أشاد الكاتب السعودي المعروف "عبدالعزيز قاسم" بخطاب الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال مؤتمر السلام الذي عقده الأزهر الشريف بحضور بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني، مشيرًا إلى أن ذلك الخطاب الذي لم يكن يتصور أن يكون بهذه القوة والصراحة، قد أعاد للأزهر مجده وسيرة أئمته العظام. وقال "قاسم"، في مقاله المنشور بصحيفة "المصريون"، تحت عنوان "بين شيخ الأزهر وفرانسيس الثاني"، إن خطاب الطيب أعاد دور الأزهر في سالف عصوره، وشيوخه الأئمة الذين حفروا أسماءهم بأحرف من نور لمواقفهم من مثل محمد مصطفى المراغي الذي رفض مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية، ورفض تأييدها معلنا أن مصر لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب، ما أغضب المحتل البريطاني وقتذاك، وهناك عبدالحليم محمود وجاد الحق علي جاد الحق، وثلة أشياخ خلدهم التاريخ لمواقفهم التي تليق بمنصب شيخ الأزهر في مصر الكنانة.
وفيما يلي نص المقال كاملا :
بين شيخ الأزهر وفرانسيس الثاني
في خضم اهتمام النخب الشرعية والفكرية السعودية بالشأن الداخلي، يدور حراك فاعل في الساحة العربية والإسلامية، تقودها هيئات ونخب شرعية، حيال المدافعة عن صورة الإسلام في العالم، ولعل آخرها ذلك المؤتمر الذي عقده الأزهر الشريف بحضور بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني وممثلين عن الأديان في العالم.
خطاب شيخ الأزهر أذهلني، وبكل صراحة لم أتصور أن يكون بهذه القوة، وأعاد محمد الطيب بخطابه القوي والصريح أمام جمهرة المؤتمرين والبابا دور الأزهر في سالف عصوره، وشيوخه الأئمة الذين حفروا أسماءهم بأحرف من نور لمواقفهم من مثل محمد مصطفى المراغي الذي رفض مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية، ورفض تأييدها معلنا أن مصر لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب؛ ما أغضب المحتل البريطاني وقتذاك، وهناك عبدالحليم محمود وجاد الحق علي جاد الحق، وثلة أشياخ خلدهم التاريخ لمواقفهم التي تليق بمنصب شيخ الأزهر في مصر الكنانة.
ما استرعى انتباهي أن نخبنا الدينية انتقلوا إلى موقع تبيين صريح بتصحيح صورة الإسلام والأديان، فيما كانوا في الأزمنة الماضية في موقف المدافعة فقط، فقد خطا شيخ الأزهر ذات خطوات أمين عام رابطة العالم الإسلامي د. محمد العيسي الذي سبقه في مؤتمرات فارطة في توضيح أن الدين لا علاقة له بالتطرف والإرهاب، وأن فعل الأتباع الشواذ لا يمكن به الحكم على الدين كله، بل وقال صراحة بأن تطرف بعض الغربيين تجاه هذه المسألة أدى لتطرف مضاد تمثل في "الإسلاموفيا" التي تسربل اليوم الغرب، لذلك استدعى شيخ الأزهر التاريخ في كلمته أمام البابا والعالم يستمع له، إذ قال "ولَيْسَت المَسيحيَّة دين إرهابٍ بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة وطفل ومقاتل وأسير".
ثم عرج الطيب على اليهودية وقال: "وليست اليهودية دين إرهاب بسببِ توظيف تعاليم موسى عليه السلام –وحاشاه-في احتلالِ أراضٍ، راحَ ضَحِيَّته الملايين من أصحاب الحُقُوق من شَعْبِ فلسطين المَغلُوب على أمرِه".
بل ذكّر العالم بالحربين العالميتين في استدعاء ذكي للحضارة الغربية، واللتين راح ضحيتهما 70 مليونا من البشر، بأن ذلك لا يحسب على الحضَارة الأوروبيَّة ولا يمكن لنا تسميتها بحضارةَ إرهاب، وانتهى شيخ الأزهر بقوله: "هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان وعن منطق الحضارات وهذا الباب من الاتهام لو فُتِحَ –كما هو مفتوحٌ على الإسلام الآن- فلَنْ يسلَم دينٌ ولا نظامٌ ولا حضارةٌ بل ولا تاريخٌ من تُهمة العُنف والإرهاب".
بابا الفاتيكان الذي قام بزيارته الخارجية الثامنة عشر مذ تسنمه منصب البابا إلى القاهرة، علق بأن "التربية على الانفتاحِ باحترام، وعلى الحوارِ الصادقِ مع الآخر، مع الاعترافِ بحقوقِهِ وبالحرّياتِ الأساسيّة، ولاسيما الحرية الدينيّة منها، تشكّل الطريقَ الأفضل لبناء المستقبل معًا، لنكون بناة حضارة. لأن البديل الآخر الوحيد لثقافة اللقاء هو ثقافة الصدام".
