مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    الاحتلال الإسرائيلي يقصف ويحاصر ويجرف بمحيط منزل في دير الغصون بالضفة الغربية    حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية    تعرف على حكم مباراة الأهلي والجونة فى الدوري الممتاز    "أفشة يقترب من الرحيل".. سيد عبد الحفيظ يكشف مفاجأة عن مصير نجم الأهلي    «توخوا الحذر».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم وموعد عودة الأمطار في مصر    التموين تتحفظ على 2 طن أسماك فاسدة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    شيرين عبد الوهاب تبكي أثناء غناء «كدة يا قلبي» بحفل الكويت    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 4 مايو 2024    هيثم نبيل يكشف علاقته بالمخرج محمد سامي: أصدقاء منذ الطفولة    المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: أفلام المسافة صفر مهمتها حفظ حكاية غزة    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    مصرع 37 شخصاً جراء الفيضانات في البرازيل    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    "ارتفع 140جنيه".. سعر الذهب بختام تعاملات الأمس    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل الكاتب اليساري المصري شريف حتاتة الأرستقراطي الثائر
نشر في صوت البلد يوم 25 - 05 - 2017

«أتأمّل كل يوم العالم من نافذتي وحينما أكون في الشارع، كلّما زاد الفقر والشقاء زادت السيارات الفارهة، عالم اليوم متركزة فيه ثورة العالم كله بثقافته وسلاحه وشركاته ومقدرته في طبقات اجتماعية بعينها. استمرار ذلك العالم يتطلب فرض ثقافة الهيمنة على المعارضين له، تلك الهيمنة تكون إمّا على الجسد عن طريق السجون والمعتقلات والحرمان من العمل، أو عن طريق العقل عن طريق تغيير عقلية الثوار أو المعترضين، كي يتكيفوا ويتقبلوا الأوضاع كما هي، هنا تكمن خطورة الثقافة في تغييرها لطريقة التفكير ودفعها للإنسان بأن يتقبل الكثير من الأشياء كأنها قدرية» ( من حوار صحافي مع شريف حتاتة).
يبدو صوت الكاتب والمفكر الرحل شريف حتاتة (1923 2017) من أعمق وأهدأ الأصوات الروائية، وأشدها صخبا في الوقت نفسه، هذه المفارقة التي كما تبدو النغمة الأكبر في حياة الرجل وكل ما مرّ بها من تقلبات ومنعطفات، كحال القِلة التي أصرت على الإيمان بمواقفها حتى النهاية. للرجل تاريخ نضالي كبير، ربما تباين تأثيره في بلد يخشى مناضليه، ونظام حاكم يحاول وضعهم دوما في نمط يخيف منهم الآخرين. هذه لمحة سريعة عن حياة ومؤلفات الرجل، من خلال مقالاته وحوارته السابقة، ربما تذكرة لإعادة قراءة إنتاجه الأدبي والفكري، في عمق يستحق عمق تجربته، التي يكفي أنه صدقها وعاش من خلالها.
كسر دائرة العزلة
كان للأسرة الأرستقراطية دورها في سلوك وطبيعة حتاتة، الذي درس الطب وتفوق فيه، وكان من المفترض أن يصبح أحد أهم أطباء مصر، لكنه اختار طريقا آخر، دفع ثمنه حتى رحيله. وعن هذه الفترة يقول: «الإحساس بالعزلة يضايقني، كنت أريد ألا أصبح جزءا منه، وعندما تخرجت وعملت في القصر العيني، بدأت أفكر في ضرورة تغيير نمط حياتي، ويجب أن أعمل من أجل الناس… فمهنة الطب مهنة قهرية، فالأطباء يعتبرون أنفسهم فوق البشر، فهم يتعاملون مع الإنسان وهو ضعيف، وهو في طريقه إلى الموت».
بدأ حتاتة بالنضال ضد الإنكليز، فاختار الاشتراكية طريقا والشيوعية فكرا، وجاء اعتقاله للمرة الأولى عام 1948 واستطاع الهرب حين نقل إلى المستشفى، فهرب إلى فرنسا بالباخرة ليسقط لاحقا في أيدي الشرطة الفرنسية سجينا أيضا، كان ذلك بسبب مظاهرة تأييد للجزائريين وعدم وجود أوراق، ورفض قبوله لاجئا سياسيا.
