رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" ملاذ آدم " تعرية الذكورة ..الهامش النسوي المقاوم
نشر في صوت البلد يوم 08 - 02 - 2017

ينضاف صوت جديد للأنثى السردية في النص الروائي اليمني؛ "ملاذ آدم" الرواية التي صدرت مؤخرًا عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة 2017، لليمنية ذكريات البرَّام، وهي باكورة أعمالها الأدبية.
في بداياتها؛ اتسمت الرواية اليمنية بالقصور الفني والأسلوبي، منذ رواية "سعيد"، صدرت 1939، لمحمد علي لقمان، مروراً بالمراحل اللاحقة في الستينيات والسبعينيات، واقتصار الرواية حينها على الهم الوطني والقضايا العامة، واعتمادها الخطاب السياسي في مضامينها وبنائها.
ثمْ شهدت الرواية اليمنية تطورًا ملحوظًا تَخلّق فيه النسق الثقافي شيئًا فشيئًا في أغوار النص الروائي، ولعل رواية "الرهينة" 1984 لزيد مطيع دماج، كانت الإضمار الأول لهذه الأنساق، والاحتفاء الجريء بقضايا المرأة والسلطة والجنس، والتناول الاجتماعي الذي يطرح رؤية النص وتوصيفاته للقيم والسلوكيات والعادات الاجتماعية.
تبعتها المرحلة الحديثة للرواية اليمنية بما اشتملته من تجديد ونضج فني واتساع للأصوات السردية وتنوع فيها، وحضرت اليمنية بشكل لافت بوصفها روائية مؤلفة أو راوية متَخيلة داخل النص تحكي قضاياها وتبث انفعالاتها.
وحين تحضر الأنثى بوصفها كاتبة للعمل السردي؛ فإن أهم ما تتجه إليه هي قضايا النوع البيولوجي، إذ تعد الأنثى في الراهن اليمني، كما في الموروث، مضطهدة وتعيش قهرًا اجتماعيًا لصالح النفوذ الذكوري وسلطة الرجل المهيمنة في مجتمع محافظ، يتزيّا بالرؤى والآليات القامعة للمرأة، حيث يَعد ذلك من صلاحها والحفاظ عليها في إطار من الشرف المصوغ بتقديرات الرجل وتصوراته وحده، بما لا يُدينه مهما بلغت خطاياه المجتمعية، وفقًا لمفاهيم ورؤى تشكلت في ثقافته، استمدها عُرفًا، وفهمًا دينيًا معينًا، والتصور الذكوري بالمجمل.
والأنثى في هذا المكان والزمان البيئي اليمني، بحمولاته الثقافية الضاغطة على المرأة؛ تكابد لتنفذ إلى حريتها ورغباتها والنبش في كينونتها وإعلان موقفها من المجتمع والعادات والهيمنة الذكورية؛ تنفذ إلى كل ذلك عبر السرد، بوصفه الصوت الثقافي الفعال، المعالج لذاتها أولاً عبر البوح، والمعبر عن قدراتها وتمردها الثقافي، والمنتِج لتصوراتها في وجه سلطة الرجل ثانيًا، بما يمتلكه السرد من قدرة جاذبة للتلقي عند النوعين الذكر والأنثى، وبوصفه رسالة ثقافية معمقة تحدث أثرًا في المخيال المعرفي والاجتماعي.
هذا ما تحاوله "ملاذ آدم" الرواية التي تحاول صاحبتها الروائية نفي الصفة السردية عن هذا العمل في تنويهها عنه بدءًا، وتعدّ هذا النص أحداثًا حقيقية ليست ملتزمة بسردها بتقانات الكتابة السردية وفنياتها، كما لو أنها تعفي نفسها من التزامات الكتابة وتبعات النقد، وإن كانت قد وسمت العمل بالرواية في غلافها الخارجي.