بكل صراحة نحن بحاجة ماسة للتعاون مع الفاتيكان وباقي الديانات، وسبق أن أشبع هذا الموضوع نقاشا، وثارت جلبة في الساحة الشرعية السعودية إبان مليكنا المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر بإنشاء "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، وكتبت حينها بأننا في مرحلة نحتاج إلى تكاتف الأديان السماوية، فثمة مشتركات عامة نحتاج الوقوف فيها سويا أمام الهجمة الشرسة من أصحاب المبادئ المناوئة للأديان والملحدين، الذين اخترموا بعقائدهم الفاسدة كل المجتمعات التي كانت مغلقة في السابق، ومن الضروري أن يتفهم العلماء وطلبة العلم الشرعيون هذه الظروف الاستثنائية التي توجب علينا التعاون في المشتركات العامة.
شيخ الأزهر أشار في كلمته الضافية لهذه النقطة أمام بابا الفاتيكان، بعد أن شكره على مواقفه المنصفة مع الإسلام في قضية الإرهاب، فقال طارحا الحل الذي يراه للأزمة العالمية: " لا حَلَّ فيما يُؤكِّدُ عُقلاءُ المُفَكِّرين في الغَربِ والشَّرقِ إلَّا في إعادةِ الوعي برسالاتِ السَّماء، وإخضاع الخِطاب الحَدَاثي المُنحَرِف لقِراءةٍ نقديَّةٍ عَميقة تنتشل العقل الإنساني مما أصابه من فقر الفلسفة التجريبية وخوائها، وجموحِ العقلِ الفردي المُستبد وهيمنَتِهِ على حياة الأفراد، وألَّا يكون طَوْرُ ما بعد الحَدَاثَة قاصِرًا على مُجَرَّد تجميل هذه المَذاهِب وترقيعها بفلسفاتِ الخيَال والوجدان.. وفيما يرى الفلاسفة والمؤمنون فإنَّه لا مَفَرَّ من إعادة صِياغَة كُل ذلك في سياق المؤاخاة والتراحُم أوَّلًا ، وهذا السياق هو بمثابة تِرياقٍ يَضُخُّ الحياة في المذاهب الفلسفيَّة، والقَوالِب العِلْميَّة والعَمَلِيَّة الجَامِعَة، وأن هذا الترياق لا يوجد إلَّا في صَيدَليَّةِ الدِّين والدِّين وَحده".
شكرا أحمد الطيب على خطابك الصريح في تصحيح صورة الإسلام، متمنيا أن تتكرر مثل هذه المؤتمرات العالمية في مراكش غدا وبعدها في إسطنبول وكوالمبور وبقية العالم الإسلامي بعد أن بدأت في مكةالمكرمة وتثنت في القاهرة. أشاد الكاتب السعودي المعروف "عبدالعزيز قاسم" بخطاب الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال مؤتمر السلام الذي عقده الأزهر الشريف بحضور بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني، مشيرًا إلى أن ذلك الخطاب الذي لم يكن يتصور أن يكون بهذه القوة والصراحة، قد أعاد للأزهر مجده وسيرة أئمته العظام. وقال "قاسم"، في مقاله المنشور بصحيفة "المصريون"، تحت عنوان "بين شيخ الأزهر وفرانسيس الثاني"، إن خطاب الطيب أعاد دور الأزهر في سالف عصوره، وشيوخه الأئمة الذين حفروا أسماءهم بأحرف من نور لمواقفهم من مثل محمد مصطفى المراغي الذي رفض مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية، ورفض تأييدها معلنا أن مصر لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب، ما أغضب المحتل البريطاني وقتذاك، وهناك عبدالحليم محمود وجاد الحق علي جاد الحق، وثلة أشياخ خلدهم التاريخ لمواقفهم التي تليق بمنصب شيخ الأزهر في مصر الكنانة. وفيما يلي نص المقال كاملا : بين شيخ الأزهر وفرانسيس الثاني في خضم اهتمام النخب الشرعية والفكرية السعودية بالشأن الداخلي، يدور حراك فاعل في الساحة العربية والإسلامية، تقودها هيئات ونخب شرعية، حيال المدافعة عن صورة الإسلام في العالم، ولعل آخرها ذلك المؤتمر الذي عقده الأزهر الشريف بحضور بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني وممثلين عن الأديان في العالم. خطاب شيخ الأزهر أذهلني، وبكل صراحة لم أتصور أن يكون بهذه القوة، وأعاد محمد الطيب بخطابه القوي والصريح أمام جمهرة المؤتمرين والبابا دور الأزهر في سالف عصوره، وشيوخه الأئمة الذين حفروا أسماءهم بأحرف من نور لمواقفهم من مثل محمد مصطفى المراغي الذي رفض مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية، ورفض تأييدها معلنا أن مصر لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب؛ ما أغضب المحتل البريطاني وقتذاك، وهناك عبدالحليم محمود وجاد الحق علي جاد الحق، وثلة أشياخ خلدهم التاريخ لمواقفهم التي تليق بمنصب شيخ الأزهر في مصر الكنانة. ما استرعى انتباهي أن نخبنا الدينية انتقلوا إلى موقع تبيين صريح بتصحيح صورة الإسلام والأديان، فيما كانوا في الأزمنة الماضية في موقف المدافعة فقط، فقد خطا شيخ الأزهر ذات خطوات أمين عام رابطة العالم الإسلامي د. محمد العيسي الذي سبقه في مؤتمرات فارطة في توضيح أن الدين لا علاقة له بالتطرف والإرهاب، وأن فعل الأتباع الشواذ لا يمكن به الحكم على الدين كله، بل وقال صراحة بأن تطرف بعض الغربيين تجاه هذه المسألة أدى لتطرف مضاد تمثل في "الإسلاموفيا" التي تسربل اليوم الغرب، لذلك استدعى شيخ الأزهر التاريخ في كلمته أمام البابا والعالم يستمع له، إذ قال "ولَيْسَت المَسيحيَّة دين إرهابٍ بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة وطفل ومقاتل وأسير". ثم عرج الطيب على اليهودية وقال: "وليست اليهودية دين إرهاب بسببِ توظيف تعاليم موسى عليه السلام –وحاشاه-في احتلالِ أراضٍ، راحَ ضَحِيَّته الملايين من أصحاب الحُقُوق من شَعْبِ فلسطين المَغلُوب على أمرِه". بل ذكّر العالم بالحربين العالميتين في استدعاء ذكي للحضارة الغربية، واللتين راح ضحيتهما 70 مليونا من البشر، بأن ذلك لا يحسب على الحضَارة الأوروبيَّة ولا يمكن لنا تسميتها بحضارةَ إرهاب، وانتهى شيخ الأزهر بقوله: "هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان وعن منطق الحضارات وهذا الباب من الاتهام لو فُتِحَ –كما هو مفتوحٌ على الإسلام الآن- فلَنْ يسلَم دينٌ ولا نظامٌ ولا حضارةٌ بل ولا تاريخٌ من تُهمة العُنف والإرهاب". بابا الفاتيكان الذي قام بزيارته الخارجية الثامنة عشر مذ تسنمه منصب البابا إلى القاهرة، علق بأن "التربية على الانفتاحِ باحترام، وعلى الحوارِ الصادقِ مع الآخر، مع الاعترافِ بحقوقِهِ وبالحرّياتِ الأساسيّة، ولاسيما الحرية الدينيّة منها، تشكّل الطريقَ الأفضل لبناء المستقبل معًا، لنكون بناة حضارة. لأن البديل الآخر الوحيد لثقافة اللقاء هو ثقافة الصدام". بكل صراحة نحن بحاجة ماسة للتعاون مع الفاتيكان وباقي الديانات، وسبق أن أشبع هذا الموضوع نقاشا، وثارت جلبة في الساحة الشرعية السعودية إبان مليكنا المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز الذي أمر بإنشاء "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، وكتبت حينها بأننا في مرحلة نحتاج إلى تكاتف الأديان السماوية، فثمة مشتركات عامة نحتاج الوقوف فيها سويا أمام الهجمة الشرسة من أصحاب المبادئ المناوئة للأديان والملحدين، الذين اخترموا بعقائدهم الفاسدة كل المجتمعات التي كانت مغلقة في السابق، ومن الضروري أن يتفهم العلماء وطلبة العلم الشرعيون هذه الظروف الاستثنائية التي توجب علينا التعاون في المشتركات العامة. شيخ الأزهر أشار في كلمته الضافية لهذه النقطة أمام بابا الفاتيكان، بعد أن شكره على مواقفه المنصفة مع الإسلام في قضية الإرهاب، فقال طارحا الحل الذي يراه للأزمة العالمية: " لا حَلَّ فيما يُؤكِّدُ عُقلاءُ المُفَكِّرين في الغَربِ والشَّرقِ إلَّا في إعادةِ الوعي برسالاتِ السَّماء، وإخضاع الخِطاب الحَدَاثي المُنحَرِف لقِراءةٍ نقديَّةٍ عَميقة تنتشل العقل الإنساني مما أصابه من فقر الفلسفة التجريبية وخوائها، وجموحِ العقلِ الفردي المُستبد وهيمنَتِهِ على حياة الأفراد، وألَّا يكون طَوْرُ ما بعد الحَدَاثَة قاصِرًا على مُجَرَّد تجميل هذه المَذاهِب وترقيعها بفلسفاتِ الخيَال والوجدان.. وفيما يرى الفلاسفة والمؤمنون فإنَّه لا مَفَرَّ من إعادة صِياغَة كُل ذلك في سياق المؤاخاة والتراحُم أوَّلًا ، وهذا السياق هو بمثابة تِرياقٍ يَضُخُّ الحياة في المذاهب الفلسفيَّة، والقَوالِب العِلْميَّة والعَمَلِيَّة الجَامِعَة، وأن هذا الترياق لا يوجد إلَّا في صَيدَليَّةِ الدِّين والدِّين وَحده". شكرا أحمد الطيب على خطابك الصريح في تصحيح صورة الإسلام، متمنيا أن تتكرر مثل هذه المؤتمرات العالمية في مراكش غدا وبعدها في إسطنبول وكوالمبور وبقية العالم الإسلامي بعد أن بدأت في مكةالمكرمة وتثنت في القاهرة.