لم أكن أعرف شيئا عن عبد الناصر
ويوضح حتاتة أنه لم يكن يعرف جمال عبد الناصر، فعند قيام يوليو/تموز 1952 كان في أحد السجون الفرنسية، وعند عودته وجد الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) أيدت الثورة في بدايتها، إلا أن (الثورة) أصدرت أحكام العفو عن الإخوان المسلمين دون اليساريين. فتم اعتقاله عام 1953 في القاهرة بالتهمة المعهودة وقتها المعهودة الآن أيضا وهي قلب نظام الحكم. فيقول: «أودعوني السجن الحربي، وكانوا يريدون محاكمتنا أمام محكمة الثورة، ثم جاءت أحداث مارس/آذار لإقصاء محمد نجيب، فتمت محاكمتنا أمام مجلس من الضباط وصدر حكم عليّ بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين».
ادعاء البطولة
يرى حتاتة أن «معظم الذين كتبوا عن أدب السجون في مصر كان اهتمامهم منصبا على بطولاتهم، لكن أنا يهمني الإنسان والأفكار التي يؤمن بها وموقفه من الحياة، ففي أعمالي قدمت إضاءة للسجّان والسجين وأسلوبهما في الحياة ونفسيتهما، بالطبع كل شخص عنده جزء من الاستعراضية، لكن بدرجات متفاوتة، تجربة السجن شأنها شأن أيّ تجربة قد تكون مفيدة أو ضارة، إن استفاد منها الشخص في مواجهة الحياة بشكل أكثر شجاعة تكون مفيدة، وإن كانت سببا في تنازله عن أفكاره وابتعاده عنها كانت تلك التجربة نقطة تحول للأسوأ، فالكثير من اليساريين بعد تجربة السجن تحوّلوا تماما عن مبادئهم، وصاروا من كبار الرأسماليين، وقلة قليلة احتفظت بمبادئها، لأن اليسار ضعيف ولا يساند المؤمنين به». ويمضي الرجل ليصبح أكثر صراحة واتساقا مع ما يعيشه ويكتبه، فيقول: «أنا أكره ادعاء البطولة لأننا بشر في النهاية، ولدينا الكثير من نقاط الضعف ولحظات الكذب والانتهازية، ولا أنكر أنني في فترة من حياتي بعد خروجي من السجن راودني التفكير في التخلي عن القضايا التي آمنت بها لأحقق مكاسب كما فعل غيري».
وباء السلطة الأبوية
لم ينكر حتاتة تأثير نوال السعداوي التي شجعته على كتابة الأدب والرواية، خاصة بعد تجاوزه الأربعين، ومن خلالها اكتشف ما تعانية المرأة المصرية والعربية من قهر، يبدأ بولادتها وحتى رحيلها عن الحياة، فيذكر في إحدى مقالاته «الأسرة الأبوية وحدة قاهرة تفرض الخضوع والطاعة. لذلك هي مُعادية للإبداع. وتمرد النساء على هذه السيطرة الأبوية هو إبداع، هو مساهمة أساسية في تغيير المجتمع والنظام العالمي الذي يقهرنا. إن النساء بحكم أوضاعهن في الأسرة والمجتمع هن القادرات على الربط الإبداعي بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، بين الجنس والدين، بين الخاص والعام، بين المحلي والإقليمي والعالمي».
العودة إلى الأم
لم تنفصل أعمال شريف حتاتة عن حياته وتجاربه، لذا نجد حضور الذات سمة أساسية في هذه الأعمال، ويبدو في روايته «شريط الحزن الأبيض» الصادرة عام 2016 أنه يعود إلى أكثر العلاقات تأثيرا في حياته، الأمر الأقرب إلى محاسبة النفس في الكثير من القسوة، رغم المحاولة الدائمة على الربط ما بين الخاص والعام كشكل تأريخي للحركة السياسية والاجتماعية المصرية «بعد أن ماتت أصبحت ماثلة في حياتي أكثر ممّا كانت وهي حية. لم يحدث هذا ساعة وفاتها، أو بعدها بمدة قصيرة، وإنما بعد أن أصبح سنّي هو السن الذي ماتت فيه».