إن هذا النص بوح جديد للأنثى في المجتمع اليمني، يجمع القهر الأنثوي والخيبات المتتالية التي تعيشها، ويقتاتها المجتمع النسوي على الدوام، في ظل قمع الرجل وسطوته، ويكاد النص يشتغل على ثيمة الجسد بوصفه الباعث الحقيقي لجدلية العلاقة بين الذكر والأنثى، وهو الحاجة البيولوجية للذكر من أنثاه، أضف لذلك خدمتها القسرية له دونما حضور بشري آخر، بينما الرجل هو السائد والمهيمن.
يمتلك النص قدرة مدهشة على الوصف، وحبك الأحداث، وانسيابها دونما تعقيد، مع محاولة الاستفادة من تقنيات روائية مثل: الاستباق والاسترجاع والتواتر الزمني والرؤية من داخل الذات...، مع محاولة إثبات حضور الأنثى الساردة بضمير "الأنا" بشكل لافت عبر استعراض ثقافتها وقراءاتها والاسترسال في الاستدلال، كأنها تريد أن تقول كل ما تعرفه، لتثبت قدراتها أمام رجل متنوعٍ أوردته في السرد، قد يكون أقل منها معرفة، أو صاحب معرفة لكنه في المجمل لا يختلف في نظرته التقليدية للمرأة، أو متدينًا ويخفي خطايا وظلمًا كبيرًا، متحضرًا ويفكر بعقلية العادات، أو رجلاً عاديًا يحضر بطيبته النادرة تجاه المرأة ولا يغريه جسدها، وغيرها من الأنواع للذكر التي حاكمها النص السردي، وكشف عوار سلطته ومثالبها، مع حضور الأنثى (الجسد) باهتمام وفخر يقابل الاهتمام المادي للذكر بالجسد الأنثوي، وكأنه يقاوم النظرة القاصرة للرجل إزاء المرأة باعتبارها جسدًا للمتعة فقط، بل تتباهى الأنثى بما تملك، وترى فيه ميزة لكنها لمن يستحقها.
وهي لا تخفي رغباتها كحاجة إنسانية تُضاد حاجة الرجل، بل تجعل من هذا التوظيف أيقونة مقاومة وانتصار على تهميش الرجل لها، وإثبات حضور ومنافسة، فهي كائن مثل الرجل لها مالها وعليها أيضًا، بشكل رامز لسلطة المرأة التي تثأر من امتهان سلطة الرجل لها ونفعيته.
أرادت الرواية أن تلملم أوجاع المرأة عبر سردٍ موازٍ لنماذج أنثوية عديدة، بتجارب مريرة مختلفة كما أعلنت، لكنها اندغمت في الغالب تحت صوت سردي واحد، هو صوت الساردة وبطلة النص (ملاذ) وإن أشارت بشكل عارض وخفيف لتجارب قريناتها، وظل النص محتفيًا بملاذ وأوجاعها المتنوعة مع الرجل القامع والظالم والخاذل وغير المكافئ أو الأقل من طموحها، وغيرهم عبر وجوه عديدة نمذجتها الروائية لتصوراتها النسوية والأنثوية إزاء الرجل.
لا يخلو النص من تعالقات ومواقف سياسية لا تستطيع الساردة إخفاءها أو تزويقها سرديًا، كما أنها تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي الجديدة آليات حاضرة لبناء النص وحبك أحداثه، وهذه مقاربة مهمة وعصرية لواقع جديد تفرضه هذه الوسائل وتؤثر في تأطير العلاقة بين الذكر والأنثى بشكول مختلفة ومغايرة، هو بحاجة لدرس وتناول معمق.
تظل الأنثى في النص صوتًا مُلحًا، راغبًا بالحياة وطموحًا منتصرًا رغم كل الهزائم والخذلان، لا يتوقف كفاحها، كما لا يذبل شغفها بالحب والحياة والبحث عن فرح يليق، وإن كانت تتوارى بظروف غامضة في النهاية، لكن صداها الراغب بالانعتاق والاقتدار والحضور المؤثر في الحياة والتماس نعمائها، هو الصوت السردي المهيمن على كل النص بعيدًا عن نهاية مأساوية وتقليدية للرواية.
الرواية فضحٌ لواقع يُظهر غير ما يبطن، تختفي وراء تمنطقاته وتمسحاته بالقيم والتدين الكثير من مظاهر الظلم والقسوة والتخلف والانتهاك الممنهج للمرأة وما يتعلق بها ويتصل، كما هي محاولة جريئة للاقتراب من تفكيك واقع مبهم، تلتبس فيه العلاقة الجدلية بين الذكورة والأنوثة بعمقها وعسر تفسيرها، وهي أيضًا حضور أنثوي مهم في واقع جامد يتطلب انتصارًا وإسنادًا ومؤازرةً أولاً من الأنثى للأنثى قبل الرجل.
كما تبقى الرواية حالة من التداخل المعرفي بحمولاتها الصارخة تهز من بعض قناعات الرجل تجاهها، وتحاول أن تعيد حساباته وتلفت انتباهه لما يجترحه بحقها.
من جهة خفية؛ فالرواية تكشف للرجل عن مفاتيح مهمة في شخصية الأنثى وطرائق جذبها وكسبها، وتنبهه لطبائعها وسلوكها، وقدراتها العقلية وامتيازاتها البيولوجية، وصفاتها الفسيولوجية، أو حالاتها السيكولوجية. كما هي تقديم لعوالم المرأة للمرأة ذاتها، لتتعاضد على البوح به، وتعتاد على مناقشته وتداوله، كي تخرج من الهامش الذي وضعها فيه الرجل إلى المتن المجتمعي بغية الحضور والتأثير فيه.
وبرغم ما يمكن أن يُلحظ على الرواية فنيًا وأسلوبيًا وفي ممكنات الخطاب الروائي وتمثلاته، أو حتى عثرات لغوية وأسلوبية، وتنويهات في مهارات السرد وبراعة الحوار؛ فإنها نص سلسٌ جذاب، لين وممتع، متحمس لقضيته وجريء في عرضها وتقديمها بقالب فني يوارب بخفة ولا يصادم بحِدّة، يخطو بقدرة معرفية وإمكانات ممزوجة بحبكة الأنثى الممتعة التي تجمع بين براءة الريف وحلاوته السهلة، ورونق التمدن وإبهار مدن العالم الأول.
......
د. فارس البيل ناقد ثقافي وأكاديمي يمني
ينضاف صوت جديد للأنثى السردية في النص الروائي اليمني؛ "ملاذ آدم" الرواية التي صدرت مؤخرًا عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة 2017، لليمنية ذكريات البرَّام، وهي باكورة أعمالها الأدبية.
في بداياتها؛ اتسمت الرواية اليمنية بالقصور الفني والأسلوبي، منذ رواية "سعيد"، صدرت 1939، لمحمد علي لقمان، مروراً بالمراحل اللاحقة في الستينيات والسبعينيات، واقتصار الرواية حينها على الهم الوطني والقضايا العامة، واعتمادها الخطاب السياسي في مضامينها وبنائها.
ثمْ شهدت الرواية اليمنية تطورًا ملحوظًا تَخلّق فيه النسق الثقافي شيئًا فشيئًا في أغوار النص الروائي، ولعل رواية "الرهينة" 1984 لزيد مطيع دماج، كانت الإضمار الأول لهذه الأنساق، والاحتفاء الجريء بقضايا المرأة والسلطة والجنس، والتناول الاجتماعي الذي يطرح رؤية النص وتوصيفاته للقيم والسلوكيات والعادات الاجتماعية.
تبعتها المرحلة الحديثة للرواية اليمنية بما اشتملته من تجديد ونضج فني واتساع للأصوات السردية وتنوع فيها، وحضرت اليمنية بشكل لافت بوصفها روائية مؤلفة أو راوية متَخيلة داخل النص تحكي قضاياها وتبث انفعالاتها.
وحين تحضر الأنثى بوصفها كاتبة للعمل السردي؛ فإن أهم ما تتجه إليه هي قضايا النوع البيولوجي، إذ تعد الأنثى في الراهن اليمني، كما في الموروث، مضطهدة وتعيش قهرًا اجتماعيًا لصالح النفوذ الذكوري وسلطة الرجل المهيمنة في مجتمع محافظ، يتزيّا بالرؤى والآليات القامعة للمرأة، حيث يَعد ذلك من صلاحها والحفاظ عليها في إطار من الشرف المصوغ بتقديرات الرجل وتصوراته وحده، بما لا يُدينه مهما بلغت خطاياه المجتمعية، وفقًا لمفاهيم ورؤى تشكلت في ثقافته، استمدها عُرفًا، وفهمًا دينيًا معينًا، والتصور الذكوري بالمجمل.
