق في شباط/فبراير 1972.
وتتميز المدينة بعدة أسواق أشهرها سوق أبو جهل، وهو من أقدم الأسواق الشعبية التي توجد في السودان. وتوجد في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان ويعتبر من أكبر الأسواق السودانية والعربية في مجال بيع المحاصيل البلدية مثل التبلدي والقضيم والكركديه والشطة وغيرها من المحاصيل ويقع في وسط المدينة ويجاوره أكبر سوق للصمغ العربي وهو سوق محصولات الأبيض الذي يعتبر أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم.
وفي أحد أطراف المدينة يقع «جذر الناقة» وهو سوق متخصص في شواء لحوم الإبل وملحقاتها، وبيع ألبانها والتفاكر في كل ما يتعلق بها، وفي المكان نفسه من الناحية الأخرى- يوجد سوق الإبل التي تبدأ رحلتها الطويلة إلى مصر، وتقول المصادر إن فكرة «سوق الناقة» في أم درمان مأخوذة من ذلك المكان الذي يعود تاريخه إلى عشرات السنين، كما أن غلبة الطابع الكردفاني على السوق الأم درماني يوضح تماماً العلاقة بين «الأصل» و»الصورة».
ومن جذر الناقة تبدأ رحلة هذه الإبل حتى دخولها إلى مصر، ويقود القافلة خبير وتسمى القافلة الواحدة «الرسالة» وتتكون من 120-130 من البعير في رحلة تستغرق 33 يوماً سيراً على الأقدام، حيث لا يمتطي الخبير والرعاة ظهور الإبل أثناء الرحلة.
وتعاني الأبيض من قلة مصادر المياه ويوثق طاهر محمد علي لسوق الأزيار وهي مبردات مياه طبيعية تصنع من الفخار وتمثل استفادة إنسان المنطقة وتطويعه للطبيعة ويوجد السوق جوار قشلاق البوليس الشرقي.
وقدمت المدينة رموزا في مجالات الأدب والثقافة والفنون منهم الفنان خليل إسماعيل، وعبد القادر سالم، وعبد الرحمن عبد الله، والفنانة ام بلينة السنوسي، وثنائي النغم، والروائية ملكة الدار محمد عبد الله، والفنان المسرحي مكي سناده، والموسيقار الماحي إسماعيل وهو أحد مؤسسي المعهد العالي للموسيقى والمسرح وأول عميد له، والشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم والشاعر محمد عثمان الحلاج، والصحافي الفاتح النور صاحب جريدة «كردفان» والتي تعتبر أول صحيفة إقليمية تصدر من خارج العاصمة.
مساجد وكنائس
وتضم الأبيض مجموعة من المساجد والقباب منها مسجد بلدو في سط المدينة وكنيستان (كانت خمس كنائس في السابق) وفيها تسع منتزهات عامة أهمها حديقة 21 أكتوبر وحديقة البلدية وحديقة الخريجين وحديقة حي القبة، إلى جانب ميدان الحرية (ساحة النصر) التي تعتبر أكبر ساحة عامة في المدينة تقام فيها الاحتفالات الرسمية والدينية. ويقع الملعب الرياضي الرئيسي، أستاد الأبيض، في جنوب غرب ساحة النصر وإلى الجنوب الغربي منه يقع متحف شيكان. وتقع في شرق وسط المدينة أندية الجاليات الأجنبية، فيما تنتشر الأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية في الأحياء المختلفة.
ومثلما نالت المدينة شهرة فائقة وأهمية على مدى التاريخ باعتبارها ملتقى طرق مهمة ومركزا تجاريا وزراعيا بارزا، تعد في الوقت الحاضر من أهم المدن السودانية حيث يمر عبرها خط أنابيب النفط الممتد من الجنوب نحو الشرق إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. وقد اتخذتها بعثة الأمم المتحدة في السودان مقراً لقاعدتها اللوجستية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.