وفي الأخير…
وبعدما حاربته أنظمة الحكم المتوالية، خاصة في حالة التهميش المقصود، سواء في المتابعة النقدية لأعماله، أو الاهتمام من قِبل الصفحات الأدبية، لا يكترث الرجل لهذه الأفعال، بل استمر ينتج أدبا ومؤلفات سياسية في رؤية اجتماعية مهما اختلفنا حولها لأنه آمن بأفكار وحاول تحقيقها بالعيش من خلالها، يقول: «أعتقد أنني قدمت أعمالا روائية مهمة، وكتبت سيرة ذاتية فيها الكثير من الصراحة والوضوح. بصفة عامة، رواياتي ضد العالم كما هو؛ ضد القبح والاستغلال والنفاق والزيف الكامنين فيه، أحيانا أنجح في التعبير عن ذلك المضمون وربما أخفق في أحيان أخرى».
بيبلوغرافيا
ولد شريف حتاتة في إنكلترا في 13 سبتمبر/أيلول 1923 لأم إنكليزية وأب ينتمى إلى عائلة أرستقراطية. التحق بكلية الطب في جامعة القاهرة/ فؤاد الأول آنذاك، وبدأ نشاطه السياسي بالانتماء إلى تيار اليسار المصري، وحركة (حدتو)، ليقضي في السجن سنوات طويلة تقارب الخمسة عشر عاما. عمل رئيسا لفريق من الخبراء في منظمة العمل الدولية آسيا وإفريقيا، وقضى خمس سنوات أستاذا زائرا في الولايات المتحدة في جامعتي «ديوك»، و»واشنطن». تزوج من امرأة إيطالية، ثم من الكاتبة والطبيبة نوال السعداوي عام 1964، ثم انفصلا عام 2001 وتزوج بعدها الناقدة السينمائية أمل الجمل.
من أعماله الروائية.. «العين ذات الجفن المعدني، الهزيمة، الشبكة، قصة حب عصرية، نبض الأشياء الضائعة، عمق البحر، عطر البرتقال الأخضر، ابنة القومندان، الوباء، في الأصل كانت الذاكرة، رقصة أخيرة قبل الموت، وشريط الحزن الأبيض».
كذلك مجموعته القصصية «نهاية مصطفى العشري»، بخلاف سيرته الذاتية المعنونة ب«النوافذ المفتوحة»، وفي أدب الرحلات.. «رحلة إلى آسيا، ويوميات روائي رحال»، إضافة إلى مؤلفات سياسية، مثل.. «فكر جديد في اليسار، العولمة والإسلام السياسي، وفكر اليسار وعولمة رأس المال» ثم كتاب معارك العالم البديل».
«أتأمّل كل يوم العالم من نافذتي وحينما أكون في الشارع، كلّما زاد الفقر والشقاء زادت السيارات الفارهة، عالم اليوم متركزة فيه ثورة العالم كله بثقافته وسلاحه وشركاته ومقدرته في طبقات اجتماعية بعينها. استمرار ذلك العالم يتطلب فرض ثقافة الهيمنة على المعارضين له، تلك الهيمنة تكون إمّا على الجسد عن طريق السجون والمعتقلات والحرمان من العمل، أو عن طريق العقل عن طريق تغيير عقلية الثوار أو المعترضين، كي يتكيفوا ويتقبلوا الأوضاع كما هي، هنا تكمن خطورة الثقافة في تغييرها لطريقة التفكير ودفعها للإنسان بأن يتقبل الكثير من الأشياء كأنها قدرية» ( من حوار صحافي مع شريف حتاتة).
يبدو صوت الكاتب والمفكر الرحل شريف حتاتة (1923 2017) من أعمق وأهدأ الأصوات الروائية، وأشدها صخبا في الوقت نفسه، هذه المفارقة التي كما تبدو النغمة الأكبر في حياة الرجل وكل ما مرّ بها من تقلبات ومنعطفات، كحال القِلة التي أصرت على الإيمان بمواقفها حتى النهاية. للرجل تاريخ نضالي كبير، ربما تباين تأثيره في بلد يخشى مناضليه، ونظام حاكم يحاول وضعهم دوما في نمط يخيف منهم الآخرين. هذه لمحة سريعة عن حياة ومؤلفات الرجل، من خلال مقالاته وحوارته السابقة، ربما تذكرة لإعادة قراءة إنتاجه الأدبي والفكري، في عمق يستحق عمق تجربته، التي يكفي أنه صدقها وعاش من خلالها.