والأنثى في هذا المكان والزمان البيئي اليمني، بحمولاته الثقافية الضاغطة على المرأة؛ تكابد لتنفذ إلى حريتها ورغباتها والنبش في كينونتها وإعلان موقفها من المجتمع والعادات والهيمنة الذكورية؛ تنفذ إلى كل ذلك عبر السرد، بوصفه الصوت الثقافي الفعال، المعالج لذاتها أولاً عبر البوح، والمعبر عن قدراتها وتمردها الثقافي، والمنتِج لتصوراتها في وجه سلطة الرجل ثانيًا، بما يمتلكه السرد من قدرة جاذبة للتلقي عند النوعين الذكر والأنثى، وبوصفه رسالة ثقافية معمقة تحدث أثرًا في المخيال المعرفي والاجتماعي.
هذا ما تحاوله "ملاذ آدم" الرواية التي تحاول صاحبتها الروائية نفي الصفة السردية عن هذا العمل في تنويهها عنه بدءًا، وتعدّ هذا النص أحداثًا حقيقية ليست ملتزمة بسردها بتقانات الكتابة السردية وفنياتها، كما لو أنها تعفي نفسها من التزامات الكتابة وتبعات النقد، وإن كانت قد وسمت العمل بالرواية في غلافها الخارجي.
إن هذا النص بوح جديد للأنثى في المجتمع اليمني، يجمع القهر الأنثوي والخيبات المتتالية التي تعيشها، ويقتاتها المجتمع النسوي على الدوام، في ظل قمع الرجل وسطوته، ويكاد النص يشتغل على ثيمة الجسد بوصفه الباعث الحقيقي لجدلية العلاقة بين الذكر والأنثى، وهو الحاجة البيولوجية للذكر من أنثاه، أضف لذلك خدمتها القسرية له دونما حضور بشري آخر، بينما الرجل هو السائد والمهيمن.
يمتلك النص قدرة مدهشة على الوصف، وحبك الأحداث، وانسيابها دونما تعقيد، مع محاولة الاستفادة من تقنيات روائية مثل: الاستباق والاسترجاع والتواتر الزمني والرؤية من داخل الذات...، مع محاولة إثبات حضور الأنثى الساردة بضمير "الأنا" بشكل لافت عبر استعراض ثقافتها وقراءاتها والاسترسال في الاستدلال، كأنها تريد أن تقول كل ما تعرفه، لتثبت قدراتها أمام رجل متنوعٍ أوردته في السرد، قد يكون أقل منها معرفة، أو صاحب معرفة لكنه في المجمل لا يختلف في نظرته التقليدية للمرأة، أو متدينًا ويخفي خطايا وظلمًا كبيرًا، متحضرًا ويفكر بعقلية العادات، أو رجلاً عاديًا يحضر بطيبته النادرة تجاه المرأة ولا يغريه جسدها، وغيرها من الأنواع للذكر التي حاكمها النص السردي، وكشف عوار سلطته ومثالبها، مع حضور الأنثى (الجسد) باهتمام وفخر يقابل الاهتمام المادي للذكر بالجسد الأنثوي، وكأنه يقاوم النظرة القاصرة للرجل إزاء المرأة باعتبارها جسدًا للمتعة فقط، بل تتباهى الأنثى بما تملك، وترى فيه ميزة لكنها لمن يستحقها.
وهي لا تخفي رغباتها كحاجة إنسانية تُضاد حاجة الرجل، بل تجعل من هذا التوظيف أيقونة مقاومة وانتصار على تهميش الرجل لها، وإثبات حضور ومنافسة، فهي كائن مثل الرجل لها مالها وعليها أيضًا، بشكل رامز لسلطة المرأة التي تثأر من امتهان سلطة الرجل لها ونفعيته.