كسر دائرة العزلة
كان للأسرة الأرستقراطية دورها في سلوك وطبيعة حتاتة، الذي درس الطب وتفوق فيه، وكان من المفترض أن يصبح أحد أهم أطباء مصر، لكنه اختار طريقا آخر، دفع ثمنه حتى رحيله. وعن هذه الفترة يقول: «الإحساس بالعزلة يضايقني، كنت أريد ألا أصبح جزءا منه، وعندما تخرجت وعملت في القصر العيني، بدأت أفكر في ضرورة تغيير نمط حياتي، ويجب أن أعمل من أجل الناس… فمهنة الطب مهنة قهرية، فالأطباء يعتبرون أنفسهم فوق البشر، فهم يتعاملون مع الإنسان وهو ضعيف، وهو في طريقه إلى الموت».
بدأ حتاتة بالنضال ضد الإنكليز، فاختار الاشتراكية طريقا والشيوعية فكرا، وجاء اعتقاله للمرة الأولى عام 1948 واستطاع الهرب حين نقل إلى المستشفى، فهرب إلى فرنسا بالباخرة ليسقط لاحقا في أيدي الشرطة الفرنسية سجينا أيضا، كان ذلك بسبب مظاهرة تأييد للجزائريين وعدم وجود أوراق، ورفض قبوله لاجئا سياسيا.
لم أكن أعرف شيئا عن عبد الناصر
ويوضح حتاتة أنه لم يكن يعرف جمال عبد الناصر، فعند قيام يوليو/تموز 1952 كان في أحد السجون الفرنسية، وعند عودته وجد الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) أيدت الثورة في بدايتها، إلا أن (الثورة) أصدرت أحكام العفو عن الإخوان المسلمين دون اليساريين. فتم اعتقاله عام 1953 في القاهرة بالتهمة المعهودة وقتها المعهودة الآن أيضا وهي قلب نظام الحكم. فيقول: «أودعوني السجن الحربي، وكانوا يريدون محاكمتنا أمام محكمة الثورة، ثم جاءت أحداث مارس/آذار لإقصاء محمد نجيب، فتمت محاكمتنا أمام مجلس من الضباط وصدر حكم عليّ بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين».
ادعاء البطولة
يرى حتاتة أن «معظم الذين كتبوا عن أدب السجون في مصر كان اهتمامهم منصبا على بطولاتهم، لكن أنا يهمني الإنسان والأفكار التي يؤمن بها وموقفه من الحياة، ففي أعمالي قدمت إضاءة للسجّان والسجين وأسلوبهما في الحياة ونفسيتهما، بالطبع كل شخص عنده جزء من الاستعراضية، لكن بدرجات متفاوتة، تجربة السجن شأنها شأن أيّ تجربة قد تكون مفيدة أو ضارة، إن استفاد منها الشخص في مواجهة الحياة بشكل أكثر شجاعة تكون مفيدة، وإن كانت سببا في تنازله عن أفكاره وابتعاده عنها كانت تلك التجربة نقطة تحول للأسوأ، فالكثير من اليساريين بعد تجربة السجن تحوّلوا تماما عن مبادئهم، وصاروا من كبار الرأسماليين، وقلة قليلة احتفظت بمبادئها، لأن اليسار ضعيف ولا يساند المؤمنين به». ويمضي الرجل ليصبح أكثر صراحة واتساقا مع ما يعيشه ويكتبه، فيقول: «أنا أكره ادعاء البطولة لأننا بشر في النهاية، ولدينا الكثير من نقاط الضعف ولحظات الكذب والانتهازية، ولا أنكر أنني في فترة من حياتي بعد خروجي من السجن راودني التفكير في التخلي عن القضايا التي آمنت بها لأحقق مكاسب كما فعل غيري».
وباء السلطة الأبوية
لم ينكر حتاتة تأثير نوال السعداوي التي شجعته على كتابة الأدب والرواية، خاصة بعد تجاوزه الأربعين، ومن خلالها اكتشف ما تعانية المرأة المصرية والعربية من قهر، يبدأ بولادتها وحتى رحيلها عن الحياة، فيذكر في إحدى مقالاته «الأسرة الأبوية وحدة قاهرة تفرض الخضوع والطاعة. لذلك هي مُعادية للإبداع. وتمرد النساء على هذه السيطرة الأبوية هو إبداع، هو مساهمة أساسية في تغيير المجتمع والنظام العالمي الذي يقهرنا. إن النساء بحكم أوضاعهن في الأسرة والمجتمع هن القادرات على الربط الإبداعي بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، بين الجنس والدين، بين الخاص والعام، بين المحلي والإقليمي والعالمي».
العودة إلى الأم
لم تنفصل أعمال شريف حتاتة عن حياته وتجاربه، لذا نجد حضور الذات سمة أساسية في هذه الأعمال، ويبدو في روايته «شريط الحزن الأبيض» الصادرة عام 2016 أنه يعود إلى أكثر العلاقات تأثيرا في حياته، الأمر الأقرب إلى محاسبة النفس في الكثير من القسوة، رغم المحاولة الدائمة على الربط ما بين الخاص والعام كشكل تأريخي للحركة السياسية والاجتماعية المصرية «بعد أن ماتت أصبحت ماثلة في حياتي أكثر ممّا كانت وهي حية. لم يحدث هذا ساعة وفاتها، أو بعدها بمدة قصيرة، وإنما بعد أن أصبح سنّي هو السن الذي ماتت فيه».
وفي الأخير…
وبعدما حاربته أنظمة الحكم المتوالية، خاصة في حالة التهميش المقصود، سواء في المتابعة النقدية لأعماله، أو الاهتمام من قِبل الصفحات الأدبية، لا يكترث الرجل لهذه الأفعال، بل استمر ينتج أدبا ومؤلفات سياسية في رؤية اجتماعية مهما اختلفنا حولها لأنه آمن بأفكار وحاول تحقيقها بالعيش من خلالها، يقول: «أعتقد أنني قدمت أعمالا روائية مهمة، وكتبت سيرة ذاتية فيها الكثير من الصراحة والوضوح. بصفة عامة، رواياتي ضد العالم كما هو؛ ضد القبح والاستغلال والنفاق والزيف الكامنين فيه، أحيانا أنجح في التعبير عن ذلك المضمون وربما أخفق في أحيان أخرى».
بيبلوغرافيا
ولد شريف حتاتة في إنكلترا في 13 سبتمبر/أيلول 1923 لأم إنكليزية وأب ينتمى إلى عائلة أرستقراطية. التحق بكلية الطب في جامعة القاهرة/ فؤاد الأول آنذاك، وبدأ نشاطه السياسي بالانتماء إلى تيار اليسار المصري، وحركة (حدتو)، ليقضي في السجن سنوات طويلة تقارب الخمسة عشر عاما. عمل رئيسا لفريق من الخبراء في منظمة العمل الدولية آسيا وإفريقيا، وقضى خمس سنوات أستاذا زائرا في الولايات المتحدة في جامعتي «ديوك»، و»واشنطن». تزوج من امرأة إيطالية، ثم من الكاتبة والطبيبة نوال السعداوي عام 1964، ثم انفصلا عام 2001 وتزوج بعدها الناقدة السينمائية أمل الجمل.
من أعماله الروائية.. «العين ذات الجفن المعدني، الهزيمة، الشبكة، قصة حب عصرية، نبض الأشياء الضائعة، عمق البحر، عطر البرتقال الأخضر، ابنة القومندان، الوباء، في الأصل كانت الذاكرة، رقصة أخيرة قبل الموت، وشريط الحزن الأبيض».
كذلك مجموعته القصصية «نهاية مصطفى العشري»، بخلاف سيرته الذاتية المعنونة ب«النوافذ المفتوحة»، وفي أدب الرحلات.. «رحلة إلى آسيا، ويوميات روائي رحال»، إضافة إلى مؤلفات سياسية، مثل.. «فكر جديد في اليسار، العولمة والإسلام السياسي، وفكر اليسار وعولمة رأس المال» ثم كتاب معارك العالم البديل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.