أرادت الرواية أن تلملم أوجاع المرأة عبر سردٍ موازٍ لنماذج أنثوية عديدة، بتجارب مريرة مختلفة كما أعلنت، لكنها اندغمت في الغالب تحت صوت سردي واحد، هو صوت الساردة وبطلة النص (ملاذ) وإن أشارت بشكل عارض وخفيف لتجارب قريناتها، وظل النص محتفيًا بملاذ وأوجاعها المتنوعة مع الرجل القامع والظالم والخاذل وغير المكافئ أو الأقل من طموحها، وغيرهم عبر وجوه عديدة نمذجتها الروائية لتصوراتها النسوية والأنثوية إزاء الرجل.
لا يخلو النص من تعالقات ومواقف سياسية لا تستطيع الساردة إخفاءها أو تزويقها سرديًا، كما أنها تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي الجديدة آليات حاضرة لبناء النص وحبك أحداثه، وهذه مقاربة مهمة وعصرية لواقع جديد تفرضه هذه الوسائل وتؤثر في تأطير العلاقة بين الذكر والأنثى بشكول مختلفة ومغايرة، هو بحاجة لدرس وتناول معمق.
تظل الأنثى في النص صوتًا مُلحًا، راغبًا بالحياة وطموحًا منتصرًا رغم كل الهزائم والخذلان، لا يتوقف كفاحها، كما لا يذبل شغفها بالحب والحياة والبحث عن فرح يليق، وإن كانت تتوارى بظروف غامضة في النهاية، لكن صداها الراغب بالانعتاق والاقتدار والحضور المؤثر في الحياة والتماس نعمائها، هو الصوت السردي المهيمن على كل النص بعيدًا عن نهاية مأساوية وتقليدية للرواية.
الرواية فضحٌ لواقع يُظهر غير ما يبطن، تختفي وراء تمنطقاته وتمسحاته بالقيم والتدين الكثير من مظاهر الظلم والقسوة والتخلف والانتهاك الممنهج للمرأة وما يتعلق بها ويتصل، كما هي محاولة جريئة للاقتراب من تفكيك واقع مبهم، تلتبس فيه العلاقة الجدلية بين الذكورة والأنوثة بعمقها وعسر تفسيرها، وهي أيضًا حضور أنثوي مهم في واقع جامد يتطلب انتصارًا وإسنادًا ومؤازرةً أولاً من الأنثى للأنثى قبل الرجل.
كما تبقى الرواية حالة من التداخل المعرفي بحمولاتها الصارخة تهز من بعض قناعات الرجل تجاهها، وتحاول أن تعيد حساباته وتلفت انتباهه لما يجترحه بحقها.
من جهة خفية؛ فالرواية تكشف للرجل عن مفاتيح مهمة في شخصية الأنثى وطرائق جذبها وكسبها، وتنبهه لطبائعها وسلوكها، وقدراتها العقلية وامتيازاتها البيولوجية، وصفاتها الفسيولوجية، أو حالاتها السيكولوجية. كما هي تقديم لعوالم المرأة للمرأة ذاتها، لتتعاضد على البوح به، وتعتاد على مناقشته وتداوله، كي تخرج من الهامش الذي وضعها فيه الرجل إلى المتن المجتمعي بغية الحضور والتأثير فيه.
وبرغم ما يمكن أن يُلحظ على الرواية فنيًا وأسلوبيًا وفي ممكنات الخطاب الروائي وتمثلاته، أو حتى عثرات لغوية وأسلوبية، وتنويهات في مهارات السرد وبراعة الحوار؛ فإنها نص سلسٌ جذاب، لين وممتع، متحمس لقضيته وجريء في عرضها وتقديمها بقالب فني يوارب بخفة ولا يصادم بحِدّة، يخطو بقدرة معرفية وإمكانات ممزوجة بحبكة الأنثى الممتعة التي تجمع بين براءة الريف وحلاوته السهلة، ورونق التمدن وإبهار مدن العالم الأول.
......
د. فارس البيل ناقد ثقافي وأكاديمي يمني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.